عادي

الأرض الأم

21:48 مساء
قراءة 3 دقائق
حميد مجول

أ.د. حميد مجول النعيمي *

تم تصوير الأرض من المركبات الفضائية من على بعد ملايين الكيلومترات، وظهرت كنقطة زرقاء صغيرة جداً تسبح في الفضاء وبالكاد تبدو واضحة في خلفية النجوم. وهذا الكوكب هو الوحيد الذي نعرفه اليوم من بين المليارات من الكواكب في الكون الذي يحتوي على مختلف الكائنات الحية، فهو الوطن، هو المهد، هو الذي خلقه الله سبحانه وتعالى ووضعه للأنام، وجعله ذلولاً لنمشي في مناكبه بحريّة ولنأكل من رزقه، هو الذي جعله كُفاتاً، وجعله فراشاً ومهداً وسلك لنا فيه سُبلاً وأنزَل لنا عليه من السماء ماءً وأخرج لنا به أزواجاً من نباتٍ شتى.

خلق الله سبحانه الكائنات الحية على سطح الأرض قبل أكثر من مليار سنة، ومنذ ذلك الحين أدى محيطها الحيوي إلى تغيير الغلاف الجوي والظروف غير الحيوية الموجودة عليها مما سمح بتكاثر الكائنات الحية التي تعيش في ظل وجود الأوكسجين وتكون طبقة الأوزون التي تعمل مع المجال المغناطيسي للأرض على حجب الأشعة الكونية الضارة، وفيها تطورت العلوم بشكل متميز على مر السنين، وتم استكشاف الفضاء والكون بتقنيات لم يصلها الإنسان مثل ما وصلها اليوم، تمكن الإنسان من رصد أجرام عند حافة الكون المرئي وقد نتمكن من رصد أجرام أبعد من هذه الحافة مستقبلاً، ومع كل هذه التقنيات لم يكتشف الإنسان أكثر من 5% من الكون.

وكوكب الأرض هو الوحيد حالياً الذي يمكنه احتضان الحياة التي نعرفها، ولا وجود لأي مكان آخر على الأقل في المستقبل القريب يمكننا الرحيل إليه والعيش على سطحه، فالأرض مصيرنا وحياتنا، خلقها الله سبحانه لنعيش عليها. «وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا» (النساء 100)، ولكن نجد أن خسائر الحرب العالمية الأولى وصل عددها إلى 24 مليون إنسان، وخسائر الحرب العالمية الثانية خلفت أكثر من 40 مليوناً في القارة الأوروبية في واحدة من أكبر المجازر البشرية، فضلاً عن الحروب الأخرى التي شملت كافة قارات كوكب الأرض ببحارها وأجوائها. لننظر إلى أنفسنا ونتخيل أهمية وجودنا على هذه الأرض الخصبة التي زودنا بها الله سبحانه وتعالى بكل ما نحتاج للعيش بأمان وسلام، وسنجد لدينا مكانة خاصة لتنمية مجتمعاتنا من خلال استغلال النعم التي هداها الله لنا، لنكتشف ونبتكر خدمة للإنسانية جمعاء ودراسة خيرات الأرض ودراسة الكون ومختلف أجرامه السماوية والبحث عن كوكب آخر قد نستطيع العيش على سطحة في حال زيادة سكان الأرض بالشكل الذي لا يُبقي لنا موطئ قدم على سطحه بسبب الزيادة السكانية.

كوكب الأرض هو الومضة الوحيدة الموجودة في الكون التي تجعلنا نعيش بسلام «يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا» (البقرة 168)، واليوم لا نمتلك أيَّ دليلٍ بأن مساعدةً ستأتي يوماً من، أو من خارج مجموعتنا الشمسية أو من خارج مجرتنا، لإنقاذنا، من أنفسنا.

الأرض هي الكوكب الوحيد الذي يمكنه احتضان الحياة «أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ» (البقرة 267)، ولا يوجد أيُّ مكانٍ، على الأقل خلال المستقبل القريب، يمكننا الرحيل إليه. ربما يمكننا زيارة القمر أو بعض الكواكب، أما العيش عليها! فغير ممكن بعد. وبالنتيجة إن شئنا أو أبينا فكوكب الأرض هو مصيرُنا.

دراسة الكون ومحتواه (دراسة خلق الله سبحانه وتعالى) تعلِّمُ التواضعَ، وتبني صورةً إنسانيةً في دارسِها، فبالتالي لا بد لنا أن نتعامل بشكلٍ أكثرَ مودةً واحتراماً لبعضِنا بعضاً، وأن نحمي، ونحافظ على خيرات الله سبحانه التي وفرها بكل جوانبها للبشرية على هذا الكوكب. فهو وطننا الوحيد الذي نعرفه اليوم.

«الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً» (البقرة 22) سبحان الله القدير على ما سخره لنا لنعيش على الأرض الأم بسلام وأمان وحب ونتفكر ونتدبر ولنتعرف أكثر إلى قدرة الخالق العظيمة ونتقرب إليه ونعبده حق عبادته.

* مدير جامعة الشارقة

* رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"