الصومال والعودة إلى الرحاب الإماراتي

00:27 صباحا
قراءة 4 دقائق

محمد سيف راشد الجابري *

تضرب العلاقات الإماراتية - الصومالية بجذورها في عمق التاريخ الإنساني؛ حيث يذكر التاريخ في وثيقة بيريبلوس أنه وفي العصور القديمة كانت هناك رحلات للتبادل التجاري بين الحميرين والسبئيين في الجزيرة العربية وتجار الشمال الصومالي في القرن الميلادي الأول، ثم كان الفضل لعرب ساحل الخليج العربي في انتقال اللغة العربية والدين الإسلامي الحنيف إلى ساحل الشرق الإفريقي، خاصة في الصومال والحبشة، ثم عضدت أكثر في عهد الشيخ سلطان بن صقر بن راشد القاسمي رائد التحضر والتغيير الذي كان حريصاً على توطيد تلك العلاقات.

 كانت النظرة الإماراتية الإنسانية دوماً سابقة على أية قواعد دبلوماسية في مسار علاقات الإمارات بالصومال، على الرغم مما شاب تلك العلاقات من توتر عقب قيام نظام محمد عبد الله فرماجو الرئيس الصومالي المنتهية ولايته من تصرفات غير محسوبة في إبريل/ نيسان 2018 كانت كفيلة بتدمير تلك العلاقات المتجذرة؛ حيث قامت قوات المذكور بمصادرة مساعدات مالية كانت مخصصة لصرف رواتب الجند بالجيش الصومالي قدرت بمبلغ 9 ملايين و600 ألف دولار.

 وفي نفس الوقت رفضت مقديشو اتفاق شركة موانئ دبي العالمية مع أرض الصومال لتطوير ميناء بربرة في تطور لم يجد المحللون له ما يبرره، وعلى الرغم من كل ذلك لم تنقطع الاستثمارات والمساعدات لأرض الصومال. وفي خضم كورونا أرسلت الإمارات أطناناً من المساعدات الطبية والإغاثية للصومال، ولا لم يغب الصومال عن الذاكرة الإماراتية لما لهذا البلد من مكانة خاصة سواء من الناحية الإنسانية والإسلامية أو من الناحية الاستراتيجية التي يعززها موقع هذا البلد الفريد ووقوعه في منطقة جد ساخنة ومحط تكالب دولي شديد؛ حيث تعد منطقة القرن الإفريقي ذات بعد اقتصادي مهم لمنظومة الأمن الغذائي الخليجي وكذلك الأمن العسكري؛ بوصفها الحوض الخلفي لمنطقة الخليج العربي.

 لم يجد محمد حسين روبلي رئيس الوزراء الصومالي بداً من شجاعة الاعتذار، تصويباً لخطأ فرماجو، وتقديراً لما يعانيه بلده من آثار الجفاف والفقر، وقراءة متأنية وسليمة لما يجب أن تكون عليه العلاقات مع الإمارات، وحسن تقدير لعوائد العلاقات معها التي عرّضها فرماجو لخطر التوتر.

وقد عبّر روبلي عن استيائه الشديد مما قام به فرماجو من استيلائه على المساعدات المالية، معتذراً باسمه وباسم الصومال حكومة وشعباً؛ حيث كان هذا التصويب من جانب روبلي كما رأه بعض المحللين خطوة رادعة للمتلاعبين بسمعة وقيمة الصومال.

 اعتنقت الدبلوماسية الإماراتية في الصومال مبدأ الحياد الإيجابي، فهي تقف على مسافة واحدة من كافة الأطراف المتصارعة على الساحة الصومالية والمبدأ الإنساني الذي يغلف دوماً أغلب العلاقات الدبلوماسية للإمارات، خاصة في العمق الإفريقي الذي بات مثقلاً بمشاكل وقضايا إنسانية بالغة الخطورة، فقد اتخذت الإمارات ذلك المنهج حتى تتمكن من إتمام رسالتها الإنسانية التي رسخت كمنطلق لسياساتها الخارجية منذ عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وكذلك لمحورية وأهميه الدور الإماراتي في تلك المنطقة، والذي بات معبّراً عن دولة أصبحت من القوى الإقليمية المؤثرة في نطاقها الجغرافي ومحيطها الإقليمي. 

 وكان لحرص الإمارات على استمرار دعمها للصومال أن تلقت رسالة رئيس الوزراء روبلي بكثير من القبول والترحاب والتعاطي مع دعوته لفتح صفحة جديدة من علاقات يسودها الاحترام المتبادل والتقدير للدور الإماراتي الإنساني والأخوي، وهو ما أشار إليه مستشار رئيس الدولة الدبلوماسي أنور قرقاش عن استمرار الإمارات في عملية ترميم الجسور وإعادة اللحمة الأخوية بين البلدين، سعياً لتحقيق الاستقرار لهذا البلد، والمساعدة في أخذه بأسباب تحقيق الازدهار على الرغم من تزامن ذلك مع قرار إحدى المحاكم الصومالية وبضغط من فرماجو والذي يقضي بعدم رد الأموال التي استولت عليها قواته في مطار مقديشو والذي حاول فرماجو بصدور هذا القرار تقويض محاولة رئيس وزرائه، وإفشال دعوته للتصالح مع الإمارات، إلا أن عبقرية الدبلوماسية الإماراتية الهادئة والمترفعة كانت واعية لذلك، فصمّت آذانها عنه فتجلت الرحابة الإماراتية مستوعبة دعوة روبلي وإعادة جريان نهر المساعدات إلى هذا البلد الذي أنهكه الفقر والاحتراب الأهلي.

 وفي ظل زيارة روبلي، لأبوظبي، ولقاء صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، أراد إرسال رسالتين مهمتين هدفت الأولى منهما إلى تأكيد استمرار الدعم الإنساني والأخوي للشعب الصومالي الشقيق، وتأكيد أهمية العلاقات والسمو بها فوق الخلافات المحدودة والتصرفات غير المتعقلة، وتأتي الثانية تأكيداً لإصرار الإمارات على تعضيد الأمن القومي العربي في عمقه الإفريقي، بالمساعدة في تحقيق الاستقرار في بلد يمثل رصيداً ورقماً مهماً في معادلة الأمن القومي العربي يصعب تجاوزه.

 كما أن استقباله من قبل صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، في معرض «إكسبو 2020 دبي»، كان نظرة لمستقبل العلاقات الصومالية  الإماراتية من خلال تعزيز الروابط والشراكة بين الإمارات والصومال والتي تخدم الشعبين الشقيقين.

* باحث في العلاقات الدولية - متخصص في الشأن الإفريقي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"