عادي

البداية من التعليم

23:06 مساء
قراءة 5 دقائق
7
الخط العربي

القاهرة: وهيب الخطيب

اتفق عدد من المثقفين والنقاد على أن تعزيز اللغة العربية يبدأ من التعليم، وربطها بسياقات الواقع الحضاري، وأنه لا نهوض لغوي من دون نهوض على المستويات كافة، الأمر الذي يجعل من العربية لغة مرغوبٌ تعلمها.

ويشار إلى أنه في إطار دعم وتعزيز تعدد اللغات وتعدد الثقافات في الأمم المتحدة، يحتفل العالم باللغة العربية في 18 ديسمبر/ كانون الأول من كل عام؛ بغرض إذكاء الوعي بتاريخ اللغة وثقافتها وتطورها، وهي التي تعد أكثر اللغات السامية تحدثاً، ويتحدثُ بها أكثر من 467 مليون نسمة، واضطلعت بدور محوري عبر التاريخ، كإحدى اللغات الرسمية الست في ال«يونيسكو».

يبدأ أمين مجمع اللغة العربية في القاهرة، الدكتور عبد الحميد مدكور، حديثه لصحيفة «الخليج» بقوله إن اللغة العربية تواجه بعض الصعوبات التي يتفنن أهلها في إيقاعها فيها، ولن تستطيع أن تتجاوز هذه الصعوبات، أو المشكلات، أو العوائقن إلا إذا توفر لها عدد من الوسائل التي تمكنها من التجاوز.

ويُعدد مدكور الذي سبق أن عمل رئيساً لقسم الفلسفة الإسلامية في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، الوسائل التي أشار إليها؛ أولاها أن هذه اللغة الشريفة التي هي لغة الحضارة والتاريخ والثقافة، ولغة القرآن الكريم والنبي العظيم، ولغة الأئمة من العلماء في سائر فروع العلم الإسلامي، ولن تعود إليها هذه المكانة إلا إذا أُعيدت إليها مكانتها وهيبتها بين أهلها، لأن كل لغة بين أهلها مكرمة، تتشرف الناس بالانتساب إليها، أمّا اللغة العربية فهي تعاني جحوداً من بعض أبنائها، ومن إعراض وتجاهل، ونظرة، في بعض الأحيان، دونية، خصوصاً إذا قورنت بغيرها من اللغات الأولى والعالمية التي يتهافت الناس على تعلمها والانتساب إليها.

وشدد مؤلف كتاب «الولاية عند محيي الدين بن عربي» على أننا الآن في الحقيقة نعاني من «هذا الجانب النفسي والخلقي» الذي تقع فيه فئات من أبناء الأمة العربية، وأنت لا تستطيع أن تجد نظيراً لذلك في أي لغة من لغات العالم. وللخروج من هذه الأزمة يرى مدكور ضرورة إحضار واستحضار اللغة العربية في حياتنا العامة، ابتداء من التعليم الذي لا تجد اللغة العربية فيه مكاناً يتناسب مع أهميتها،، فثمة مواد وعلوم لا نعرف السبب وراء تعلمها باللغات الأجنبية كالتاريخ والجغرافيا.

البداية بالنشء

في السياق ذاته، استهلت الناقدة الدكتورة اعتدال عثمان، حديثها بالإشادة بمشروع المعجم التاريخي للغة العربية، الصادر عن مجمع اللغة العربية بالشارقة، واعتبرته خطوة للنهوض بالعربية والارتقاء بها، وجزءاً من خطة لتعزيزها، خاصة أنه ديوان يضم ألفاظ اللغة العربية جميعها، ويبيّن أساليبها، ويوضح تاريخ استعمالها، أو إهمالها، وتطور دلالاتها ومبانيها عبر العصور.

ورأت الناقدة التي لعبت لسنوات دوراً فعالاً في دفع أعمال الأديبات الناشئات وتقديم النقد النسوي الغربي، أن تعزيز اللغة العربية يبدأ من التعليم، وكيف نحبب الأطفال باللغة منذ البداية، خاصة أن الكثيرين يتحدثون بلغات أخرى أكثر، وبالتالي، السؤال كيف نجعل الأطفال منذ بداية دراسة اللغة العربية يحبونها ويشعرون أن فيها عوالم متقاطعة مع حياتهم العملية؟

وتستطرد مؤلفة كتاب «إضاءة النص: قراءة في الشعر العربي الحديث» في الإجابة بقولها إنه «كي يتقن الأطفال اللغة العربية، ويتمكّنوا من التعبير، شفهياً والكتابة، بها فإنهم يحتاجون إلى الخروج من دائرة الراحة الخاصة بهم، وبالطبع إلى جهد، وهذا يتجنبه الكثير من أبنائنا، ويصبح الموضوع فيه صراع مع الأهل»، مؤكدة أن الوسيلة هي السعي لأن تكون اللغة العربية ممتعة، وليست معقدة صعبة وغير مستساغة.

نهوض حضاري

الناقد الدكتور محمد عبد الباسط عيد، يرى أن اللغة العربية أمامها مساران في المستقبل، الأول مسار متفائل يشهد ازدهاراً للغة العربية، وتعزيزاً لمكانتها في ظل التغيرات التكنولوجية والتطورات العلمية الهائلة، فأصحاب هذا التصور يرون أن التطورات المعرفية ستصب في مصلحة اللغة العربية وتطورها مع الوقت.

أما المسار الثاني، فيرى عضو لجنة الدراسات الأدبية والنقدية في المجلس الأعلى للثقافة، أنه مسار متشائم، يذهب متبنّوه إلى أن اللغة في مستواها الفصيح سينتهي بها المآل إلى أن تصبح لغة تعبّد وعبادات، وربما أصبحت علاقة أبناء العربية بلغتهم أشبه بعلاقة المسلمين من غير العرب بها، يحفظون بعض آيات الكتاب من دون أن يجيدوا اللغة ذاتها.

ويوضح مؤلف كتاب «النص والخطاب» أن اللغة العربية كانت في بداية القرن العشرين على موعد مع ثورة هائلة في التطوير والعصرنة، إذ عمل كتاب بداية القرن على تحديث اللغة وتخليصها من الزخرف التراثي والبديع الذي كان يسيطر على أساليبها، وجعلها لغة عصرية، الأمر الذي دعت إليه الصحافة التي عرف العرب طريقهم إليها، وبالتالي جعلت الصحافة العربية لغة عصرية، خاصة أنه بُذل جهد عظيم من جانب الكتاب في هذا المضمار.

ويتابع مؤلف كتاب «الخطاب النقدي» أنه وبعد أن ساهمت الصحافة في تحديث اللغة العربي وعصرنتها وخروجها من الجمود، جاء نجيب محفوظ وقطع شوطاً تقدمياً، في جعل اللغة العربية لغة حوار شخوصه، مهما كانت مستوياتهم التعلمية أو انتماءاتهم الاجتماعية، خاصة في رواية «الحرافيش»، وإن بدت اللغة في شكلها «محكية» لكنها فصيحة وعربية أصيلة.

هنا يمدح الدكتورعيد محفوظ كصاحب مشروع سردي هائل، استطاع أن يخلق شخوصاً يتصالح فيها الماضي مع الحاضر، وتلتقي فيها القيم المصرية الموروثة مع المتغيرات العالمية، وشخّص أوجاعنا وأوضاعنا وحذرنا من الاستبداد، وبذل جهوداً مضنية في البحث والتفكير واختبر كل الأفكار، وهذا ما يجعله بالنسبة لعبد الباسط عيد أعظم مؤول في الثقافة العربية، أو بتعبير أدق: أخطر مؤول.

ويرى عيد أنه في ظل التطور التكنولوجي نستطيع أن نتوقف أمام العشرات، أو المئات من الأشخاص الذين يكتبون منشوراتهم على منصات التواصل الاجتماعي في مستويات جديدة للفصحى، ويمكن أن نسميها «الحوارية الجديدة»، ما يسهم في تطوير وتطويع العربية، لكنّ السؤال ما الذي يدفع الآخرين لتعلم لغتنا أو متابعتها؟

يقول عيد: يمكنني أن أتحدث طويلاً في مديح اللغة العربية، لكني عاجز تماماً عن إقناع ابني بضرورة تعلمها، طموحاته معولمة، وما يفكر فيه أو يحلم به لا يمكن إنجازه باللغة العربية، وإنما باللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية، والذين ينقطعون لدراسة العربية يدركون تماماً الوظائف البسيطة التي تنتظرهم.

ويذهب عيد إلى أن اللغة الصينية لم تكن مرغوبة منذ سنوات في مصر، ومع الحضور العالمي لبكين انتشرت أقسام اللغة الصينية في الجامعات المصرية، أي أن النهوض بالعربية يتطلب نهوضاً عربياً حضارياً متكاملاً، ساعتها يشعر العربي والأجنبي معا، بحاجتهما إلى اللغة وتعلمها، وهو ما سبق أن حدث مع تأسيس الحضارة الإسلامية، وقت أن كانت أداة لإنتاج المعرفة والعلوم.

سحر

من جهته، يقول الروائي والناقد الدكتور أحمد إبراهيم الشريف «دائماً يشغلني سؤال: هل فعلاً اللغة العربية تحتاج إلى حماية؟ أليست محفوظة طالما القرآن الكريم موجوداً، وطالما الشعر العربي يُكتب، وطالما الفنون الأدبية تُؤلف؟».

ويضيف مؤلف كتاب «الخطاب الشعري عند نجيب سرور» «بالطبع أتمنى أن أجيب عن هذه الأسئلة بأنه فعلاً اللغة العربية محمية، ولا تحتاج إلى حماية خارجية، لكن في الحقيقة لا أشعر بالراحة بعد هذه الإجابة، فالذي أراه وأحس به أن اللغة العربية تعاني، ونستطيع القول إنها في خطر».

صناعة المستقبل

تنهض اللغة عندما تتغير رؤيتنا لها، عندما نثق بأنها لغة حضارة، وبأنها قادرة أن تعبّر عنا، وعن أحلامنا، عندما يكون لها علاقة بالمستقبل، وصناعة المستقبل ليست بالأمر السهل، لكن النجاة يحتاج إلى عمل ومزيد من العمل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3zz68f73

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"