عادي
مفاهيم كونية في القرآن

موت النجوم

00:39 صباحا
قراءة 3 دقائق
حميد-مجول-النعيمي
28

أ.د. حميد مجول النعيمي *

تُعرَّف بعض نجوم الكتل الكبيرة فيزيائياً وفلكياً بأنها نجوم نيوترونية نابضة في مراحلها الأخيرة من حياتها، وهي مخلفات انفجار نجم من نجوم المستعرات العظمى (السوبرنوفا)، وحجمها بقدر مدينة صغيرة ولها مجال مغناطيسي عالٍ جداً، وتدور حول نفسها بسرعة عالية لتكمل دورتها بعدد قليل من الثواني وبعضها بأجزاء الثانية. وخلال دورانها حول نفسها تبعث هذه النجوم أشعة كهرومغناطيسية قوية جداً في اتجاهين، وذلك يجعلها تكون نجوماً نابضة، وتصاحب انبعاث هذه الطاقات العالية أصوات تشبه الطرق لذلك وصفت بالطارق، وتخترق أشعتها السماء بطاقتها العالية جداً وكأنها تثقب ما يحيط بها من مواد غازية وترابية وبذلك سميت بالثاقب والله أعلم.

«وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ، النَّجْمُ الثَّاقِبُ» الطارق 1-3. يقسم الله سبحانه في الآية الكريمة بالسماء والطارق، والطارق هو النجم الثاقب، أي: المضيء، الذي يثقب نوره، فيخرق السماوات فينفذ حتى يُرى من الأرض بالمراصد الفلكية والفضائية المتطورة، وهو اسم يشمل مختلف النجوم ذات الطاقات العالية جداً التي لها نفس الخواص الفيزيائية ولكنها مختلفة عن خواص النجوم العادية، إذ تبعث أشعة كهرومغناطيسية قوية جداً أثناء دورانها حول محورها بسرع عالية جداً.

في نهاية التسعينات تم اكتشاف نجوم نيوترونية أخرى سميت بالمغانيط، وهي في الواقع نجوم نيوترونية عالية المغناطيسية جداً، إذ يبلغ مجالها المغناطيسي أكثر من 100 ضعف المجال المغناطيسي للنجوم النيوترونية العادية، وقد تكون هي تلك الأجرام السماوية ذات الطاقة العالية جداً والمرصودة عند حافة الكون المرئي التي تسمى بالكوازارات. تظهر هذه الأجرام عند مسافات بعيدة جداً وتُعد مراكز مجرية لامعة جداً تصدر طاقات هائلة غير اعتيادية، وأينما تكون هذه الأجرام فإن لمعانها الهائل يشير إلى أنها أبعد الأجرام السماوية التي يمكن مشاهدتها في الكون. ومن النجوم التي في مراحل حياتها النهائية (الميتة) الثقوب السوداء (الْخُنَّسِ ) تتميز هذه النجوم بعدد من الخصائص، فلا تُرى لا بالعين المجردة ولا بالمراصد الفلكية، لأنها لا تسمح للضوء الخروج منها بسبب جاذبيتها الكبيرة ولكن نتحسس وجودها من خلال رصد ما حولها من المادة (سرعة الهروب من على سطحها أكبر من سرعة الضوء ). ثم تجري بسرعات كبيرة وتأكل أو تشفط كل شيء في طريقها بسبب قوة جاذبيتها الكبيرة جداً. ثم تبتلع وتجذب كل شيء في محيط جاذبيتها وكأنها تكنس صفحة السماء، وقد وصفها البعض بالمكانس الكونية العملاقة.

وقد تنطبق الصفات أعلاه على تلك التي حدثنا عنها القرآن بآيتين كريمتين في قوله تعالى: «فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ، الْجَوَارِ الْكُنَّسِ» التكوير: 15-16، فالخنَّس أي الخانسة التي لا تُرى والجوارِ أي التي تجري، والكُنَّس أي التي تُكْنَس وتُجْذَب وتبتلع مع كل شيء حولها إلى الخُنَس بفعل الجاذبية الهائلة لها. في الواقع أن جميع النجوم بما فيها الشمس تولد وتموت وأن عمرها يعتمد على كتلتها، قال الله تعالى: «فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ، وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ» المرسلات 8 و9 «وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ» التكوير 2، أي النجوم تنطمس وتنطفئ ويخفت ضوؤها عند وفاتها.

والنجوم ذات الكتل العالية جداً أعلى من كتلة الشمس بعدد من المرات أو بعشرات المرات أو أكثر تنتهي وتهوي وتموت «وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى» على شكل نجوم نيوترونية (نجوم نابضة ) أو ثقوب سوداء فتصبح جاذبيتها كبيرة جداً، وبذلك فإنها تقوم بجذب (بلع) ما حولها من مواد وأجرام سماوية، أي أنها تكنس ما حولها من مادة، بمعنى أن النجوم كبيرة الكتلة تصبح ثقوباً سوداء عند موتها ويخفت ضوؤها (تخنس) بسبب جاذبية مادتها عالية الكثافة ولا تسمح حتى للضوء بالخروج منها وبذلك تخفت وتخنس، وفي الوقت نفسه تبتلع وتمتص وتشفط ما حولها من مواد غازية وترابية وأجرام سماوية لذلك قال بعض الباحثين إنها الخنس والكنس، والله أعلم.

* مدير جامعة الشارقة

* رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"