عادي

الهستيريا مرض تحدى عبقرية الأطباء

22:16 مساء
قراءة دقيقتين

قبل نشأة التحليل النفسي على يد فرويد، كان الطب العقلي ينظر للمرضى العصابيين (المصابين بالهستيريا) على أنهم يدّعون المرض، ولم يكن في استطاعته تقديم تفسير لما يزعمون من أعراض، يقول فرويد في إحدى محاضراته: «خلع الطب العقلي على دفعات قهرية عديدة أسماء مختلفة، ولم يتسن له أن يقول شيئاً بعد هذا إلا أن ضحايا هذه الأعراض أشخاص منتكسون، منحلون، وهو حكم تقويمي وإدانة للمرضى أكثر من أن يكون تفسيراً للمرض».

كانت الهستيريا في تلك الفترة مرضاً يعجز الأطباء عن شفائه، كما كانوا يتأففون من الإقدام على عيادة مرضاه، فعلى الرغم من أن الأعراض التي يشكو منها المرضى ذات طابع عضوي، فإن أسبابها لم تكن تدخل في نطاق الطب التشريحي، لذلك عجز الأطباء أمامها ونفروا منها، كانت الهستيريا مرضاً يتحدى عبقرية الأطباء فأدركوا أنه مرض، أما فرويد فقد ردد عبارة: «العيب ليس في المرض أو المريض بل في الطب والطبيب».

كان موقف الأطباء في تلك الفترة – كما يوضح الكتاب الصادر عن دار رؤية للنشر بعنوان «فنيات العلاج بالتحليل النفس» – يشجع على راحة العقل بدلاً من نشاطه، ويقدم تفسيرات مبتسرة وأحكاماً غير صحيحة، بدلاً من أن يطرح تساؤلات، بينما كان فرويد مختلفاً عن ذلك، لأنه أراد أن يعمل عقله، وأن يتوصل إلى الحقيقة.

اختلف فرويد عن موقف الأطباء العقليين في هذا الوقت، حيث كانت لديه رغبة حقيقية في فهم طبيعة الهستيريا، وفي تحقيق الشفاء للمرضى، وتحلى فرويد بمهارة تعطيل الأحكام المسبقة، وبدأ في تفسير ما ظن البعض أنه لا يحتاج إلى أي تفسير، من خلال سؤاله الدائم: كيف ولماذا؟ وفي هذا السياق قال سنة 1938 – أي قبل وفاته بعام – «بدأت كعالم أعصاب، أحاول تخفيف عناء مرضاي من العصابيين، واكتشفت بعض الحقائق الجديدة المهمة عن اللاشعور في الحياة النفسية».

مظاهر نفسية

ظهر التحليل النفسي في العقد الأخير من القرن التاسع عشر، ومهد لظهوره اشتراك فرويد مع جوزف بروير في علاج الحالة التاريخية (أنا – أوه) لفتاة عمرها 21 عاماً كانت مصابة بالهستيريا، وكانت حادة الذكاء، وعرض كل منهما نتائج دراستيهما في كتاب «دراسات في الهستيريا» توصل فرويد إلى إمكانية تحويل الصراعات النفسية إلى مظاهر نفسية، ومرت آراؤه بعدة تطورات جذرية، بداية من نظريته المبكرة عن الهستيريا، واستنتج أنها تحدث بسبب كبت الأفكار المرفوضة، وتحويل التوترات الخاصة بها إلى تعبير جسدي.

غير فرويد معرفتنا بالنفس البشرية، وغير المنهج واللغة والنظرية، فتحول المنهج من التنويم المغناطيسي إلى منهج تحليل الطرح، والتداعي الطليق، وتحولت اللغة من لغة الشعور إلى لغة اللاشعور، وتحولت النظرية من مجرد التصنيف إلى التفسير، ومن المرض إلى الحياة النفسية بأسرها.

أقدم فرويد على أخطر تجربة في تاريخ الإنسانية، إذ قام بتحليل نفسه تحليلاً نفسياً منهجياً، عن طريق دراسة أحلامه، وهنا فتح الباب لأعظم اكتشافاته المتعلقة بالنفس الإنسانية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"