عادي

نبي يرفع مكانة المرأة ويستشير زوجاته

22:46 مساء
قراءة 5 دقائق
1

لم يشهد التاريخ الإنساني رجلاً عظيماً مثل رسولنا الكريم محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، فلم يكن صاحب رسالة عظيمة وحسب، وإنما كانت سيرته ومسيرته التي امتدت نحو ثلاثة وستين عاماً، أنموذجاً فريداً لرسول عظيم، ونبيٍّ كريم، وقائد مُلهَم، وإنسان بلغ من الصدق والأمانة والرأفة والرحمة والتسامح مع الآخر مبلغاً لم يصل إليه أحد من العالمين، ولِمَ لا وقد قال الله في شأنه: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم: 4 5]

كانت المرأة قبل الإسلام مُهانة، ومُهدَرَة الحقوق، بل إن المجتمع الجاهلي كان يعتبرها عاراً، فكان كما قال الله تعالى: «وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ، يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ» (النحل: 58 و59).

وجاء الإسلام فكرَّم المرأة تكريماً لم تعرفه قبل ولم تشهده بعد، رغم كثرة المنظمات النسائية في العالم المعاصر، حيث جعل إحدى سور القرآن باسم «النساء»، وأخرى باسم «مريم». قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا»(النساء: 1).

وجاء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فرفع مكانة المرأة أمّاً وزوجة وبنتاً وأختاً، وأوصى بها ثلاثاً، فقال لمن سأله عن أحق الناس بحسن الصحبة: أمك ثم أمك ثم أمك، ثم أبوك. وقال، صلى الله عليه وسلم: «من كانت له أنثى فلم يئدها ولم يُهِنها، ولم يُؤْثِرْ ولده عليها أدخله الله الجنة». وقال أيضاً: «من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو بنتان أو أختان، فأحسَنَ صحبتهن واتقى الله فيهن، فله الجنة».

والمتأمل في السنة النبوية الشريفة، يجد مدى حرص الرسول على توصية الرجال بالمرأة، وحفظ حقوقها، وحسن معاملتها، وذلك قبل أن يعرف «الآخر» ما يُسمى بمنظمات حقوق المرأة؛ فقد رُوِيَ عن الرسول الكثير من الأحاديث الشريفة التي تتعلق بالنساء في كل ما يخص حياتهن.

روى أبو هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ، فلا يُؤْذِ جارَهُ، واسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْراً، فإنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أعْوَجَ شيءٍ في الضِّلَعِ أعْلاهُ، فإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وإنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، فاسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْراً».

وروى أبيّ بن كعب، أنّ رسول الله قال: «ألا واستَوْصُوا بالنِّساءِ خَيراً؛ فإنَّهُنَّ عَوَانٍ عندَكُم، ليس تَمْلِكون مِنهُنَّ شيئاً غيرَ ذلكَ، إلَّا أنْ يأتِينَ بفاحشةٍ مُبَيِّنةٍ، فإنْ فَعَلْنَ فاهجُروهُنَّ في المَضاجعِ، واضرِبوهُنَّ ضرباً غيرَ مُبَرِّحٍ، فإنْ أَطَعْنَكُم فلا تَبْغوا عليهِنَّ سبيلًا. ألَا إنَّ لكُم على نسائِكُم حقًاً، ولهُنَّ عليكُم حقًاً؛ فأمَّا حقُّكُم على نسائِكُم فلا يُوطِئْنَ فُرُشَكُم مَن تَكرَهون، ولا يَأْذَنَّ في بُيوتِكُم لمَن تَكرَهون، ألَا وإنَّ حقَّهُنَّ عليكُم أنْ تُحْسِنوا إليهِنَّ في كِسْوَتِهِنَّ وطَعامِهِن».

وعن أبي سعيد الخدري، قال رسول الله: «إنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وإنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كيفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فإنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ في النِّسَاء». وقال صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأهْلِه». وقال أيضاً: «إِنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ». وبشَّر صلى الله عليه وسلم من يرعى شؤون الأرملة، فقال: «السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَار».

وكان رسول الله يستشير زوجاته في بعض الأمور؛ روى الإمام أحمد والبخاري عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، رضي الله عنهما، قالا: إن رسول الله صالح أهل مكة، وكتب كتاب الصلح بينه وبينهم، فلما فرغ قال للناس: «قوموا فانحروا، ثم احلقوا. قالا: فوالله ما قام منهم رجل حتى قالها ثلاثاً، فلمّا لم يقم أحد منهم، ولا تكلم أحد منهم، دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بُدْنَكَ وتدعوَ حالقك فيحلقك. فخرج ففعل ذلك، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضاً حتى يكاد بعضهم يقتل بعضاً.

وكانت أسماء بنت يزيد بن السكن، رضي الله عنها، خطيبة النساء، تنوب عنهن في مخاطبة الرسول فيما يتعلق بهن، وأتته ذات مرة فقالت له: يا رسول الله، إني رسول من ورائي من جماعة نساء المسلمين، يقلن بقولي وهن على مثل رأيي.. إن الله تعالى بعثك إلى الرجال والنساء، فآمنا بك، واتبعناك، ونحن معاشر النساء مقصورات مخدرات، قواعد بيوت، ومواضع شهوات الرجال، وحاملات أولادهم، وإن الرجال فضلوا بالجمعات وشهود الجنائز، والجهاد، وإذا خرجوا للجهاد حفظنا لهم أموالهم وربينا أولادهم، أفنشاركهم في الأجر يا رسول الله؟ فالتفت رسول الله إلى أصحابه فقال: هل سمعتم مقالة امرأة أحسن سؤالاً عن دينها من هذه؟ فقالوا: بلى يا رسول الله، فقال رسول الله: انصرفي يا أسماء وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعّل إحداكن لزوجها، وطلبها لمرضاته، واتباعها لموافقته، يعدل كل ما ذكرت للرجال. وانصرفت أسماء وهي تهلل وتكبر استبشاراً.  وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتعليم المرأة، فقال:«أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ وَلِيدَةٌ فَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، وَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، فَلَهُ أَجْرَانِ». وكان صلى الله عليه وسلم يخصص يوماً للنساء لتعليمهن ووعظهن، وجعل من حق الفتاة أن تختار شريك حياتها؛ فعن عائشة رضي الله عنها، أن فتاة دخلت عليها فقالت: إن أبي زوَّجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته وأنا كارهة، قالت: اجلسي حتى يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء رسول الله فأخبرته، فأرسل إلى أبيها فدعاه، فجعل الأمر إليها، فقالت: يا رسول الله، قد أجزتُ ما صنع أبي، ولكن أردت أن تعلم النِّساءُ أنْ ليس للآباء من الأمر شيء.

تقول المستشرقة الألمانية سيجريد هونكه (1913-1999) في كتابها «شمس الله تشرق على الغرب»: كان رسول الإسلام يعرف أن المرأة ستجد طريقها بجوار الرجل ذات يوم، لذا آثر أن تكون المرأة متدينة، لها لباس معين، حتى تقي نفسها شر النظرات وشر كشف العورات. ورجل بهذه العبقرية لا أستطيع أن أقول إلا أنه قدم للمجتمع أسمى آيات المثالية وأرفعها، وكان جديراً أن تظل الإنسانية مدينة لهذا الرجل الذي غيَّر مجرى التاريخ برسالته العظيمة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"