عادي

مسبار الأمل.. حلم الإمارات إلى الفضاء

02:10 صباحا
قراءة 9 دقائق
1

إعداد:  يمامة بدوان

رحلة دولة الإمارات طوال 49 عاماً، حافلة بالإنجازات غير المسبوقة في قطاع الفضاء، حيث لم تتوقف عند المشاركة في بناء الأقمار الاصطناعية مع دول صديقة فحسب، بل جعلت من اللامستحيل سقفاً لها، حيث عانقت بأيدي أبنائها حدوداً لم تصلها أي دولة عربية في وقت سابق، وحجزت لنفسها مقعداً بين بلدان العالم المتقدمة في مجال صناعة واستكشاف الفضاء وكواكبه، حتى أصبح اسمها يرافق مشاريع رائدة وبرامج طموحة. ويعود اهتمام دولة الإمارات العربية المتحدة بعلوم الفضاء والفلك إلى سبعينيات القرن الماضي، عندما التقى المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» في فبراير 1976 مع فريق وكالة ناسا الأمريكية والدكتور فاروق الباز، حيث كان هذا اللقاء حافزاً لتوجيه اهتمام الإمارات بالفضاء، ما أدى إلى ولادة قطاع وطني للفضاء، شمل تطوير وتصنيع أقمار اصطناعية وإرسال أول رائد فضاء إماراتي عربي في مهمة تاريخية للمحطة الدولية للفضاء وإطلاق مسبار الأمل لاستكشاف المريخ، بالإضافة إلى الإعداد لإطلاق مهمة لاستكشاف القمر وغير ذلك الكثير.

جسد دخول الإمارات لنادي الفضاء العالمي خطوة كبيرة عملت الدولة على ترك بصمة مهمة فيه، فيما مثلت رؤية القيادة والمشاريع والخطط المتعددة التي دُشنت، نقطة تحول مهمة نحو استشراف المستقبل العلمي للدولة، حيث أصبحت «وكالة الإمارات للفضاء» و«مركز محمد بن راشد للفضاء»، بمجهوداتهما ودعم القيادة والحكومة، منصتين مهمتين لإطلاق المشاريع والخطط المعنية بالقطاع، والمعنيتين بهذا الملف الحيوي الذي سيضع للإمارات بصمة مهمة عالمياً خلال الفترات المقبلة، وبرهن على ذلك بلوغ الاستثمارات في هذا القطاع إلى 22 مليار درهم خلال السنوات الماضية، مما يؤكد الإرادة السياسية الموجودة لتحقيق نجاحات مستقبلية للدولة. 

تنافسية عالمية 

وتمتلك الإمارات أكبر قطاع فضائي في المنطقة، حيث يبلغ حجم استثمار الدولة في الأنشطة الفضائية 22 مليار درهم، فيما وصل عدد الأقمار الصناعية التي أرسلتها الإمارات إلى الفضاء خلال العقدين الماضيين 11 قمرا بينها 6 أقمار مخصصة للاتصالات عبر شركتي «الثريا» و «الياه سات»، و4 أقمار صناعية أطلقها مركز محمد بن راشد للفضاء، متخصصة في التصوير والاستشعار عن بعد وأيضا في المجال التعليمي إضافة إلى القمر الصناعي «مزن سات» الذي أطلقته الإمارات في سبتمبر الماضي.

وتقف وراء الجاذبية الاستثمارية التي يتمتع بها قطاعات الصناعات الفضائية في الدولة 4 عوامل رئيسة تتمثل في الدعم الرسمي والحكومي وعلى أعلى المستويات، والأسس التشريعية والقانونية السليمة التي تنظم عمل قطاع الفضاء محلياً، والبنية التحتية المتطورة مثل مراكز التطوير والأبحاث العلمية ذات الصلة، إضافة إلى حجم الاستثمار الحكومي الهائل في هذا القطاع والذي برز من خلال مشاريع عملاقة مثل مشروع الإمارات لاستكشاف القمر، وإرسال مسبار الأمل إلى المريخ، ومشروع بناء أول مستوطنة بشرية على الكوكب الأحمر «المريخ» حتى حلول عام 2117.

بداية الحكاية 

وفي العام 2006، تم تأسيس مؤسسة الإمارات للعلوم المتقدمة والتكنولوجيا «إياست»، بهدف الاستعداد للبدء في تأسيس قطاع الفضاء والتقنيات المتقدمة بإنشاء «إياست» واضطلعت بأهداف غير اعتيادية، تمثلت في التركيز على برامج نقل المعرفة، وإعداد الفرق الأولى من الخبراء والمهندسين الإماراتيين المتخصصين في العلوم المتقدمة والتكنولوجيا وعلوم الفضاء، وإطلاق المشاريع العلمية الطموحة لدولة الإمارات، أعقب ذلك في 16 يوليو/ تموز 2014 مرسوم تاريخي أصدره صاحب السموّ الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، لإنشاء وكالة الإمارات للفضاء، ثم تلاه مرسوم أصدره صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل متكوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله عام 2015 وشمل تأسيس مركز محمد بن راشد للفضاء، كما نص على دمج مؤسسة الإمارات للعلوم والتقنية المتقدمة مع المركز.

قمر محمد بن زايد 

وفي 28 أكتوبر/ تشرين أول 2020، أعلن صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، عن مشروع القمر الصناعي الإماراتي الجديد «MBZ-Sat»، ثاني قمر صناعي إماراتي يبنيه ويطوره بالكامل فريق من المهندسين الإماراتيين، بعد قمر «خليفة سات»، وسيكون «MBZ-Sat»، الذي سيعمل عليه في مركز محمد بن راشد للفضاء بدبي، القمر الصناعي المدني الأكثر تطوراً في المنطقة في مجال التصوير الفضائي العالي الدقة والوضوح؛ حيث يتوقع إطلاقه عام 2023.

وأضاف سموّه: «اخترنا اسم MBZ-Sat للقمر الصناعي الجديد الذي ستطوره أياد وكفاءات إماراتية خالصة، وهي الأحرف الأولى من اسم أخي صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد، تيمناً بهذا الاسم الغالي الذي يقف صاحبه وراء إنجازات نفاخر بها بين الأمم والشعوب.

وسيزود القمر«MBZ-Sat«بنظام» «مؤتمَت» لترتيب الصور على مدار الساعة، يضمن له توفير صور تحاكي بجودتها أعلى معايير الدقة لصور الأقمار الصناعية المخصصة للاستخدامات التجارية في العالم، كما يعد القمر الجديد رابع قمر صناعي لرصد الأرض يطوره ويطلقه مركز محمد بن راشد للفضاء؛ حيث يعزز جهود المركز في توسيع محفظة عروضه من تقنيات ومنتجات التصوير المخصصة للجهات الحكومية والمؤسسات التجارية في العالم.

استكشاف القمر

وفي 29 سبتمبر/ أيلول 2020، أطلق صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، مشروع «الإمارات لاستكشاف القمر»، أول مهمة عربية علمية لاستكشاف القمر، في سابقة تدعم جهود الدولة في الارتقاء بقطاع الصناعات الفضائية في المنطقة، وتطويره وتمكينه، للمساهمة في صناعة المستقبل بعقول وسواعد إماراتية مبتكرة، وذلك ضمن الاستراتيجية الجديدة التي أطلقها مركز محمد بن راشد للفضاء (2021 - 2031)، حيث يشمل تطوير وإطلاق أول مستكشف إماراتي للقمر تحت اسم «راشد»، على اسم المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، باني دبي الحديثة، والذي سيتم إطلاقه في العام 2024.

وسيتم تصمّيم المستكشف ويبنى بجهود إماراتية 100%، لتكون دولة الإمارات بذلك رابع دولة في العالم، تشارك في مهام استكشاف القمر لأغراض علمية وأول دولة عربية تقوم بمهمة فضائية لاستكشاف سطح القمر، عبر مستكشف سيطوره فريقٌ من المهندسين والخبراء والباحثين الإماراتيين في المركز، وسيكون هناك تعاون مع حليف دولي سوف يختاره لدعم المستكشف في عملية الهبوط على سطح القمر.

تدريبات في «ناسا»

وفي 21 سبتمبر/ أيلول 2020 أعلن مركز محمد بن راشد للفضاء ووكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» عن توقيع اتفاقية لتدريب رواد الفضاء الإماراتيين في الولايات المتحدة الأمريكية، على مهمات طويلة الأمد بالمحطة الدولية للفضاء، فضلا عن السير في الفضاء، ويشمل برنامج التدريبات نفس وحدات ومكونات تدريبات رواد ناسا للفضاء، لتأهيلهم لإدارة مهام مختلفة في محطة الفضاء الدولية، والتدريب على مهمات السير الفضائي خارج المحطة، والبقاء لفترات طويلة في المحطة الدولية، والتدريب على جوانب عدة في نطاق العمليات التي تتم على متن المحطة. 

مزن سات 

وفي 27 سبتمبر/ أيلول 2020 عند الساعة 3:20 مساء تم إطلاق القمر البيئي «مزن سات»، من قاعدة بليسيتسك الفضائية في روسيا، ويعد الأول من نوعه في دولة الإمارات، حيث قامت وكالة الإمارات للفضاء بالتعاون مع جامعة خليفة والجامعة الأمريكية في رأس الخيمة بإطلاق مشروع تطوير وبناء القمر لدراسة الغلاف الجوي للأرض. 

مسبار الأمل 

وفي الرابع عشر من إبريل/ نيسان 2015، غرد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله، على تويتر قائلا: «الإخوة والأخوات بدأنا بحمد الله الإعداد لإطلاق أول مسبار عربي إسلامي لاستكشاف كوكب المريخ #مسبار_المريخ سيكون بداية لدخول العرب عصر الفضاء».

وقبل 6 سنوات، بدأ مسبار الأمل كفكرة، حين أعلنت القيادة الرشيدة عن مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ، وإرسال أول مسبار عربي إسلامي للكوكب الأحمر، من أجل دراسة غلافه الجوي، لإمكانية الحياة على سطحه بالمستقبل، في رحلة تمتد ل 7 أشهر، ثم يحط رحاله تزامناً مع احتفالات الإمارات بيوبيلها الذهبي ومرور 50 عاماً على إعلان الاتحاد، لتكون الإمارات التاسعة عالميا والأولى عربياً في استكشاف الكوكب الأحمر.

لكن الفكرة أصبحت حقيقة بعد إطلاقه الناجح مركز تانيغاشيما الفضائي في اليابان في العشرين من يوليو/ تموز 2020 إلى المريخ في تمام الساعة 01:58 صباحاً بتوقيت الإمارات.

في فبراير/شباط 2020، أعلنت دولة الإمارات تفاصيل قانون الفضاء الأول من نوعه على المستويين العربي والإسلامي، والذي يحمل 10 أمثلة لمجالات فضائية جديدة وناشئة، منها الإطلاق من الفضاء، السياحة الفضائية وامتلاك الموارد الفضائية واستخدامها والتعامل مع الحطام الفضائي والأحجار النيزكية، لتتم الاستفادة منه على مستوى الإقليم.

وفي 4 يوليو/ تموز 2020 أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله، عن إطلاق برنامج «نوابغ الفضاء العرب»، الأول من نوعه عربيا، لاحتضان ورعاية مجموعة متميزة من المواهب والنوابغ العرب، وتدريبهم وتأهيلهم في علوم الفضاء وتقنياته، حيث استقبل البرنامج نحو 9705 طلبات تسجيل بعد 48 ساعة فقط من إطلاقه، فيما بلغ إجمالي المتقدمين بالدورة الاولى أكثر من 37 ألفاً من الشباب العربي.

رواد الفضاء 

في ديسمبر/ كانون الأول 2017 أطلقت دولة الإمارات «برنامج الإمارات لرواد الفضاء» الأول عربيا، وذلك ضمن البرنامج الوطني للفضاء الذي يديره مركز محمد بن راشد للفضاء، بهدف تدريب وإعداد فريق من رواد الفضاء الإماراتيين وإرسالهم إلى الفضاء للقيام بمهام علمية مختلفة، أعقب ذلك الإعلان عن «طموح زايد» شعاراً لأول مهمة إماراتية إلى محطة الفضاء الدولية، وفي 3 سبتمبر أيلول 2018 تم الإعلان رسميا عن اختيار هزاع المنصوري وسلطان النيادي ضمن 4022 مرشحاً.

كما شهدت الدفعة الثانية من برنامج الإمارات لرواد الفضاء تسجيل 4 آلاف و305 متقدمين، وذلك في 10 مايو أيار 2020، بارتفاع نسبته 7% مقارنة بالأعداد التي تقدمت ضمن الدفعة الأولى للبرنامج.

هزاع المنصوري 

في 25 سبتمبر/أيلول 2019 دخلت الإمارات التاريخ من أوسع أبوابه مع انطلاق هزاع المنصوري في تمام الساعة ال05:57 مساءً بتوقيت الإمارات، من قاعدة بايكنور في كازاخستان على متن مركبة «سويوز إم إس 15»، إلى محطة الفضاء الدولية، في أول مهمة إماراتية مأهولة، ليصبح أول رائد فضاء عربي يصل إلى المحطة الدولية في رحلة امتدت ثمانية أيام، تكللت بالنجاح وسطرت اسم الإمارات في السجل العالمي لإنجازات قطاع الفضاء.وأجرى المنصوري 16 تجربة علمية، بينها 6 على متن المحطة في بيئة الجاذبية الصغرى، لدراسة تفاعل المؤشرات الحيوية لجسم الإنسان في الفضاء مقارنة بالتجارب التي أجريت على سطح الأرض، كذلك مؤشرات حالة العظام، والاضطرابات في النشاط الحركي، والتصور وإدراك الوقت عند رائد الفضاء، وديناميات السوائل في الفضاء، وأثر العيش في الفضاء على البشر.

وفي الثالث من أكتوبر/ تشرين الأول 2019، هبطت مركبة «سويوز إم إس 12» وعلى متنها المنصوري، في منطقة سهلية وسط كازاخستان، في رحلة استمرت قرابة ال3 ساعات ونصف الساعة، من محطة الفضاء الدولية.

خليفة سات

ويعد القمر الإصطناعي «خليفة سات» أول قمر إماراتي يتم تطويره وتصنيعه بأيد إماراتية وعلى أرض الدولة بالكامل، حيث استغرق تصنيعه 4 أعوام من التجهيز والاستعداد والتدريب لفريق عمل من مركز محمد بن راشد للفضاء، وعمل على بنائه 70 مهندساً إماراتياً، تراوحت أعمارهم بين 27 و28 سنة، وجرى إطلاقه في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2018، من مركز «تانيغاشيما» الفضائي في اليابان.

دبي سات 2

وعلى ارتفاع 600 كيلومتر، وبسرعة 7 كيلومترات في الثانية، يحلق القمر الاصطناعي دبي سات 2، حيث نجح فريق المهندسين من الاتصال به بعد 70 دقيقة على إطلاقه إلى الفضاء من قاعدة «يازني» الروسية.

دبي سات 1

يعتبر إطلاق القمر الاصطناعي دبي سات 1 في 29 يوليو/ تموز 2009 نقطة محورية، إذ إنه أول قمر صناعي للاستشعار عن بُعد، تمتلكه هيئة محلية بالكامل.

خطة 100 عام

يعد برنامج الإمارات الوطني للفضاء، الذي أطلقه صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وصاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في إبريل/‏‏‏‏نيسان 2017، أكبر خطة استراتيجية وطنية، تهدف إلى دفع دولة الإمارات إلى الأمام في قطاع استكشاف الفضاء، خلال القرن المقبل، وتضمن خطة ل100 عام، تهدف إلى بناء أول مستوطنة بشرية على الكوكب الأحمر، بحلول 2117، والوصول بمسبار الأمل الإماراتي إلى كوكب المريخ عام 2021 تزامناً مع الذكرى الخمسين لقيام دولة الإمارات، كذلك «مشروع المريخ 2117»، الذي يتضمن الكثير من المبادرات العلمية، تمهيداً للإعداد لأول مستوطنة بشرية على كوكب المريخ خلال المئة عام المقبلة، وعدد من البرامج والمشاريع الفضائية الكبرى.

مدينة المريخ العلمية 

تعد «مدينة المريخ العلمية» التي تأتي ضمن خطة ال100 عام، أكبر مدينة فضائية يتم بناؤها على الأرض، ونموذجاً عملياً صالحاً للتطبيق على كوكب المريخ، وتضم مختبرات متطورة تحاكي تضاريس الكوكب الأحمر وبيئته القاسية، وسيتم تنفيذها باستخدام تقنيات مطورة للطباعة ثلاثية الأبعاد وعزل الأشعة والحرارة، كما تشمل خطط إنشاء المدينة تجربة نوعية لإشراك فريق بشري مختص سيعيش داخلها لمدة عام واحد وسط ظروف بيئية وحياتية تحاكي ظروف الكوكب الأحمر.

وسيتخذ المشروع حديقة مشرف مقراً له، وتبلغ تكلفته التقديرية 500 مليون درهم، وبمساحة تبلغ 176 ألف متر مربع من الصحراء، أي بحجم 30 ملعباً لكرة القدم، ويتضمن مختبرات للغذاء والطاقة والمياه، لإجراء اختبارات متنوعة تلبي احتياجات الدولة المستقبلية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"