عادي
في ظل جائحة «كورونا» ومكافحتها

الوعظ «أونلاين».. ضرورة لمخاطبة الشباب وحمايتهم من التطرّف

00:59 صباحا
قراءة 7 دقائق
1
1

تحقيق: محمد علاء

أحدثت جائحة فيروس «كورونا» تغييراً جذرياً في عدد من الأنشطة والفعاليات اليومية التي يمارسها الناس، كالتعليم والدراسة والعمل عن بُعد، وامتدت إلى طريقة الوعظ. وتضيف الإجراءات الاحترازية نوعاً من الصعوبة أمام المجتمع للاستفادة من الوعظ بشكل غير مباشر، حيث لجأت الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف إلى طرق مبتكرة للوعظ، وهي الوعظ الإلكتروني ببثّ مباشر لمحاضرات وعظية عبر حساباتها على مواقع التواصل، والتفاعل المباشر مع الجمهور وأخذ الأسئلة والرد عليها، ومن جانب آخر بات الوعظ الإلكتروني ضرورة حتمية لمخاطبة الشباب والتحدث بلغتهم، واستخدام أساليبهم لقطع الطريق عن التيارات المتطرفة التي تخدعهم وتذهب بهم إلى المجهول وحمايتهم من براثن التطرف.

بداية يقول الدكتور فاروق حمادة، المستشار الديني بديوان ولي عهد أبوظبي: إن مواقع التواصل أصبحت ذات انتشار واسع جداً، وأهم وسيلة للاتصال المعاصر، وستتطور في المستقبل لتكون الأداة الأساسية وأصبحت منطلق الأفكار الجديدة والتجاوب معها والتعليق عليها سلباً أو إيجابياً، وصار لها جمهور من الأتباع تجذبهم من كل بقاع العالم، بغض النظر عن المكان والثقافة والدين واللغة، وهنا تكمن أهميتها وخطورتها لما يترتب على ذلك من  آثار.
حضور وتأثير
ويؤكد أنه يجب أن يكون لمشروع التوجيه والوعظ والإرشاد الديني والأخلاقي والقيمي مكان في هذا التحول لأدوات التواصل، ووسائل الخطاب، وحضور وتأثير بحسب القائمين عليه، واستعدادهم لمتطلباته وتمكنهم من طرقه ومجاراته، وهذا الفضاء الإلكتروني غير المحدود، يمكن تمرير الخطاب عبره إلى كل لغات العالم، وستكون المنافسة فيه بين الأفكار والإيديولوجيات والدول والشعوب، وما تريد طرحه من آراء ووجهات نظر في كل شؤون الحياة.
تسيير الواقع
ويحذر من الإعراض عن هذا الفضاء الإلكتروني الذي لم يعد ممكناً اليوم، لدول وشعوب تريد أن تساير الواقع وتعبر منه إلى المستقبل، بل أصبح التقدم فيه والريادة ضماناً للاستمرارية والحضور في المستقبل، من جهات عدّة، ومنها الوعظ الديني والأخلاقي، لأنه الجانب الذي يحافظ على الإنسان ويهيئه للعيش المتوازن.
إرشاد معتدل
ويقول الدكتور حمادة: إن غياب الوعظ والإرشاد الصحيح المعتدل المتوازن، ترك لأهم الجوانب في هذا الفضاء، وهو أهم من الجانب الاقتصادي والإبداعي والاجتماعي والبيئي، بل أساسها كلها هو القيم والأخلاق. والشباب هم الذين يتعاملون مع وسائل التواصل الاجتماعي يجدون أمامهم بحاراً من المعرفة فيها النافع والضار والمفيد والمبيد، ومن هنا يتوجب على جهاز الوعظ والإرشاد أن تكون له رؤية استراتيجية مبنية على استطلاعات وإحصاءات واسعة ودقيقة، وتحدد بناء على هذه الإحصاءات، الموضوعات التي يرغب فيها الشباب، من حل لمشكلاتهم الفردية والأسرية أو هداية لمستقبلهم وحياتهم، أو تفتح لهم آفاق الإبداع والابتكار، كل في ميدانه، وتغرس فيهم الولاء والانتماء وروح التعاون والبناء ثم تضع الطرق المناسبة لعرض هذه الموضوعات، فلم يعد التلقين والإمداد مقنعاً للشباب، وأصبح المعهود في هذا الفضاء، التفاعل بين الملقي والمتلقي، والاستماع لوجهات النظر المخالفة، والصبر على الشباب الذين أثرت فيهم هذه المواقع بكل ما فيها.
 صدّ الانحراف
ويشدد حمادة على أن هذه الاستراتيجية للوعظ الإرشادي، يجب أن تتضمن جزءاً أساسياً في صد التيارات المنحرفة والأفكار الضالة، التي تخدع الشباب والشابات باسم الدين أو العنصرية، أو تسعى إلى تدمير القيم، وتحاول نشر الفكر المتطرف والغلوّ العنيف الذي يمزق الوطن، ويهدر الطاقات الشابة ويضيع مستقبلهم ومستقبل أهلهم ووطنهم.
تيارات منحرفة
ويقول إن بعض التيارات المنحرفة استغلت هذا الفضاء، فأثرت في الشباب الأغرار والشابات الساذجات، فكانوا وقوداً لمعارك ضالة وتركوا أسوأ الأثر. والعمل السريع للوعظ والإرشاد والتوجيه في الفضاء الإلكتروني، ضروري لقطع الطريق على هذه التيارات، ولا يحتمل التأخير، حتى يرسّخ في مشاعر الشباب ذكوراً وإناثاً أسباب الاستقرار النفسي والفكري والاجتماعي.
ويشير إلى أن الدخول إلى الوعظ، والتواصل مع الأجيال في الفضاء الإلكتروني، له أهمية كبرى، وستترتب عليه آثار بعيدة المدى، ولهذا فإن القيادة الرشيدة تعمل ليكون هذا الوطن رائداً في ميدان التجول الرقمي، وتؤكد هذا المسعى ودخوله بكل قوة، وقد هيأت الإمكانات لذلك. 
برامج متنوعة
فيما يقول الشيخ عبد الرحمن الشامسي، المتحدث الرسمي عن الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف: إن الهيئة تواصل تقديم كل خدماتها الوعظية عن بُعد، في ظل جائحة «كورونا» عبر ثلاث خدمات رئيسية، وهي بثّ عدد من البرامج الدينية التوعوية في مختلف القنوات التلفزيونية والإذاعية في الدولة، وتنفيذ المحاضرات الوعظية والدروس الرمضانية، والدورات العلمية ضمن خطة الوعظ الموحدة، وعبر خاصية البثّ المباشر «إنستغرام لايف» وبما يضمن زيادة الوعي الديني لدى أفراد المجتمع. موضحاً أن الهيئة خصصت كذلك خدمة جديدة في ظل الظروف الحالية، لدعم أهالي المتوفين وتقديم المواساة، عبر دعمهم الوعظي عن بُعد.
خط إفتاء
ويشير إلى أن مركز الإفتاء الرسمي يواصل عمله وتقديم كل خدماته للجمهور، عبر ثلاث خدمات نوعية، منها إقامة مجالس الإفتاء عن بُعد، عبر خاصية «إنستغرام لايف» وبث البرامج الإذاعية اليومية التي تختص ببيان فتاوى الصيام بالعربية والإنجليزية والأوردو، فيما سيطلق خط إفتاء لتقديم الدعم الشرعي لجميع العاملين في الخطوط الأمامية وللإجابة عن استفساراتهم الدينية، إلى جانب عقد ندوات علمية وثقافية ووطنية.
 تأثير كبير
يقول الدكتور عبيد صالح المختن، خبير تقنية المعلومات والحكومة الإلكترونية: إن الصورة النمطية للتوعية والإرشاد الديني عند الجميع، مختزلة في الواعظ ذي اللحية واللباس الديني التقليدي، وهذا اليوم لا يناسب جيل الشباب الذي تعود على التقنيات وغيرها، فبات من مسلّمات الحياة تطور هذه الأساليب، وأن تذهب إلى الوسائل التى يستخدمها الشباب، وعرض المواد الحديثة من الإحصاءات والانفوجراف، والمواد التوضيحية وغيرها.
 خطوات سباقة
ويشير إلى أن دولة الإمارات تسير على الطريق الصحيح في هذا المجال، لما رأيناه من خطوات سباقة في الوعظ الإلكتروني، خلال الجائحة، وتوفيرها البنية التحتية الرقمية التي تناسب متطلبات العصر، وكذلك رؤية القيادة الرشيدة في جعل الإمارات دولة رائدة في الذكاء الاصطناعي والفضاء الإلكتروني.
 حجم كبير
ويضيف أن وسائل التواصل تركت حجماً كبير التأثير في قناعات النّاس وسلوكهم، في مجالات كثيرة: فكريّة واجتماعيّة ودينيّة وغيرها، وبمستويات واسعة وفئات كثيرة، وقد أثبت الكثير من الدراسات قدرة مثل هذا التفاعل على التأثير في المستخدمين، بل في بعض الأحيان أفضلية مثل هذا التفاعل «غير المباشر» على التواصل الوجاهي بين النّاس، فعلى الرغم من فقدان التواصل عبر الإنترنت بعض الميزات الحيوية والمؤثرة في الجمهور أهمها لغة الجسد، فإن التطبيقات والمواقع الإلكترونية عوّضت مثل هذا النقص بتوفير ميزات وحلول ومؤثرات تكاد تُغني عن التواصل الوجاهي.
أهمية التأثير
ويضيف أن المضمون الدينيّ والقيميّ شكّل جزءاً مهماً من مضامين «الإنترنت» ومواقع التواصل، تحديداً، واستطاع بشكل عام مزاحمة المواضيع الأخرى، إذ أتاحت المواقع منصةَ تواصل عريضة بين الدعاة والمدعوين، ساعدت في توصيل المواعظ والدروس الدينية للنّاس، وفي السنوات الأخيرة أسّس الباحثون في علوم الدعوة مناهج ومدارس في «الدعوة أون لاين» و«التفاعل الدعوي» عبر الإنترنت، ووضعوا لها قواعد وشروطاً وعوامل نجاح، لما لها من أهمية وتأثير، من هنا يمكن القول إن المواعظ والدروس الدينية عبر مواقع التواصل، سواء كانت لدعاة ووعاظ مشهورين، أو محليين في إطار بلدهم أو مساجدهم، مهمة ومؤثرة ويجب تعزيزها وتقوية مضامينها وتقديمها بالشكل الأفضل.
 أثر نفسي
فيما عبر عدد من المواطنين عن إشادتهم بالوعظ الإلكتروني الذي توفره الهيئة، عبر حساباتها على مواقع التواصل، دورياً، حيث يؤكد هادف المزروعي، أن الوعظ الديني له أثر في المتلقي نفسياً، ويكون الوعظ بثلاث طرائق، إما بالمواجهة، والحضور الشخصي لمحاضرة على سبيل المثال، أو بالسمع عبر الراديو أو المسجل، أو عن طريق التلفزيون؛ وكل طريقه لها أثرها في المتلقي نفسياً، ويقاس أثرها بواسطة هذه الطرق التي ذكرت، وكل طريقة لها مقياس وللحضور الشخصي الواقع الأكبر، وفي ظل الظروف الراهنة ومشاغل الناس اليومية، يكون الوعظ الإلكتروني مهماً جداً، إما بالرسائل النصية أو الراديو، أو بمحاضرات مباشرة أو مسجلة. 
 خطوة إيجابية
ويقول محمد المزروعي، إن وجود الوعاظ والدعاة في دولة الإمارات عبر وسائل التواصل، من المتخصصين في العلم الشرعي، خصوصاً الشباب خطوة إيجابية وصحيّة يجب دعمها وتوجيهها، لتكون على أفضل حال، فلكل شخص دائرة قبول وتأثير، فما أجمل أن يكثر دعاة الخير والأخلاق والقيم، وكل ذلك يصب في مصلحة المجتمع المسلم، ويسهم في خلق بيئة محافظة تتحلى بأخلاق الإسلام وقيمه، في ظل التزام الواعظ بتحري الصواب والدقة في كل ما يريد مشاركة الآخرين به.
 مفيدة وفعالة
ويشير عيضة المنهالي إلى أن الوعظ التقليدي لا يتماشى مع كل فئات المجتمع، بل ولا يصل إليهم ولكن في المقابل بالإمكان أن يصل الوعظ الإلكتروني إلى كل فرد في أي مكان وفي أي زمان، عبر وسائل التواصل المختلفة. مضيفاً أنها وسيلة مفيدة ولها دور فعال في صد الهجمات المتطرفة التي تتواجد على شبكات الأنترنت والتي من الممكن أن تلحق الضرر بأفراد الأسرة.
تحدٍّ حقيقي
ويقول إن الفروق الجوهرية بين المواعظ المسجدية والإلكترونية، أنّ الأولى يستمع المصلون فيها للواعظ حتى ينتهي، خصوصاً إذا كانت الموعظة بين ركعات صلاة التراويح، وغالباً ما ينهي الواعظ فكرته والمصلّون حاضرون أمامه، أما في حالة الوعظ الإلكتروني فالاستماع للمقاطع المصورة حتى نهايتها يشكّل تحدياً حقيقياً أمام الدعاة والوعّاظ، فالمضامين تتزاحم أمام المستخدمين منها ما هو اجتماعي وإخباري وترفيهي وغيره، ولا ضمانة لمشاهدة الموعظة كاملة وإتمام الفكرة منها، لذا لا بد أن تتوفر مجموعة من القواعد التي تُسهم في نجاح الموعظة والاستفادة منها.


13 شرطاً لاختيار الواعظ

تراعي الهيئة العامة للشؤون الإٍسلامية والأوقاف، عند اختيارها الوعاظ، أن تتوافر لديهم 13 شرطاً، بينها ستة متطلبات علمية، تتمثل في: أن يكون حافظاً لقدر غير يسير من القرآن ومتون الحديث، وأن يكون ملمّاً بعلوم القرآن والسنة، وبالفقه الإسلامي وأصوله، وأن يكون متقناً للغة العربية، وملماً بأحداث السيرة النبوية وفقهها، ومطلعاً على كثير من تاريخ الإسلام والمسلمين. كما يجب أن يتسم الواعظ بسبع صفات أدبية، تشمل: أن يكون مخلصاً في عمله وعالماً بما يعظ به، وعاملاً بما يأمر به وينهى عنه في موعظته، والتحلي بأخلاقيات العمل التربوي التوجيهي والتخلي عن الانفعال والغضب، والتمتع بشخصية مرنة تؤمن بمبدأ الاختلاف والقدرة على احتواء الصعوبات، وامتلاك قدرة التنظيم للموضوع وكفاءة الاستماع ولين الجانب وبسط الوجه، والحرص على احترام مشاعر المتلقين وعدم الاستهانة بعقولهم، والتحلي بالوقار في اللباس والمظهر، مع مراعاة أعراف البلد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"