تجار «كورونا»

23:48 مساء
قراءة دقيقتين


مارلين سلوم

للفساد أجنحة يحلق بها عالياً جداً، أعلى مما يتخيله العقل أحياناً؛ والإنسان الفاسد ينظر إلى كل شيء في الحياة بعين «الاستغلال»، فيفاجئك بالحدود التي قد يصل إليها خياله، وما قد يفعله.
كل شركات الطيران حول العالم تفرض على المسافرين تقديم «شهادة براءة» من «كوفيد- 19»، قبل صعودهم الطائرة، كنوع من الحماية الضرورية لكافة المسافرين وطاقم الطائرة. الإجراء من شأنه أن يسهم في الحد من انتشار الوباء، شرط أن يلتزم به المسافرون جميعاً، ولا تنفع معه وساطة أو أي وسيلة من وسائل الإعفاء أو تجاوز القرار، والطبيعي أن يكون الجميع تحت القانون وتحت القرارات الصحية التي تحمي الناس والدول من هذا الوباء.
لم نتخيل أن يصل الفساد إلى حدود التلاعب بهذه النتائج والشهادات، وأن تعمد وكالات سفر في بلد متحضر مثل بريطانيا، إلى تزوير الشهادات الصحية واستبدال «الإيجابي» بـ«السلبي»، مقابل ١٥٠ جنيهاً إسترلينياً للشهادة، هكذا ببساطة يحمل المصاب بـ«كورونا» شهادة طبية مزورة ويحمل معه الوباء ليركب الطائرة وينقل العدوى إلى كل أو معظم المسافرين، ويكمل رحلة نشره الوباء في البلد الذي يقصده، فيذهب ضحيته العشرات والمئات، ومنهم من لا يحمل أعراض الفيروس فيغادر الدنيا، كي يسعد فاسداً ويجمع المزيد من الأموال والأرباح.
تاجر يبيع ضميره لقاء ١٩٥ دولاراً أمريكياً، ويتسبب بكوارث صحية، في الوقت الذي يدب الذعر في نفوس شعوب عاد الوباء للانتشار فيها بشكل مخيف، وعاد فرض الحظر وإغلاق مؤسسات وتوقف أعمال.. ما يعيدنا إلى نقطة الصفر ويعيد عرقلة عجلة الاقتصاد ويهدد مصائر عائلات..
المشكلة في أنانية الفاسد، فهو لا يرى سوى مصلحته الشخصية، والكارثة أن يصل به الأمر إلى الاتجار بأرواح البشر بطريقة غير مباشرة، وباستبدال كلمة بأخرى؛ من «إيجابي» إلى «سلبي» تتبدل الأحوال ويجد العالم نفسه يلف في دوامة لا مخرج منها، وكأنه لا يكفينا ما نعيشه والفوازير التي يضعنا أمامها «كوفيد- ١٩» ولا يجد الطب حلاً لها، والأعراض التي يبدلها ليجدد من نفسه ويكمل رحلة المفاجآت الكارثية.
وكلاء سفر يبيعون شهادات مزورة ليكسبوا زبائن، ووباء يهدد العالم ولا يتراجع، وشعوب تكافح وتحجر نفسها وتكاد تنسى وجوه الأحبة والأهل حرصاً على حماية النفس والآخرين، ومساهمة في الحد من انتشار الوباء. إنه عالم غريب حقاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"