تناذر غيلان - باريه عند الأطفال

01:21 صباحا
قراءة 6 دقائق

أصيبت الطفلة جيني بالرشح يوم عيد ميلادها السابع، لكنها لم تهتم ولم تشعر بالتعب وبدت سعيدة جدا وهي تحتفل مع أصدقائها في منزلها، خاصة انها حصلت على الدرّاجة الهوائيّة التي طلبتها من والديها بهذه المناسبة.

لكنها بعد ذلك بأسبوعين، وعندما كانت تلعب على الدرّاجة خارج المنزل أحسّت بأنها لم تعد تستطيع قيادتها، وبصعوبة بقيت ممسكة بها مع والدها الذي سخر منها وقال لها: لقد صرت كسولة. لكنه شعر بقلق شديد عليها عندما أخبرته بأنّ رجليها تؤلمانها وكذلك ظهرها، وعندما عادوا للمنزل لم تغادر الفراش. عندما استيقظت جيني في اليوم التالي أحسّت أنّ رجليها أصبحتا رخوتين مثل الجيلي ولم تستطع النهوض.

عندما استدعي الطبيب شخّص إصابتها بمرض تناذر غيلان-باريه Guillain-Barr#233; Syndrome ويرمز له ب GBS ، وقرر نقلها مباشرة إلى أقرب مستشفى، وتأكّد التشخيص بنتيجة الفحوصات المخبرية، فتم تحويل جيني إلى مستشفى خاص بالحالات العصبيّة، وأدخلت في قسم العناية المركزة لابقائها تحت الملاحظة الطبية المتواصلة.

غير ان الضعف تطور إلى شلل تامّ بالأطراف السفليّة، ثم وصل الأطراف العلويّة، وبعد ذلك ضعفت عضلات الوجه وعضلات البلع وبدأ يسيل اللّعاب من فمها وأصبحت تستنشق الطعام مما استدعى وضع أنبوب تغذية لها.

ما هو مرض غيلان-باريه؟

هو مرض يصيب أعصاب الجسم البشري مبتدئاً بأعصاب الأطراف السفليّة وينتقل بالتدريج صعوداً ليصيب كافة أعصاب الجسم واحداً تلو الآخر.

وتصيب هذه الحالة حوالي 1200 شخص سنويّاً في بريطانيا، وبنسبة 1-2 حالة من كل مائة ألف شخص على مستوى العالم.

ويمكن أن يصيب هذا المرض أيّ شخص من الرضع إلى الكهول، ولكن ترجّح إصابة الرجال به أكثر من النساء.

وعندما يحدث المرض بشكل فجائي حادّ يدعى تناذر غيلان-باريه Guillain-Barr#233; Syndrome (GBS)، اما إذا حدث بشكل بطيء مزمن فيدعى التهاب الأعصاب المتعدد المزيل للنخاعين

Chronic Inflammatory Demyelinating Poly [radiculo] neuropathy (CIPD) وهو أقلّ حدوثاً من GBS.

ويحدث المرض عندما يتفاعل الجسم بشكل خاطىء مع إصابة مرضيّة سابقة، وعادة تكون إصابة صغيرة ناجمة عن فيروس (مثل االرشح) أو جرثوم (كالذي يوجد في الأغذية غير المطبوخة جيداً).

ويكون الجسم عادة مهيّأ ليدافع ضد العضويّات الممرضة فيفرز أجساما ضدّيّة مناعيّة تتفاعل معها وتوقفها، ولكن هنا تهاجم هذه الأضداد الجسم نفسه وذلك بسبب أن أجزاء من الجسم تكون مشابهة لبروتينات صغيرة موجودة في الفيروسات أو الجراثيم فيبدأ الجهاز المناعي للجسم خطأً بمهاجمة الأعصاب المحيطيّة محدثاً فيها حالة التهابيّة تتطوّر بسرعة مؤدّيةً إلى تهدّم الغمد الذي يغلّفها والذي يعرف بالنخاعين (يحيط بالعصب ويسرّع نقل السيّالة العصبيّة إلى مسافة بعيدة لذا تتأثّر الأطراف السفليّة أولاً ثمّ العلويّة... إلخ)، مما يؤدّي إلى انقطاع السيّالة العصبيّة التي تسير عبره، وبالتالي عدم نفل الأوامر من الدماغ إلى العضلات التي لا تستجيب عندما تؤمر بالحركة، فيحدث الضعف أولاً ثم الشلل.

وقد يكون هذا التناذر كارثياً بسبب بدئه المفاجئ وغير المتوقّع إضافة إلى أنّ الشفاء قد لايكون بالضرورة سريعاً.

ويصل المرضى عادة لذروة المرض خلال أيّام أو أسابيع من بدء الأعراض، وبعد ذلك تستقر الأعراض في نفس المستوى لفترة أيّام أو أسابيع وأحياناً أشهر.

وقد تكون فترة الشفاء قصيرة لعدّة أسابيع أو طويلة لعدّة سنوات. فالمرضى لا يعانون فقط من صعوبات فيزيائيّة ولكنهم يعانون أيضاً فترة من الألم النفسي.

وغالباً ما يكون من الصعب جداً للمرضى أن يتقبّلوا الشلل المفاجئ والاعتماد على الآخرين لمساعدتهم على اعمالهم اليوميّة الاعتياديّة. كما قد يحتاجون أحياناً لاستشارة نفسيّة.

ويركّز العلماء لإيجاد علاج جديد فعّال ويعملون أيضاً على الجهاز المناعي لمعرفة الخلايا المسؤولة عن بدء وحدوث الإصابة في الجهاز العصبي.

والحقيقة المهمة في الموضوع أن العديد من الحالات بدأت بعد الإصابة بإنتان فيروسي أو جرثومي مما يرجح وجود صفات خاصّة لبعض العضويّات والتي قد تؤدّي إلى تفعيل الجهاز المناعي بشكل غير مألوف.

ويدرس العلماء حالياً هذه الخاصيّة إذ إن بعض العضويّات تملك أجزاء بروتينيّة تشابه الموجودة في غمد الأعصاب (النخاعين)، كما ان تكوين الأضداد لتعديل هذه البروتينات يمكن أن يسبب تلف الأعصاب. لذلك فإن أطباء وعلماء الأعصاب والمناعة وعلم الفيروسات والأدوية يعملون معاً لتعلّم كيفية ايجاد السبل الوقائيّة وإيجاد أفضل علاج عند حدوث الإصابة.

سريريّاً:

يحدث الشلل عادة بعد الإصابة بالإنتان الفيروسي أو الجرثومي بحوالي عشرة أيّام، وقد يأخذ شكل التهاب معدة وأمعاء بسيط (خاصةً بال Campylobacter) أو التهاب الطرق التنفسيّة العليا (خاصة Mycoplasma Pneumonia) حيث يبدأ المرض بتنميل الأصابع ثم بالأطراف السفلية ويترقى تدريجياً ليصل إلى الجذع أو الأطراف العلويّة وأخيراً إلى العضلات التي تنشأ أعصابها من البصلة السيسائيّة. ولهذا كانت هذه الحالة تعرف سابقا سابقاً بالشلل الصاعد Landry لهذا السبب حسب الطبيب الفرنسي الذي وصّفه أول مرّة عام ،1859 وبعدها وصّفه العالمان Guillain وBarr#233; إبّان الحرب العالميّة الأولى 1916 م حيث وصّفا حالة جنديّين أصيبا بالشلل وقد شفيا تماماً.

الأعراض:

أهمّ أعراض هذا المرض هي

نقص الإحساس، أو ألم بالأصابع والإبهام.

ضعف الأرجل أو ألم يترقّى إلى اليدين.

صعوبات بالمشي.

فرط استثارة ونزق.

صعوبات بالتنفّس.

ضعف بالوجه.

ويكون البدء تدريجيّاً ويترقّى خلال أيّام أو أسابيع حسب كلّ حالة، وتحدث الإصابة العصبيّة في نصف الحالات وتؤدّي إلى شلل عضلات الوجه وهذه من علامات الإنذار قبل حدوث الشلل التنفّسي.

كما ان سلس البول أو احتباسه من اختلاطات المرض ولكنه عابر ويحدث في 20% من الحالات. والطور السريري غالباً ما يكون سليما، ويحدث الشفاء تلقائياً خلال 2-3 أسابيع ويستعيد معظم المرضى القوّة العضليّة بينما تعود المنعكسات الوتريّة في المرحلة الأخيرة حيث يحدث تراجع الأعراض بعكس الطريقة التي حدث بها (أي من الأعلى للأسفل)، فيعود التنفّس وحركات البلع أولاً بينما تعود حركة الأطراف السفليّة في النهاية.

التشخيص:

إن التناذر هو حالة مرضيّة تتظاهر بمجموعة من الأعراض (ما يشعر به المريض) والعلامات (ما يشاهده الطبيب أو يقيسه) وبما أنّ هذه الأعراض والعلامات تتغيّر ولا توجد كلّها سويّة فقد يجد الطبيب نفسه عاجزاً عن التشخيص في المرحلة الباكرة خاصّة أن هناك أمراضا عديدة متشابهة، ولذلك قد يلجأ الطبيب الى:

إجراء تخطيط لقياس الناقليّة العصبيّة Nerve Conduction Velocity (N.C.V.) ( الذي يظهر ضعفها بسبب تلف العصب.

إجراء بذل للسائل الدماغي الشوكي الذي تسبح فيه الجملة العصبيّة، فبضع قطرات من هذا السائل قد تعطي الجواب الشافي إذ يرتفع فيها البروتين إلى ضعفيّ الحدّ الأعلى للطبيعي ويعتبر مشخّصاً.

أحياناً يقيس خميرة العضلات في الدم CPK ، فإذا كانت طبيعيّة فهي تدلّ على أنّ الإصابة عصبيّة ولاحاجة لإجراء خزعة عضليّة.

العلاج:

يجب قبول المرضى في المستشفى منذ بداية المرض الحادّ وذلك للمراقبة. فالشلل الصاعد يمكن أن يصيب عضلات التنفّس سريعاً (خلال ال 24 ساعة التالية للإصابة) وعندها يوضع المريض على جهاز التنفّس الصناعي Ventilator لإنقاذه، ويبقى كذلك إلى أن يتحسّن وتعود وظيفة العضلات إلى طبيعتها. كما يجب وضع المريض على شاشة مراقبة (Monitor) لمتابعة نبض القلب والضغط. أما في المرض البطيء فيبقى المريض في المستشفى للمراقبة لأنه يشفى تلقائياً ويستقرّ دون علاج.

وأهمّ طرق العلاج هي:

فصادة البلازما Plasmapheresis، وفيها يوصل المريض إلى جهاز خاص يفصل البلازما عن الكريّات الدمويّة للمريض ويعيدها مع بلازما جديدة متوافقة مع زمرة المريض بحيث تخلّصه من العضويّات والأضداد الموجودة في بلازما الدم التي سببت تلف الأعصاب.

ويمكن تكرار هذه الجلسة 4 مرّات حيث ثبت بالدراسة انه لا فائدة إضافيّة بعد الجلسة الرابعة. وتكون نتائج هذا العلاج فعلاً باهرة.

إعطاء المريض الغلوبين المناعي (Immunoglobulin)، وفيها يعطى المريض الغاماغلوبولينات المناعيّة (وهي ما يصنعها جسم الإنسان عادة ليهاجم العضويّات الممرضة) لمدة 2-3 أو 5 أيّام بجرعات عالية مأخوذة من مانحين (واهبين) أصحّاء فتساعد الجسم على الشفاء سريعاً.

الستيروئيدات (الكورتيزون) جرّبت ولكنها لم تعط فائدة إذا لم نقل انها أساءت للمريض

المعالجات الداعمة، الوقاية من قرحات الفراش بالأشخاص المصابين بالشلل الرباعي، علاج الإنتانات الثانويّة خاصة التنفسيّة. علما بان استعمال المضادات الحيويّة لا يفيد في حالة التهاب الأعصاب العديد حتى لو ثبت أن السبب جرثومي لأنّ المرض محدّد لنفسه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"