عادي
الإنجاب عقبة أمام توظيف الطبيبات والممرضات

مستشفيات خاصة ضد حلم الأمومة

02:01 صباحا
قراءة 6 دقائق

تحقيق: محمد الماحي

لا يمكن لأي امرأة أن تتخلى عن حلم الأمومة، وإن كانت حققت هذا الحلم ولديها أبناء بالفعل، لا يمكن أن تقبل بمساومتها بين الحمل مجدداً وأي شيء آخر، لكن للأسف هذا ما يحدث في القطاع الصحي الخاص، وهو أحد أكبر المتهمين بالتخلص من السيدات الحوامل بسبب إجازات الوضع وساعة الرضاعة، ضارباً بالقوانين عرض الحائط، على الرغم من أن نظام العمل الإماراتي يكفل للنساء العاملات الحفاظ على حقوقهن، فيما تؤكد التعديلات على القانون الاتحادي لتنظيم علاقات العمل، أنه لا يجوز إنهاء خدمة المرأة العاملة بسبب حملها، ما يعد إجراء تعسفياً.

في التحقيق التالي تسلط «الخليج» الضوء على هذه القضية وتبحث سبل معالجتها، كما التقت عدداً من الطبيبات والممرضات ممن تعرضهن لهذه المواقف خلال الفترة الماضية.

«هل أنت حامل وهل تنوين الحمل؟ ينبغي أن تتعهدي إذا وقع عليك الاختيار بعدم الحمل خلال سنة قادمة»، كل هذه الأسئلة أصبحت اعتيادية في مقابلات توظيف الطبيبات والممرضات في المستشفيات الخاصة؛ بل وباتت ضمن مطلوبات التوظيف الأخرى، ووصل الأمر في بعض المستشفيات أن يطالب المتقدمات للحصول على فرصة عمل، إحضار تحليل مخبري يثبت عدم وجود حمل ضمن شروط التوظيف.

وعلى الرغم من أن نظام العمل الإماراتي يكفل للنساء العاملات الحفاظ على حقوقهن، إضافة إلى العديد من المزايا الممنوحة لهن التي ميزتهن عن الرجال، لما لهن من دور فعّال ومهم في دفع عجلة التنمية في الدولة، فإن القطاع الصحي الخاص يلجأ إلى هذه الإجراءات المخالفة للقانون، بحجة أن الطبيبات والممرضات الحوامل سيشكلن عبئاً على العمل، بسبب حصولهن على إجازات أثناء أشهر الحمل، إضافة إلى إجازة الوضع وساعات الرضاعة التي تطالب بها.

الصورة

سياسات التضييق

ظل القطاع الصحي الخاص، أحد أكبر المتهمين بالتخلص من السيدات الحوامل، ولم تتوقف المستشفيات الخاصة عن ممارسة سياسات التضييق على الحوامل لإجبارهن على تقديم استقالاتهن ومن ثم التهرب من مسؤولياتها تجاه العاملات، حتى أن كثيراً من الطبيبات والممرضات تنازلن عن ساعة الرضاعة حتى لا يواجهن أزمة عدم تجديد عقد العمل، ووصل الأمر في بعض المستشفيات لوضع شرط اعتبرته الكثيرات شرطاً مستفزاً ومجحفاً، وهو توقيعهن على تعهد بألاّ تحمل خلال مدة العقد الأولى.

وفي لقاء ل «الخليج» مع عدد من الطبيبات والممرضات، أكدن تعرضهن لهذه المواقف أثناء إجرائهن مقابلات في الفترة الماضية، مطالبات بتسليط الضوء على قضيتهن وسُبل معالجتها والبحث عن حلول.

وتقول الطبيبة ريم خليفة، التي كانت حامل بابنتها الثانية، إنها تلقت اتصالاً من أحد المستشفيات الخاصة في مدينة العين، وذلك بعد أن تقدمت للعمل بها قبل الحمل، وطلب منها الحضور لمقابلة وظيفية ثانية، وحينما توجهت إلى المستشفى، سألتها مديرة الشؤون الإدارية عن وضعها الاجتماعي، ولمّا أخبرته بأنها متزوجة وحامل، قال لها إنهم سيقومون بالرد عليها قريباً، لكن ذلك لم يحدث على الإطلاق، على الرغم من أن هذا المستشفى أرسل إليها بعد المقابلة الأولى العقد المبدئي.

المساومة

لم تتوقع إيمان عبد العزيز، الطبيبة في أحد المستشفيات الخاصة بدبي، أن إعلان خبر حملها السعيد سيغدو رخصة للتمييز ضدها والتضييق عليها في الإجازات خلال أشهر الحمل، مروراً بتنازلها عن ساعة الرضاعة عندما تمت مساومتها ومطالبتها بالاختيار بين الحصول على ساعة الرضاعة أم ترك العمل، وانتهى الأمر بعدم تجديد عقدها على الرغم من أنها تنازلت عن كل حقوقها المنصوص عليها في القانون حتى تتفادى الوصول إلى هذه النتيجة.

وتقول إيمان إنها تحملت كل ذلك ولم تنل رضا أصحاب العمل، وفي النهاية لم يجددوا عقد العمل الخاص بها لاعتقادهم بأنها أصبحت عبئاً عليهم، ولم تكن حالة إيمان استثنائية وإنما نمط متكرر لأشكال التمييز والظلم الذي تتعرض له الطبيبات والممرضات في المستشفيات الخاصة على أساس الحمل.

موقف مشابه تعرضت له الممرضة مروة عبد الرحمن، حيث تقدمت لوظيفة تتناسب مع تخصصها «القبالة»، وبعد طول انتظار اتصل بها مستشفى خاص ليبلغها بحاجته إلى قابلة في قسم النساء والتوليد، وبعد اجتيازها المقابلة الوظيفية بنجاح، والاتفاق مع المسؤولة على كافة التفاصيل، تم الاتفاق على تخصيص يوم لتوقيع عقد العمل، لكن فوجئت بإحضار مسؤولة الموارد البشرية ورقة تعهد بألاّ تحمل خلال مدة العقد الأولى، لكنها رفضت التوقيع على هذا المستند من حيث المبدأ، لأنه لا يجوز أصلاً وضع شرط مدون في العقد أو شفوي يطالب المرأة بعدم الحمل؛، بل لا يجوز حتى توجيه أي سؤال شخصي من هذا النوع للمرأة أثناء مقابلة العمل، وذلك حسب التعديلات الأخيرة على القانون الاتحادي بشأن «تنظيم علاقات العمل».

الأشهر الأخيرة

أكد عدد من المختصين خلال لقاءهم مع «الخليج»، أن المشرع الإماراتي فرض قوانين خاصة بالنساء العاملات، تولي اهتماماً بالغاً بهن، حتى لا تُهضم حقوقهن من قبل أصحاب العمل في القطاع الخاص، لافتين إلى أن وزارة الموارد البشرية والتوطين، أنصفت المرأة العاملة خلال فترة الحمل والولادة، بحيث لا يجوز لصاحب العمل فصل العاملة أثناء فترة ما بعد الوضع.

وأشاروا إلى أن المرأة الحامل تستطيع أن تؤدي عملها على أكمل وجه مثل الموظفة غير الحامل طوال أشهر الحمل، باستثناء الأشهر الأخيرة، مطالبين وزارة الموارد البشرية بوضع إجراءات صارمة ضد المستشفيات التي تقوم بالتمييز ضد المرأة الحامل وفصلها من العمل أو عدم توظيفها، أو التمييز ضدها بأي شكل آخر بسبب حملها أو النية في الحمل.

وتقول الدكتورة نورية العبيدلي الاختصاصية الاجتماعية، إن التعديلات الجديدة لقانون العمل حظرت التمييز بين الأشخاص، بما من شأنه إضعاف تكافؤ الفرص أو المساس بالمساواة في الحصول على الوظيفة، والاستمرار فيها والتمتع بحقوقها، كما يحظر التمييز بينهم في الأعمال ذات المهام الوظيفية الواحدة.

وترفض فكرة سؤال المتقدمات للعمل عن خططهن المتعلقة بالحمل، والإشارة في مقابلات التوظيف لافتة إلى أنه لا يوجد في قانون العمل وتعديلاته أي بنود يفرض على النساء إخبار صاحب العمل بحالتهن العائلية.

وأضافت أنه في الفترة الأخيرة تغير مضمون المقابلة التي تسبق الترشيح لأي وظيفة، حيث كان الغرض من هذه المقابلة التعرف إلى شخصية المتقدمة ومهاراتها المهنية دون التدخل في خصوصيتها وسؤالها عماّ إذا كانت حاملاً أو حتى هل لديها الرغبة في الحمل؛ بل إنه من المؤسف أن الأمر وصل إلى السؤال عن أن هل فكرة الرغبة في الزواج موجودة أم لا؟ وغيرها من الأسئلة التي تواجه عديداً من النساء وخصوصاً الطبيبات والممرضات، لأن طبيعة عملهن تتطلب المبيت في المشافي بنظام ال12 ساعة.

وطالبت نورية العبيدلي وزارة الموارد البشرية بوضع إجراءات صارمة ضد المستشفيات التي تقوم بالتمييز ضد المرأة الحامل المتقدمة للعمل، لأن المشرع الإماراتي كسب رهان تمكين المرأة وتفعيل دورها في المسار التنموي، وقد ترجم ذلك بإيجاد منظومة قانونية تتميز بالمرونة والنجاعة لضمان سلامة العاملين، وألزمت أصحاب العمل بالتقيّد بأنظمة الصحة والبيئة والسلامة.

مسؤولية العمل

ترى الدكتورة خنساء سعد اختصاصي النساء والتوليد، أن الحمل لا يسبب قلة في الإنتاج؛ بل إن المرأة الحامل تستطيع أن تقدم كل ما تقدمه الموظفة الأخرى، إلا أن الأشهر الأخيرة قد تكون الأصعب بالنسبة لها؛ إذ تعاني تورماً في القدمين، وضيقاً في التنفس، لاسيما في الشهر الأخير الذي تكون فيه بحاجة إلى الراحة، لكن من المهم أن تشعر بأنها شخص طبيعي، وأن الحمل لم يؤثر في مختلف جوانب حياتها، وأنها تخرج وتعمل وتقوم بجميع واجباتها.

وأشارت إلى أن بعض الموظفات الحوامل يرفضن الحصول على الإجازات، على الرغم من استحقاقهن وذلك بسبب إحساسهن بمسؤولية العمل، خصوصاً المعلمات اللواتي يلتزمن بمنهج دراسي والطبيبات والممرضات اللواتي يتابعن حالات مرضية.

ويقول المستشار القانوني والمحامي عبدالله الكعبي، إن التمييز الذي يقع ضد المرأة الحامل عند فصلها من العمل أو عدم توظيفها، أو التمييز ضدها بأي شكل آخر، هو أمر مخالف لقانون العمل الذي نصت تعديلاته الأخيرة على أنه لا يجوز لصاحب العمل إنهاء خدمة المرأة العاملة أو إنذارها بذلك بسبب حملها، ويعد إنهاء الخدمة في هذه الحال تعسفياً بحكم المادة (122) من القانون.

وأضاف أن قانون العمل الاتحادي يتضمن بعض النصوص لحماية المرأة والأسرة، منها المادة (27) التي تنص على عدم تشغيل النساء ليلاً، خلال الفترة من العاشرة مساء حتى السابعة صباحاً، والمادة (29) التي تنص على حظر تشغيل النساء في الأعمال الخطِرة أو الشاقة أو الضارة صحياً أو أخلاقياً.

الصورة
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mff54hec

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"