عادي

نجوم الغانم.. القلب منزل الموسيقى

19:49 مساء
قراءة 4 دقائق

يوسف أبو لوز

  • البحر الفيروزي والقلاع والبراجيل أبطال الطفولة

تجمع بين الشعر والسينما، وفي الجمعين لها مفرد واحد هو شعرية الكتابة، وشعرية الفيلم أو شعرية الصورة، وسوف أضع عتبة أولى في هذه الكتابة عن نجوم الغانم، تتلخص في كينونتها السينمائية، والسينما تعتمد على الصورة ونجوم الغانم «١٩٦٢ دبي» شاعرة صورة أو شاعرة قصيدة الصورة منذ «مساء الجنة» في العام ١٩٨٩.

ولكن إذا أخذنا تفصيلة الصورة في كينونة نجوم الغانم، فعلينا، تلقائياً أو ضمنياً أن نربط هذه التفصيلة بالمكان الذي وُلدِت فيه.. دبي، اللؤلؤة المائية والبرية في الوقت نفسه. مدينة الماء، ومدينة الصورة أو مدينة الصور بدءاً من الأزرق، مروراً بالفضّي المُستعار من الشمس، وانتهاءً بالأخضر المستعار من النخيل.

1

طفولة نجوم الغانم طفولة بطلها البحر الفيروزي، والمعمار الدبوي التقليدي بصوره الهندسة المرئية المتمثلة في صور القلاع، والبراجيل، وبوابات البيوت المنقوشة والمُصاغة بفسيفساء من التشكيلات الهندسية، لكنها دائماً وأبداً أماكن وبيوت وصور تفيض بروح شعبية مطمئنة.

هل جاءت شعرية نجوم الغانم وسينمائيتها من المكان الشعبي الدبوي حيث طفولتها الصغيرة التي سوف تتشرّب كل هذه المشهديات، وكل هذه الصور؟.. الجواب: نعم، وسوف تتعمّق شخصية نجوم السينمائية بالدراسة الأكاديمية، ففي العام ١٩٩٩، كما يأتي في سيرتها حصلت على الماجستير في الإنتاج السينمائي من جامعة غريفيث في أستراليا، وفي سيرتها أيضاً: حصلت على درجة البكالوريوس من جامعة أوهايو في الولايات المتحدة ١٩٩٦.

اتجهت نجوم الغانم إلى الأفلام الوثائقية، والتسجيلية، والسِّيَرية التي تتناول حياة إبداعية إنسانية محددّة مثل فيلمها «آلات حادّة» عن الفنان حسن شريف الذي كان ينظر إلى تجربتها الفنية بكل احترام وثقة بالجوهر الإبداعي لامرأة كلّها شعر.

1

**هدوء

التجربة السينمائية لنجوم الغانم تقوم على أكثر من عشرين فيلماً وبدأت هذا التراث الإبداعي البصري منذ العام ١٩٩٧ بتدرّج فني سِمَتُهُ الهدوء وعدم الاستعجال، كما لو أنها تتذوّق المادة الخام لأفلامها على مهل قبل أن تحوّل هذه المادة إلى صورة سينمائية مركبة أو متقطعة، ومن قائمتها الفيلمية نذكر:.. صوت البحر، أحمر أزرق أصفر، حمامة، ما بين ضفتين، آيس كريم، الحديقة.

في داخل نجوم الغانم أيضاً رسّامة متوارية خلف سِتارة الشعر وخلف شريط الفيلم. وأكثر من عرف نجوم الغانم وَلَمس روحها الفنية التشكيلية الفنان حسن شريف الذي تحوّل قبل رحيله إلى اسم تشكيلي عالمي، وأياً كانت درجة إفصاح نجوم الغانم عن شخصيتها التشكيلية فإن الفن الذي هو هدية الله للإنسان يظل الاسم السرّي والاسم العلني لنجوم صاحبة التجربة الشعرية الموازية لتجربتها السينمائية المثقفة.

أصدرت نجوم الغانم مجموعتها الشعرية الأولى «مساء الجنة» في العام ١٩٨٩، وفي العام ١٩٩١ أصدرت «الجرائر»، لتضيء هذه القائمة بنحو عشر مجموعات شعرية منها باختصار: لا وصف لما أنا فيه، وليل ثقيل على الليل، ومنازل الجلّنار.

قاموس نجوم الغانم هادئ وأشبه بالموسيقى هي المولعة أيضاً بهذا الفن الذي لا يستقيم أي إبداع إلاّ به، ولكن في الشعر، اجترحت نجوم الغانم موسيقى النثر التي لا تُحَدّ بقوانين وزينة محددّة، كما لو أنها ترى أن لا حدود لموسيقى الشعر التي هي موسيقى الأشياء والكائنات: موسيقى الشجرة أو الوردة أو الحجر كما موسيقى الطائر والفراشة والغيم.

من قاموس نجوم الغانم: الليل، البحر، الفجر، الضوء، الرّوح، الحب، الصمت، وغيرها من علامات أو إشارات الحياة، وعلى أية حال إذا أردنا الصورة السينمائية خارج الفيلم نجدها في قصيدة نجوم، وإذا أردنا الشعر نجده في فيلمها مهما كانت درجة حساسية هذا الفيلم، وإذا أردنا أن نلمس قوساً تشكيلياً أو نحتياً أو لونياً، فسوف نجده في سينما نجوم أو في قصيدتها التي تربّيها كما تربي وردة أو يمامة، وفي أحوالها هذه لها مقام واحد: الانحياز لصورة الشعر أو للصورة الشعرية.. تقول: «..عشّاق السينما قد يختلفون معي لأنهم يؤمنون بسطوة اللغة السينمائية. وأنا كسينمائية أتفق مع ذلك إلى حدّ مُعين، ولكن ليس بشكل شمولي مع أني ما زلت أنحاز للصورة الشعرية وقدرتها على سرقة أنفاسنا والذهاب بخيالنا إلى آفاق غير محدودة..».

كل عمل فني سينمائي، أو شعري أو نحتي أو تشكيلي لنجوم الغانم يعود في ذاكرته إلى طفولتها المشبّعة بالحنان من جانب عائلة كريمة حميمة تعيش في بيت كبير مُعزّز بمكتبة تضم العديد من كنوز المعرفة والثقافة والأدب والفنون.

الجدّ، والجدّة، والخالات، والمحيط العائلي بتفاصيله الاجتماعية والروحية ستكون معاً منبعاً غزيراً من منابع الصور في حياة نجوم الغانم.

*منبع

إحدى خالاتها مثلاً كانت على معرفة بالتصوير الفوتوغرافي، وجدّتها منبع قصص وحكايات، وقد عدت على نحو خاص إلى تفصيلة الطفولة هذه بعد قراءة متأنّية لعدد من قصائد نجوم، لأجد أن ما قيل في تجربتها الشعرية على لسان عدد من أبرز الكتّاب والمثقفين العرب هو ليس مجرّد احتفاء أدبي ثقافي بشاعرة عربية إماراتية، بل هو حقيقة تجربة شعرية عميقة، مسكونة بأسئلة وجودية في الوقت نفسه.

في نوفمبر ٢٠٢١ كرّست مجلة «الفيصل» ملفاً خاصاً عن نجوم الغانم تفيد قراءته في استكمال هذه الصورة القلمية عن واحدة من أبرز كاتبات قصيدة النثر في الوطن العربي، وهي تعتبر أن الكتابة جبل شاهق وحادّ الأطراف «.. وسعيد هو من يعتاد السير على حوافه دون أن يجرح أقدامه أو يختل توازنه..».

يلفت الشاعر المصري أحمد الشهاوي إلى أن نجوم الغانم كتبت القصيدة - الكتاب، وهو يشير بذلك إلى القصيدة الدرامية الطويلة (الواحدة) في تجربتها الشعرية كما في «الجرائر».

وهي فعلاً، ميزة شعرية جديرة بالإشارة إليها، إذْ، نادراً ما تمتلك المرأة بطبعها وطبيعتها القدرة على الاسترسال الدرامي أو الملحمي في الشعر، غير أن طبيعة نجوم في هذه التجربة بالذات هي طبيعة سردية، فيها أيضاً شيء من السينما، والنحت، والموسيقى، واللون.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3sccjmny

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"