تقريـر «IPCC» الجديـد.. لا جديـد

21:42 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد

كان واضحاً في اجتماعات وزراء المناخ والطاقة لمجموعة العشرين بنابولي في شهر يوليو الماضي، وعلى جري العادة التي سنتها الدول المتقدمة وخاصة الدول الأوروبية الغربية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، التي تتحكم عملياً في خط السير الأساسي لجدول أعمال قضية المناخ، منذ انطلاقها عام 1995 في مؤتمر الأطراف الأول في بون، أن الأجندة الطاغية المفروضة قسراً على بساط المفاوضات، هي المتعلقة حصراً بالتخفيف Mitigation، أي خفض الانبعاثات؛ مع ترك موضوعي التمويل والتكيف (Adaptation) للمستويات الأدنى للقرار المناخي. وهذا خلل خطير فشلت الدول النامية رغم أغلبيتها الساحقة الممثلة في المفاوضات، من خلال مجموعة 77+الصين (عددها 133 دولة من إجمالي أعضاء اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ واتفاق باريس للمناخ البالغ 197 دولة)، في تعديله حتى اليوم؛ ورغم أن اتفاق باريس لتغير المناخ، هو، كما يعلم المشاركون في مفاوضات إخراجه في باريس عام 2015، عبارة عن حزمة متكاملة (Package) تشمل الثلاثي الأساسي: التخفيف (Mitigation)، والتكيف (Adaptation)، والتمويل (أي تمويل مشاريع التخفيف والتكيف في الدول النامية أساساً).

حتى ملخص الجزء الأول من النسخة السادسة من تقرير «الهيئة الحكومية الدولية لتغير المناخ» (IPCC)، وهي الهيئة الاستشارية لسكرتارية الأمم المتحدة لقضايا المناخ، الذي صدر يوم 7 أغسطس 2021، والذي وزعته خصيصاً ليطلع عليه صانعو السياسات، بما تضمنه من تحليلات لمجموعة العمل الأولى لتقرير التقييم السادس - جاء كما التقارير السابقة للهيئة، مهولاً من قضية واحدة وهي الانبعاثات، بهدف تركيز مؤتمر الأطراف الذي ستستضيفه جلاسكو الاسكتلندية في شهر نوفمبر المقبل، عليها، من أجل ممارسة أقصى ضغط ممكن على الدول المستهلكة للوقود الأحفوري للابتعاد عنه لصالح اقتصاديات الطاقات المتجددة. علماً بأن غالبية معدي التقرير ينتمون إلى الولايات المتحدة وبريطانيا. لم يأتِ التقرير بجديد حين يقرر بأن الاحترار العالمي ناتج عن نشاط الإنسان. فهذه حقيقة مسلم بها من قبل غالبية أعضاء الأسرة الدولية، باستثناء أقلية لا ترى فيما يقوم به البشر من استغلال فظيع ومتعاظم للكوكب ولمصادره الطبيعية، أي ضرر لا للبيئة ولا للمناخ. باستثناء أن التقرير الجديد زاد من جرعة إلحاحيته وتهديده من نفاد الوقت المتبقي لإنقاذ الكوكب، ومن ثم تهويله من خطورة تسريع النشاط البشري على احتمالية تجاوز حد الاحترار الذي حددته المادة الثانية من اتفاق باريس للمناخ. وهذا أيضاً متوقع في ضوء استمرار العمل كالمعتاد، مع إدخال بعض التحسينات على صورة النموذج الاقتصادي العالمي السائد. الكوكب الأرضي نفسه، وقبل تحذيرات التقرير، ظل يرسل إشارات واضحة جداً عبر حالات وحوادث الطقس المتطرفة والتغيرات الجارية في البر والبحر.

مع الملاحظة هنا بأن التقرير يقول بالنص بأن «التأثير (النشاط) البشري، قد تسبب على الأرجح في زيادة فرص حدوث الظواهر الخطيرة منذ خمسينات القرن الماضي، مثل تواتر موجات الحر والجفاف المتزامنة على النطاق العالمي، واشتعال الحرائق في عدد من مناطق العالم، وفيضانات في مناطق أخرى». ما يعني أن فريق العلماء الذي أعد التقرير، مازال يحتمي بالعبارات التي تفيد احتمالات التأويل عوضاً عن الجزم. وعدم اليقين هذا، هو ما يفتش عنه المتحفظون على تقارير الهيئة والمعترضون على مقارباتها، وعلى المقاربة المناخية السائدة بوجه عام، كما هي حال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والحزب الجمهوري بغالبية أعضائه وأنصاره في «الولايات الحمراء» (Red states)، التي تصوت لصالح الحزب الجمهوري. فكما التقارير السابقة، لم يتضمن التقرير الجديد، جداول زمنية واقعية وتخطيط للانتقال إلى الاقتصاد الأخضر؛ ولم يعرض لما هو مطلوب محلياً وإقليمياً ودولياً لمعالجة القضايا اليومية الجارية والأكثر إلحاحاً وخطورة على مستقبل الكوكب الأرضي من ضبط التغيرات المناخية بحلول عام 2100، وعلى رأس هذه القضايا، المجاعات، والفقر، والإنصاف والعدالة، والمياه، والصحة العامة؛ وكيفية وطريقة التعامل مع العبء غير المتناسب الذي سيقع على عاتق السكان الضعفاء والفقراء والمهمشين جراء «إقصاء» قطاعات وأنشطة اقتصادية بعينها من الهياكل الاقتصادية وإحلال أخرى محلها.

فحسبنا أن فيروس كورونا، و«فيروس» تغير المناخ، هما وجهان لعملة واحدة، هي النموذج التنموي الانفجاري الذي بطش بموارد الكوكب لدرجة النضوب على مدار القرنين الماضيين. وإن الذي لا ريب فيه، هو أن لا أحد من القوى الاقتصادية الكبرى في العالم، مستعد، حتى اللحظة، للتراجع عن سياسة تثوير نمو إجمالي الناتج بأي ثمن كان. وبعيداً عن الخطوط الحمراء التي قيل إن تقرير الIPCC الأخير قد رسمها، والتي استخدمها أمين عام الأمم المتحدة في خطاباته المناخية البلاغية، فإن وتيرة تحفيز النمو، ستبقى أسرع وأكثر أهمية وحظوة لدى صنّاع السياسات الاقتصادية، من سياسات وقف عملية احترار الكوكب الأرضي، رغم التقدم المحرز في مجال الإحلال الطاقوي.

 كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"