عادي

تكنولوجيات الأرض

22:34 مساء
قراءة 3 دقائق
3

أ.د. حميد مجول النعيمي *

الأرض كوكبنا الوحيد الذي عرفناه لأننا نعيش على سطحه، ومن خلاله تعرّفنا إلى الكون ومحتواه من كواكب ونجوم ومجرات وسدم، فضلاً على موضوعات كثيرة أخرى تتعلق بحياة الكائن الحي ابتداء من أصغر الجسيمات (الكواركات) صعوداً إلى أكبر المجرات (على بعد نحو 3 مليارات سنة ضوئية)، وهي مجرة راديوية عملاقة (السيَنوس Alcyoneus) تمتد عبر 16.3 مليون سنة ضوئية، مما يجعلها أكبر مجرة معروفة على الإطلاق (أكبر 100 مرة تقريباً من مجرتنا).

تكونت الأرض قبل 4540 مليون سنة، وخلق الله سبحانه الكائنات الحية على سطحها قبل «أكثر من مليار سنة»، ومنذ ذلك الحين أدى المحيط الحيوي للأرض إلى تغيير الغلاف الجوي والظروف غير الحيوية الموجودة عليه، مما سمح بتكاثر الكائنات الحية التي تعيش في ظل وجود الأوكسجين وتكوّن طبقة الأوزون التي تعمل مع المجال المغناطيسي للأرض على حجب الأشعة الكونية الضارة.

وتطورت العلوم بشكل متميز على مر السنين، وفيها تم استكشاف الفضاء والكون بتقنيات لم يصل إليها الإنسان مثل ما وصلها اليوم في مختلف المجالات. تمكّن الإنسان من رصد أجرام عند حافة الكون، ومع كل هذه التقنيات لم يكتشف الإنسان أكثر من 5% من الكون، ووصل الإنسان إلى القمر أربع مرات بين 1969 و1972، والآن يحاول الرجوع إليه ليجعله مطاراً كونياً يستفاد منه في بناء المستوطنات في الفضاء والسفر إلى كواكب أخرى.

وفي الواقع عندما نتحدث عن التقدم العلمي والتكنولوجي الحاصل في أيامنا هذه على الأرض، نجده شمل جميع مرافق الحياة على سطحها وأعماقها وبحارها ومحيطها الحيوي وحتى في الفضاء.. شمل المجالات الطبية والصحية والاجتماعية والزراعية والصناعية وحتى الأمنية والعسكرية، وشمل أدق تفاصيل جسم الإنسان والحيوان، ولا أريد أن أدخل في تفاصيل التقدم العلمي والتكنولوجي لأنني لو سطرتها ستملأ عشرات الكتب، ولكنني سأذكر فقرة صغيرة من هذا التقدم.

على سبيل المثال في جزء بسيط من ممارساتنا الحياتية اليومية في مجالات التواصل الإلكتروني الاجتماعي من خلال عالم وثورة الإنترنت، نجد أن الدقيقة الواحدة فقط ملأى بالملايين من عمليات المشاهدة والقراءة والبحث والرسائل والبيع والشراء لتشكل عالماً هائلاً من البيانات والتفاعلات بين مئات الملايين من المستخدمين الذين لا يتوقفون كثيراً لإحصاء ما يقضونه من دقائق على الشبكة الإلكترونية الضخمة، التي ترسم خارطة رهيبة تعكس سيطرة التكنولوجيا على الحياة البشرية في مختلف تفاصيلها.

نجد أن حجم الإنفاق مثلاً، يحقق أكثر من مليار دولار في الدقيقة الواحدة، وبلغت الرسائل المتبادلة عبر فقط «وتس آب» ملايين الرسائل في الدقيقة، ومئات الملايين من الرسائل الإلكترونية عبر الإنترنت، وملايين التغريدات عبر «تويتر»، وملايين الفيديوهات عبر «يوتيوب»، ونفس الحالة بالنسبة إلى «إنستغرام» والرسائل النصية و«فيسبوك» و«غوغل» و«سناب شات» و«ماسنجر»، من مواقع ووسائل التواصل الاجتماعي والإلكتروني.

وهناك تكنولوجيا عديدة أخرى لم تصل إلينا إلى الآن، بحيث أصبح التسارع التكنولوجي اليوم، أسرع من أمس وغداً أسرع من اليوم، وهكذا إلى أن أصبحت بعض الدول غير قادرة على اللحاق به.

وبالمقابل، نجد الحروب مستمرة، ودرجات الحرارة ترتفع والجبال الجليدية تنهار والكوارث الطبيعية تزداد والغابات تحترق، ومؤتمرات متكررة لدول العالم لإنقاذ الأرض وحمايتها وكوارث صحية بشرية، وتضخم سكاني وتلوّث بيئي وانتشار الأوبئة وعوادم وأبخرة تزيد من حرارة الأرض، وتسربات نفطية تقتل بلا رحمة، والأرض تزداد لهيباً، وما من أرقام وإحصائيات تعكس الكوارث الحقيقية.

في الفضاء أشلاء ونفايات وحطام فضائي طبيعي وصناعي يهددان الاتصالات والمواصلات الجوية والأقمار الاصطناعية والأرصاد الفلكية، والأرض نفسها مهددة بالصخور الفضائية الكبيرة. أضرار بشرية وأضرار طبيعية، ولكن الله سبحانه خلق الأرض لتنعم البشرية بخيراتها وجمالها وبحارها وأنهارها وحماها من الأضرار الكونية.

«ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ». الروم 41.

يا بشرية الأرض تمعّنوا وتفكروا في قدرة الله في خلق السماوات والأرض وتمتعوا بخيراته ونعمه واستخدموا تقنياتكم المتطورة في أعمال الخير لإنقاذ الأرض ومن عليها.

«الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار». آل عمران 191.

* مدير جامعة الشارقة

* رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"