خصخصة البنوك والدفع نحو ريادية الأعمال

22:02 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم محمود حنفي*

ربما كان المؤشر الأوضح على أن اقتصاداً يتسم برأسمالية قيادة الدولة، أن يكون الكثير من نظامها المالي – والبنوك بشكل خاص - مملوكاً للدولة. وقد تحقق الكثير من التقدم خلال السنوات الأخيرة نحو خصخصة البنوك المملوكة للدولة في بلدان كثيرة. النامية منها والمتقدمة. وإن كان الطريق لا يزال طويلاً في هذا المجال.

ومن حيث المبدأ. يمكن القول إن القيام بعمليات خصخصة إضافية لابد أن يدفع البلدان أكثر في اتجاه ريادية الأعمال، من المرجح أن تتخذ البنوك الخاصة- على العكس من البنوك المملوكة للدولة - قرارات الإقراض بناء على الاعتبارات التجارية وحدها. ومن ثم فهي المرشحة أكثر لدعم المشاريع الريادية، ولكن ليس كثيراً في مرحلة بدء الشركات (لأنه حتى البنوك في البلدان المتقدمة لا تقوم بالكثير في هذا الشأن)، وإنما للشركات التي أثبتت قدراً من النجاح ومرشحة لمزيد من النمو. وفوق هذا فإنه عندما تتراجع الدولة عن ملكية البنوك، سيقل لأسباب سياسية احتمال أن تدعم المشاريع التجارية ذات الأداء السيئ.

ومع ذلك لا يجوز التقليل من شأن المصاعب المرتبطة بخصخصة المؤسسات المالية المملوكة للدولة، فمثلاً هناك التحديات السياسية أمام بدء برنامج كهذا، والحكومات التي اعتادت على تملك البنوك تتردد بالطبع في التخلي عنها، وينطبق الشيء نفسه على المقترضين موضع الحظوة الذين يستفيدون من فرص خاصة للحصول على الأموال. كما أن الخصخصة تحسن معدل النمو عن طريق توجيه الأموال إلى الشركات ذات الآفاق التجارية الأفضل، على حساب المقترضين الذين أدت سهولة حصولهم عليها إلى عزلهم عن الضغوط التنافسية التي تدفع للابتكار والتجديد، فإنه من المرجح كثيراً بالنسبة للحكومات ذات التاريخ الطويل في لعب الدور القيادي للدولة، أن تتحرك - إن حدث من الأصل- باتجاه الخصخصة مدفوعة بالمكاسب المالية الممكنة والفورية التي يكمن تحقيقها من بيع أسهم المؤسسات المملوكة للدولة. بالإضافة إلى هذا، من الممكن في حالات نادرة أن تكون الرغبة في تحقيق نفاذ أكبر للأسواق العالمية هي السبب الذي يدفع الحكومات باتجاه الخصخصة. فمثلاً. وكجزء من شروط الانضمام لمنظمة التجارة العالمية. اضطرت الصين إلى الموافقة على خصخصة البنوك الكبرى المملوكة للدولة بقدوم عام 2007. وربما وقعت بلدان أخرى تحت إغراء خاص ببيع مصالحها في المؤسسات المالية المملوكة للدولة إلى مصالح أجنبية من أجل الحصول على المعارف الفنية الحديثة (و ترتبط هنا بإدارة البنوك) التي تأتي في العادة مع قدوم رأس المال الأجنبي. وهناك أيضاً مصاعب عملية متضمنة في عملية الخصخصة نفسها، وعلى قمتها: هل ينبغي على الحكومات أن ترسي العطاء في شراء أسهم البنوك على المتقدم (أو المتقدمين ) بأعلى العروض؟ وإن كان الأمر كذلك فمن سيسمح لهم بتقديم العطاءات؟ من الواضع أن البنوك المحلية العاملة بالفعل في السوق المحلية سيسمح لها بالتقدم. ما لم تكن هذه الاستحواذات ستؤدي إلى درجة عالية وغير مرغوب فيها من التركز في الأسواق المصرفية المحلية (مما سيحرم المودعين والمقترضين من فرصة ذات مغزى للاختيار بين مؤسسات مختلفة). وإذا كان السماح للشركات غير العاملة في مجال المال بالتقدم للشراء يقلل من أخطار التركز، فإنه بدوره يمكن أن يؤدي إلى مشكلة «الإقراض المتداخل». أو ضخ أموال المصارف إلى فروع أو شركات منتسبة للملاك التجاريين للبنك، وهو ما أدى إلى ظاهرة القروض غير السليمة التي تسببت في الأزمة المالية الآسيوية في أواخر التسعينات من القرن العشرين. أما السماح للمؤسسات المالية الأجنبية بالتقدم للشراء فإنه يذكي المنافسة في الأسواق المصرفية المحلية ويفتح الأبواب أمام دخول أحدث التقنيات المصرفية. ولكنه من الممكن لجملة من الأسباب أن تثير معارضة سياسية كبيرة من المصالح المحلية التي تخشى من بيع «جواهر تاج» البلد للمصالح الأجنبية (وهي معارضة لا تقتصر على البلدان النامية). وعلى الرغم من تشجيع الحكومات المستمرة في ملكية المؤسسات المالية لتمريرها إلى الملكية الخاصة، فلا يمكن التقليل من شأن المصاعب السياسية والعملية أمام إنجاز هذا الانتقال. وبناء على ذلك. ترى عدة آراء اقتصادية أنه ينبغي على الحكومات المهتمة بتعزيز ريادية الأعمال ألا تحصر أفقها في خصخصة المؤسسات المالية القائمة، وإنما ينبغي عليها أن تكون مستعدة للترخيص بمؤسسات جديدة. سواء كانت مملوكة لأفراد أو شركات محلية أم أجنبية.

* أكاديمي مصري

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"