عادي

إتلاف المصاحف القديمة

21:32 مساء
قراءة 3 دقائق
عارف الشيخ

د. عارف الشيخ

يطلق المصحف ويراد به ما بين دفتيه من كلام الله عز وجل الذي نزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خلال 23 سنة قضاها الرسول في مكة والمدينة، (عشر سنوات في المدينة وثلاث عشرة سنة في مكة).
وقد ورد في سنن النسائي والحاكم عن ابن عباس أنه قال: «أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا ليلة القدر، ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة».
ولعلك تسأل أيها القارئ فتقول: «كيف قال الحديث بأن القرآن نزل في عشرين سنة، ومعلوم أن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم استغرقت 23 سنة» (13 سنة في مكة المكرمة، و10 سنوات في المدية المنورة).
أقول في جوابك: «لعل السبب أن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل عليه القرآن كان يتعبد في غار حراء، وقد بدأت نبوته وبعثته بالرؤيا الصادقة، فربما لم تحسب تلك الفترة ضمن المدة».
ويلاحظ أن مصطلح المصحف لم يكن معروفاً في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن المنزل كان يطلق عليه القرآن، والقرآن كان يحفظ في الصدور وليس في السطور، أو كان يكتب لكن على الجلود وعلى سعف النخيل ولحاء الأشجار وما شابه ذلك، وكان مفرقاً هنا وهناك، وما جمع في كتاب واحد إلا في عهد الصديق رضي الله عنه، حيث خاف على القرآن من الضياع بعد أن قتل كثير من حفاظ القرآن.
عندئذ اقترح عمر على أبي بكر الصديق أن يجمع القرآن في مصحف واحد، فجمع مرتب الآيات والسور، مشتملاً على الأحرف السبعة التي نزل بها، وبقي هذا المصحف عند أبي بكر ثم انتقل إلى عمر، وطلب عثمان من ابنة عمر حفصة أن تعطيه إياه، فأعطته فنسخ عثمان عليه سبع نسخ، لكن جمع الناس على حرف واحد، فبعث منه نسخة إلى كل مصر من الأمصار وبقي الأصل في المدينة.
إذن ما نسميه اليوم المصحف هو القرآن، ويسمى القرآن الكتاب والفرقان والذكر أيضاً، وإذا قلت: هات القرآن الكريم أو هات المصحف الشريف، فكلاهما مسمى لشيء واحد، إلا أن المسمى الأول هو الأصل، والمسمى الثاني مجاز مرسل، لأنه من باب إطلاق المحل وإرادة الحال، وقد قال المعجم الوجيز: طالمصحف مجموع من الصحف في مجلد، وغلب استعماله في القرآن الكريم، وإلا فإن الصحيفة ما يكتب فيه من ورق ونحوه.
هنا يتساءل بعضهم: «هل يجوز إتلاف صحيفة واحدة أو إتلاف المجموعة التي يطلق عليها المصحف، إذا كان قديماً غير صالح للاستعمال، علماً بأن المكتوب هو القرآن الكريم؟»
في الواقع أن الناس تعودوا أن يتأدبوا مع المصاحف فلا يتلقونها، بل يأخذون قديمها إلى المساجد لحفظها هناك، لكني أرى أن مثل هذا كان واراداً عندما كانت المصاحف مخطوطة أو معدودة، وليس مثل زماننا حيث أن ما يتعرض للتلف بالمئات أو بالآلاف.
لذا فإن المساجد اليوم ليست مكاناً للتالف من المصاحف، طالما الحكومة تزودها بالجديد كل شهر أو كل سنة، والصحيح أن يتلف القديم منها بالإحراق الذي يحولها إلى رماد، أو بالدفن في مكان طاهر بعيد عن مواطئ القدم، أو بالتغريق بأن يوضع في أكياس مثقلة ويلقى في عرض البحر، أو بالمحو أو الغسل بالماء أو المواد الكيميائية الطاهرة، أو بالتقطيع الذي يحوله إلى مجرد حروف لا تجمع منها كلمة، أو بتحويله إلى عجينة، ولا مانع لو استخدمت تلك العجينة في صناعة طاهر.
نعم.. أفتى بهذا قطاع الإفتاء والبحوث الشرعية في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت.. والهدف من الفتوى تكريم المصحف وصيانته من الامتهان.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"