عادي

طلال الجنيبي... موسيقار القصيدة

16:05 مساء
قراءة 4 دقائق
د. طلال الجنيبي
  • في الثامنة عشرة قدم أمسية شعرية في واشنطن

الشارقة: علاء الدين محمود

«تتغذى قصائدي على كل ما يمر عليّ من التجارب والخبرات، إن اللغة والأفكار والأمكنة والمشاعر والتفاصيل واللحظات، هي في حقيقتها أدوات تتعامل مع النص الشعري لديّ وتغريه»، هكذا تحدث الشاعر الإماراتي الدكتور طلال الجنيبي، بكلمات تشير إلى أنه كمبدع يستلهم في نصوصه العديد من التفاصيل والوقائع المشهدية في الحياة، يعبّر عنها من خلال رؤيته وأفكاره الشعرية، فالنص لا يحتشد فقط بالجمال، وإن كان كافياً، لكنه كذلك مساحة تتجول فيها الأفكار، وكل ما يلح على الوجدان، لذلك هو يقول: «القصائد في واقعها إنما انعتاق من ذاك الثقل الذي يقبع في الروح والوجدان والضمير ويراودنا بشدة ليخرج، ونقول كلمتنا في رأي وفي مشاعر أو في رؤية»، وربما ذلك ما جعل تجربة الجنيبي تحمل اختلافاً واضحاً.

ولد الجنيبي عام 1971، وبدأت علاقته مع الشعر والأدب، من خلال القراءة، وكان ذلك في وقت باكر من حياته عندما تعلق قلبه بالاطلاع والمعرفة، فقد نشأ في بيت علم وثقافة، ونهل من المؤلفات والكتب، وفي وقت وجيز كوّن مكتبته الشخصية التي ضمّت ما يناهز الألف كتاب في شتى مشارب العلم والمعرفة في عمر لم يبلغ السابعة عشرة، وفي ذلك الوقت كانت الحياة تتسم بالبساطة قبيل الانفجار الرقمي الرهيب، وما كان من رفيق للمرء غير الكتاب، إضافة إلى العديد من العوامل الأخرى التي شكلت وكوّنت وجدانه الإبداعي، وأكدت على اتجاهه الشعري.

وعندما ابتعث الجنيبي لإكمال دراسته الجامعية في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان عمره في ذلك الوقت 18 عاماً، قدّم أول أمسية شعرية له في واشنطن، وقد وجدت صدىً كبيراً لدى الجمهور، ويقول الجنيبي عن ظهوره في تلك الأمسية: «استغرب أغلب الحضور من هذا الشاب الذي يقدم نصوصاً تحمل صوراً ومضامين أعمق كثيراً مما يتوقع من شاعر ناشئ بهذا العمر المبكر إبداعياً، وهم لا يعلمون أني قبل تلك المواجهة الأولى مع الجمهور كنت في صحبة دائمة مع شعراء العرب من مختلف الأجيال والعصور العربية، تواصلت معهم من خلال القراءة المتعمقة واستكشاف السمات والخصائص والنظر في الأساليب والأغراض، بصورة اختزلت من خلالها عشرات السنين ومئات التجارب، ومن خلالها تغلغل الشعر في جسدي وسكن مسامي».

رحيق

وتأثر الجنيبي بكثير من المبدعين والشعراء العرب، وأخذ من بستان كل واحد منهم رحيقاً عطّر تجربته الشعرية، فلئن كان شديد الإعجاب بشعراء العصر الجاهلي وما قبل الإسلام، فقد حمل وداً خاصاً لكبار شعراء ما بعد تلك المرحلة، خاصة المتنبي، وسيف الدولة الحمداني، والشريف الرضي، وابن زيدون، ثم شعراء من العصر الحديث من أمثال إيليا أبو ماضي، وأبو القاسم الشابي، وأحمد شوقي، ومصطفى الرافعي، وأمل دنقل، ومحمود درويش، وكان يميل لعبقريات العقاد في السير الذاتية ولسير الأعلام، مما يشير إلى أنه كان يقبل على القراءة لكل صاحب عطاء إبداعي جمالي، وكل من يطرح الفكر بأصالة وعمق، ومن المؤلفات التي كان لها الدور الحاسم في تكوينه الوجداني، ديوان المتنبي، وديوان أبي القاسم الشابي، وأشعار المعلقات، وكتب مساجلات الشعراء الأمويين: جرير والأخطل والفرزدق، والمؤلفات التي تتناول المرحلة العباسية والأندلسية.

توقيع صوتي

تميز الجنيبي بأداء شعري مختلف؛ حيث يميل في كثير من الأحيان إلى ترنيم الشعر وموسقته بصوت جميل أو ما يعرف ب«التوقيع الصوتي»، وكأنما يريد أن يشرك المتلقي بقدر أكبر في مشاعره، وينقل إليه ما يجيش في خاطره لحظة إلقائه للقصيدة، فيسرب إليه شعوراً مختلفاً عن ذلك الذي يجده في طريقة الإلقاء العادي، وربما يحيلنا ذلك الأمر إلى الشعر في مناطق كثيرة حول العالم مثل الأندلس أو إسبانيا عندما كان الشاعر يغني قصائده أمام الجمهور ولا يكتفي بقراءتها فقط، ولذلك الجانب فوائد كثيرة يجنيها الشعر، من أهمها اقتراب الشاعر بصورة أكبر من الجمهور والعكس صحيح؛ أي أن تلك الطريقة تحبّب المتلقي في الشاعر فيكسب الشعر شعبية وجماهيرية أكبر، والواقع أن تلك الطريقة الأدائية ليست غريبة على البيئة الإماراتية والعربية بصورة عامة، فقد عرفها سكان الصحراء والبدو.

ودائماً ما يشير الجنيبي إلى أنه يتبع طريقة التوقيع الصوتي ليجذب الأنظار، ويبعد الملل عن الجمهور أثناء الأمسيات الشعرية، وهو يرجعها إلى أصولها التي نهل منها عندما يقول: «عرف عند البدو الشيلات أو الشيلة، وهو شعر موزون ومقفى، وقد استلهمت أوزانه من حركة الجمل في البادية، وعندما أوقّع شعري توقيعاً صوتياً فأنا لا أنشده إنشاداً، وإنما أطبعه بصفة خاصة تمثلني وتنسب إليّ، فالفرق بين التوقيع الصوتي واللحن أن الأول يخلق مع ولادة القصيدة في الوقت نفسه، وهو الحبل السري المرتبط بالنص، أما اللحن فيأتي بعد ولادة القصيدة؛ حيث يسقطه الملحن إسقاطاً مباشراً على القصيدة»، ويلفت إلى أن الكثير من المتلقين والشعراء حول العالم العربي، قد أعجبتهم تلك الطريقة والأسلوبية في إلقاء الشعر، ويقول عن ذلك الأمر: «لقد قلدني بعض من الشعراء في المغرب وفلسطين، علماً بأنني أول من أسميته التوقيع الصوتي كمصطلح»، وقد ميزته تلك الأسلوبية حقاً، حتى أن الكثيرين أطلقوا عليه لقب «قيثارة الشعر»، نسبة لتلك الطريقة المموسقة في الإلقاء.

تجارب

كوّن الجنيبي العديد من التجارب الأدبية والإبداعية، وصار من نجوم الشعر الإماراتي، ومن أجل ذلك تمّ اختياره ضمن موسوعة شعراء الإمارات الصادرة عن وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، والتي تضمنت أبرز الشعراء الإماراتيين، وعلى الرغم من أن مجمل إصداراته من الدواوين الشعرية فاق ال9 إصدارات، إلا أن للجنيبي محبة خاصة لديوانه «على قيد لحظة»، الذي فاز بجائزة أفضل ديوان شعري في دولة الإمارات العربية المتحدة لعام 2017، والواقع أن مسيرة الرجل حافلة بالعديد من التكريمات والجوائز.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2d76fb5m

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"