عادي
يؤثر في جودة النشاط البدني والذهني

اضطراب الساعة البيولوجية.. موعد الهروب من نمط الحياة

23:20 مساء
قراءة 6 دقائق

تحقيق: محمود محسن

اعتياد غير المألوف، وطلب المرغوب المرفوض، والسهر طوال الليل، والنوم إبان النهار، كلها عادات غير نمطية يجنح لها الطلبة وغيرهم خلال العطلات والإجازات الطويلة، رغبة في الخروج عن رتابة الانضباط وكسر قيود الالتزام اليومي، لكن تلك العادات تُدخل الشخص في تقيد جديد بعادات مختلفة يعتاد عليها طالما استمر على تطبيقها لمدة محددة وبالآلية ذاتها، ما يؤدي إلى اضطرابات وخلل في العمليات الطبيعية للجسم، مسببة ما يسمى علمياً اضطراب الساعة البيولوجية، إضافة إلى أضرار أخرى يكشف عنها المتخصصون ل«الخليج» في التحقيق التالي، محذرين من قلة النوم التي تؤثر سلبياً في نمط الحياة.

نشر بنك الأبحاث الطبية على الموقع الإلكتروني لوزارة الصحة ووقاية المجتمع، دراسة أجراها باحثون في جهات صحية وعلمية في الدولة، شملت 181 طالباً من كليات الطب وطب الأسنان، وأظهرت النتائج أن متوسط مدة النوم بين المشاركين بلغ 5 ساعات و24 دقيقة، وهو أقل من التوصيات التوجيهية من 8 إلى 10 ساعات من النوم ليلاً للشباب، كما كشفت الدراسة عن اختلاف بين الجنسين في إجمالي مدة النوم. إضافة إلى ذلك، فقد أظهرت علاقة كبيرة بين النوم الكافي ومشاعر الحماس، وكفاءة النشاط البدني والذهني أثناء النهار.

وأوضحت الدراسة أن قلة النوم تؤثر سلبياً في أداء الطلبة خلال يومهم الدراسي، مؤكدة أن نمط النوم الصحي يسهم في تحسين وظائف القلب والأوعية الدموية، والتمثيل الغذائي ونظام المناعة والانتباه والإدراك والذاكرة وتنظيم الحالة المزاجية، موصية بضرورة تحسين جودة النوم، وتجنب الإفراط في تناول الكافيين، والحد من التعرض للشاشات الإلكترونية قبل النوم.

الصورة

إيقاعات يومية

عرّفت د. سهاد عارف مراد، طبيبة باطنة بمركز برايم الصحي، الساعة البيولوجية، قائلةً: «نظام في الجسم يتحكم في حدوث العمليات الطبيعية، تساعدك على اليقظة خلال النهار والنعاس أثناء الليل والجوع أثناء تناول الطعام، ويعد الحفاظ على تزامن دورات الجسم اليومية أو إيقاعات الساعة البيولوجية أمراً مهماً للصحة والرفاهية، إذ تتحكم في التغيرات الجسدية والعقلية والسلوكية لجسمك على مدار دورة مدتها 24 ساعة استجابة للإشارات البيئية كالضوء والطعام».

وأوضحت أن الإيقاع اليومي للإنسان يؤثر في عملية الاستقلاب الغذائي، حيث يساعد النوم على تنظيم هرمون اللبتين، بينما النوم غير الكافي يؤدي إلى تعطيل الإنتاج وزيادة الشعور بالجوع، كما توفر الساعة البيولوجية إجابة حول أفضل وقت في اليوم لتحقيق أقصى فوائد للتمارين اليومية.

ويؤدي اضطراب الساعة البيولوجية إلى مجموعة من التأثيرات السلبية في الجسم، تتمثل في تغير إيقاعات درجة حرارة الجسم وزيادة الوزن، مع ارتفاع مستويان الأنسولين واللبتين في الجسم، وهذه التغيرات تكون مصحوبة بإعادة تشكيل بنية الخلايا العصبية.

ولفتت إلى أن بعض الدراسات أكدت ذلك، حيث كشفت نتائجها أن الطلاب الذين كانت إيقاعاتهم اليومية غير متزامنة مع جداولهم الدراسية حصلوا على درجات أقل، كما أن الأطفال الذين لا يحصلون على قسط كافٍ من النوم يكونون أكثر عرضة للإصابة بالعديد من المشاكل الصحية، بما فيها السمنة ومشاكل الانتباه والسلوك، ما يسهم في ضعف الأداء الأكاديمي في المدرسة.

صحة الجسم

تقول د. خديجة الزرعوني، استشاري ورئيس قسم طب الأسرة بمستشفى الجامعة في الشارقة: إن الاضطرابات التي تحدث في الساعة البيولوجية ترتبط بمشاكل النوم المختلفة، مثل الأرق، وكذلك ترتبط بالسمنة والسكري والاكتئاب واضطراب ثنائي القطب، والاضطرابات العاطفية الموسمية، ولفتت إلى أن الاضطرابات التي تحدث نتيجة تغير الظروف الخارجية، مثل اضطراب الرحلات الجوية الطويلة، تضعنا في صراع مع أنماط نومنا الطبيعية، حيث إن التحول في الأزمنة واختلاف وقت الإضاءة تؤثر في الدماغ، إذ تجبر الجسم على تغيير نمطه الطبيعي، ولهذا السبب فإن اضطراب الرحلات الجوية الطويلة، يجعل المسافرين يشعرون بالضعف ويواجهون صعوبة في التركيز والقيام بمهامهم بشكل جيد.

ويلاحظ العديد من الأشخاص أن هناك اختلافاً طبيعياً في أوقات ومستويات النوم والاستيقاظ لديهم خلال اليوم، وأوضحت أن تنظيم عملية النوم تتم من خلال نظامين، الأول توازن النوم والاستيقاظ، والثاني الساعة البيولوجية اليومية، حيث يعمل نظام توازن النوم والاستيقاظ على تنبيه الجسم إلى حاجته إلى النوم إذا استمر بالاستيقاظ لفترة زمنية طويلة، وهو يساعد أيضاً على الحفاظ على قسط كافٍ من النوم طوال الليل للتعويض عن ساعات الاستيقاظ.

وأشارت إلى أنه في المقابل تعمل الساعة البيولوجية على تنظيم توقيت فترات النعاس واليقظة طوال اليوم، حيث إن الإيقاع اليومي ينخفض ويرتفع في فترات مختلفة خلال اليوم، مثلاً، أفضل الأوقات التي يحدث فيها النوم لدى البالغين ما بين الساعة 2 و4 صباحاً وما بين الساعة 1 و3 مساء، وتختلف هذه الأوقات حسب طبيعة الشخص، إذا كان شخصاً صباحياً أو شخصاً مسائياً. إذا كان الشخص يأخذ قسطاً كافياً من النوم، فستكون شدة النعاس التي يشعر بها أقل مما إذا كان لا ينام ساعات كافية، وتعمل الساعة البيولوجية أيضاً على تنبيه الإحساس باليقظة في أوقات معينة من اليوم، حتى لو كان الشخص نائماً لساعات طويلة.

ساعات النوم

في ما يخص عدد ساعات النوم، يقول د. أحمد زين أيوب، مختص طب الأطفال بالمستشفى السعودي الألماني، إن الأطفال يعتادون السهر خلال الإجازات المدرسية، ويتأخرون بشكل كبير عن مواعيد نومهم المنتظمة التي تستمر طيلة العام الدراسي، ما قد يؤثر في ساعاتهم البيولوجية ونوعية نومهم، ومن ثم يؤدي إلى صعوبات في العودة إلى نمط النوم المعتاد أثناء العام الدراسي.

وأوضح أن الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة (من 3 إلى 5 أعوام)، يجب أن يحصلوا على عدد ساعات نوم تراوح بين 10 و13 ساعة، أما الأطفال في سن المدرسة (من 6 إلى 13 عاماً)، يجب أن يحصلوا على ما بين 9 إلى 11 ساعات نوم يومياً، ويراوح عدد ساعات نوم الطلبة المراهقين في الأعمار ما بين 14 و17 سنة إلى ما يقرب من 8 إلى 10 ساعات، كما أن عدم حصول الأطفال على قسط كافٍ من النوم، يؤدي إلى العديد من المشكلات الدراسية، حيث تقلل من القدرة على التعلم والاستماع والتركيز وحل المشكلات.

الصورة

ضبط الساعة البيولوجية

قالت د. هبة شركس، مستشارة الصحة النفسية وخبيرة أسرية، المدير الأكاديمي لآرت آند ساينس أكاديمي، إن الساعة البيولوجية عبارة عن تغير نمطي دوري يحدث يومياً بشكل مستمر، حيث يجري ضبطها أثناء دورة الحياة اليومية، بضبط مواعيد النوم وأوقات الجوع والنشاط، إلى جانب مستويات الإدراك والتركيز، والقدرة على التمييز بين الأشياء والمهارات الذهنية العليا، وجميع تلك السلوكيات يحكمها ظهور واختفاء الهرمونات المختلفة لتنظيم الساعة البيولوجية، حيث يطرأ على الجسم تغيرات على مستوى درجة الحرارة، والتنفس والتأثير في القدرة على العمل والإنتاج، وتتناغم الساعة البيولوجية للإنسان مع المتغيرات الكونية كتعاقب الليل والنهار والفصول الأربعة، ومعها تنتظم مواعيد النوم وإفرازات الهرمونات والتغيرات المختلفة، نتيجة التناغم مع المعدلات الطبيعية في عدد ساعات النوم وفي الظروف المناسبة ومكان معتم، حيث يُصلح نوم الليل ما أُفسد خلال ساعات النهار.

وأشارت إلى أهم التوصيات في تنظيم الساعة البيولوجية لجميع أفراد المنزل، باتباع سلوكيات أبرزها عدم إعطاء الأوامر للأبناء باتباع عادات نوم جديدة، بل بانتهاج أساليب تعتمد على النقاش والحوار والتعريف باقتراب العام الدراسي وأهمية اتباع العادات السليمة، وتبني مبدأ التشاور في أوقات النوم والاستيقاظ بين الآباء والأبناء، كما يُنصح بعدم النوم وأخذ القيلولة في فترة الظهيرة، مع أهمية زيادة النشاط الحركي والبدني للأبناء في أماكن مفتوحة أو مغلقة لاستنفاد الطاقة، وبالتالي القدرة على النوم بشكل مريح، كما أن لاتباع طقوس النوم أهمية في تنظيم الساعة البيولوجية، كالاستحمام بمياه دافئة قبل النوم، وقراءة القصص القصيرة للأطفال، مع ضرورة إبعادهم عن الهواتف المتحركة والأجهزة الإلكترونية بأساليب سلسة ومرنة، دون اللجوء إلى العنف، للحصول على أكبر قدر ممكن من الاسترخاء.

حالات استثنائية

حول ما إذا تضطر بعض حالات اضطرابات الساعة البيولوجية إلى تناول عقاقير معينة، تقول د. نور هشام، طبيبة عامة وماجستير في الطب العام: «في بعض الحالات الاستثنائية، يمكن أخذ مادة الميلاتونين وهي حبوب متوفرة في الصيدليات، وهي المادة الطبيعية التي تفرز في الجسم و تساعد على النوم، وفي حالات أخرى يمكن الاستعانة بعد استشارة الطبيب بالأدوية التي تساعد على النوم و خصوصاً الخمسة أيام الأولى من السفر أو مع الأشخاص الذين تتطلب طبيعة عملهم تغييراً في أوقات النوم.

أما حول مسببات اضطراب الساعة البيولوجية، أكدت أنها تتمثل في مجموعة من العوامل أبرزها السفر عبر نطاقات زمنية مختلقة، والعمل في المهن والوظائف التي تتطلب السهر والعمل ليلاً، وعدم وجود نظام وروتين يومي لساعات ومواعيد النوم، بما في ذلك الاعتياد على السهر لفترات طويلة، وخصوصاً في الفترة بعد الإجازات، لذا فإن العادات الصحية السليمة للوقاية من تلك الاضطرابات، تتمثل في تهيئة الجسم قبل وبعد السفر، ووضع روتين يومي لوقت النوم، كالاستحمام بماء دافئ، واستخدام زيوت عطرية تساعد على الاسترخاء، وتناول الغذاء الصحي، والابتعاد عن المنبهات والكافيين في الفترة المسائية واستبدالها بمشروبات أخرى مثل الحليب و اللبن، وممارسة النشاط البدني والرياضة خلال ساعات النهار مع ضرورة الابتعاد عن التدخين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bnhxjv2b

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"