عادي

المسحراتي.. والجدة

23:53 مساء
قراءة 3 دقائق

في البيت الكبير الذي يضم عائلة كبيرة، كانت الجدة سلطانة، كبيرة العائلة، تجمع أحفادها البنات والأولاد، وتحكي لهم الحكايات والقصص الجميلة، كانوا يحبونها كثيراً، ويسمعون كلامها ويطيعونها، فهي لهم القدوة الحسنة والمثل الأعلى، تحبهم وتحن عليهم. أحفادها هم: سمر وندى وليلى ومحمد وياسر وأحمد وياسين.

فكرت الجدة سلطانة أن تحكي لهم قصة «مسحراتي رمضان»، فالتف الأطفال حولها وبدأوا يستمعون إليها ويستمتعون بحديثها وقصتها الشيقة، بعد أن سألوها من هو المسحراتي؟ وماذا يفعل؟. نظرت الجدة إلى أحفادها في سعادة، وقالت: جاءت كلمة مسحراتى من السحور، أي وجبة السحور التي يتناولها الصائم استعداداً للصيام قبل صلاة الفجر، ومهمة المسحراتي هي أن يطوف داخل الشوارع وينادي على الأشخاص الذين يعرف أسماءهم، وكذلك يقول المقولة الشهيرة التي أصبحت من معالم شهر رمضان المبارك، وهي «إصحى يا نايم.. إصحى وحد الدايم.. رمضان كريم»، ويحمل في يده طبلة صغيرة يقرع عليها بواسطة قطعة من الجلد، بطريقة معينة لا تزال عالقة في ذهن من حضروها أو يسمعونها حتى الآن.

وبدأت تلك الوظيفة مع بدء التاريخ الإسلامي، فبلال بن رباح،أول مؤذن في الإسلام، اعتاد أن يخرج قبل صلاة الفجر يومياً طوال الشهر الكريم، يمر على بيوت المسلمين ويشدو بصوته الجميل، بأجمل الكلمات لإيقاظ المتسحرين، وكان هناك أيضاً عبد الله بن أم مكتوم، وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: بلال يؤذن بالليل.. فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، فامتنعوا عن الطعام. فقال الحفيد ياسين: يا جدتي أعرف بلال، رضي الله عنه، مؤذن رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم، فقد شرح قصته لنا المعلم في حصة الدين في المدرسة.

قالت الجدة: ما شاء الله عليك يا بني، وواصلت: يقترن اسم المسحراتى يا أولادي في بلاد العرب الإسلامية بوجبة السحور، وله أسماء كثيرة مثل «النفار»، و«أبو طبيلة»، و«المفلح»، و«المسحر». ويقولون دائماً (اصحى يا نايم وحد الدايم) وهذه الجملة من أشهر العبارات التي اعتدنا على سماعها على دقات طبلة صغيرة يحملها لإيقاظ المسلمين لتناول السحور، كما قلت لكم، استعداداً ليوم جديد من أيام صوم رمضان.

وكان بعض المسحراتية في الماضي يحملون فانوساً يرافقه به رجل آخر، أما الآن فأنوار الكهرباء وزينة رمضان تضيء جميع الأماكن والأحياء، والمسحراتي ينادي على الناس بالأسماء، وخصوصاً الأطفال.. ويفرحون جداً بذلك.

وأكملت الجدة سلطانة قصة المسحراتي قائلة: ظهرت مهنة المسحراتى في مصر في عهد الدولة الفاطمية أيام السلطان الحاكم بأمر الله، فكان يأمر بأن ينام الناس عقب صلاة التراويح، وكان جنوده يمرون على جميع المنازل يطرقون الأبواب قبل أذان الفجر، ليوقظوا النائمين، فلكل بلد يا أحفادي طابعه الخاص في دعوة الناس إلى السحور، وهذا الاختلاف نتيجة طبيعية لاختلاف كل بلد عن الآخر في التقاليد والعادات. والمسحراتي من أبرز الشخصيات في رمضان، ويعتبر رمزاً للشهر المبارك، وهو يدق طبلته، وينادي على الناس، وينشد أناشيد دينية فيها ابتهالات إلى الله تعالى بأسلوب شعبي بسيط. أما بالنسبة لأجر المسحراتي في أيامنا هذه، فقبل العيد يأخذ العيدية من الناس كل حسب مقدرته.

نظرت الجدة سلطانة في ابتسامة عريضة وقالت: والآن يا أحفادي جاء موعد النوم حتى تستطيعوا أن تستيقظوا للسحور، فذهب الأولاد للنوم، وقبل الفجر مرت عليهم وأخذت تنادي على كل واحد باسمه، حتى يستيقظوا ويسمعوا صوت المسحراتي.

استيقظ الآباء والأمهات والأحفاد، وتجمعوا حول الجدة سلطانة وانتظروا ليسمعوا صوت المسحراتى، وبعد دقائق سمعوا صوته يعلو ويقول: (إصحى يا نايم وحد الدايم.. رمضان كريم). وكانت المفاجأة عندما سمع الأحفاد صوت المسحراتي وهو ينادي عليهم بأسمائهم.

صفق الأولاد من الفرح، وعرفوا أن الجدة سلطانة اتفقت مع المسحراتي على أن ينادي عليهم ليقوموا للسحور، ثم التفوا حول المائدة بنية الصيام.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5yta7d7e

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"