دولة عالمية للعلوم

23:14 مساء
قراءة دقيقتين

عبد اللطيف الزبيدي

هل يسير العالم نحو عالمية علمية؟ «المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية» خير مثال على أن الغايات العليا ذات القيم السامية، هي خير ما يمكن أن تلتقي عند مناهله الإنسانية. لا وجود للقوميات والأعراق والعقائد في الرياضيات والفيزياء والكيمياء. تلك المنظمة تحتضن أكثر من 17 ألف عالم باحث، من أكثر من مئة بلد، إضافة إلى دول تربطها بها علاقة غير عضوية، فالأواصر نسبية، فهي لا تحظى بالخدمات كلها، ولا عليها التزامات مادية كاملة.

قلب هذه المنظمة المسارع النووي الكبير المعروف باسم «إل إتش سي»: «مصادم الهدرونات الكبير»، وهو أعظم مختبر فيزيائي في العالم، قطره 27 كيلومتراً في عمق أكثر من مئة متر تحت سطح الأرض، تتصادم فيه بروتونات الذرة بما يقارب سرعة الضوء، في اتجاهين متعاكسين، ما يولد طاقة هائلة، هي محاكاة مصغرة للانفجار العظيم؛ لهذا انطلقت قبل سنوات أخيلة كثير من المفكرين والعلماء والإعلاميين، محذرة من أن الأمور لو خرجت عن السيطرة، لكانت سبباً في كارثة. مثل هذه الإنذارات انطلقت صرخاتها، عندما بدأ التفكير في تجربة «ترويض» الهيدروجين كوقود للسيارات. 

تخيّل نفسك تركب سيارتك وتشغلها بقنبلة هيدروجينية صغيرة، وإذا بخلل ما يجعل الهيدروجين، وهو «حيدر الجن» ينفلت من عقاله، فإذا بالشوارع والجسور القريبة كلها «راحت ملح» هباء منثوراً، لكن «لا توحشِ النفس بخوف العلومْ.. فإنما الطاقات أصل النجومْ.. واغنم من العلم مصابيحهُ.. فليس في الظلمة رغْد النعيمْ».

أولئك العلماء من كل الأجناس والألوان والسلالات والأيديولوجيات والثقافات والحضارات، وعلينا ألا ننسى الصراعات والنزاعات. بمجرد دخولهم مختبر «مصادم الهدرونات الكبير»، تتوارى صدامات حضاراتهم، يتبيّن أن صموئيل هنتنجتون ليس سوى أفّاك أشر في إثارته فتن «صدام الحضارات»، وينكشف أن فوكوياما أضأل من أفول إلكترون أو فوتون في هذا الكون، فادّعاؤه «نهاية التاريخ» هراء، فالتاريخ منها براء. بمجرد دخول علماء الفيزياء المختبر العظيم تختفي صفاتهم وبصمات أحماضهم النووية، لا يبقى غير الفيزياء النووية، وتجليات الأنوار من الطاقات الكونية، لا هويّات ولا جنسية، يتجردون من الحسابات الشخصية، ينعتقون من محابس الزمان والمكان إلى مقاييس اللامقاييس في الفيزياء الكمية. إنها التجليات العلمية.

لزوم ما يلزم: النتيجة الإعجازية: أليس الإنسان مقبلاً على رحلات سحرية في تصادم الجسيمات ما دون الذرية، وهو جزء ضئيل من الثانية، يعود الزمن 13.8 مليار سنة إلى ومضة الانفجار العظيم؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"