درس من كونفوشيوس

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

التعصّب يعمي البصر والبصيرة، ولا نظنّ أنه وباء العقل البشري في القرن الحادي والعشرين. هنا إليك قصة الحكيم والفيلسوف الأخلاقي الإنساني كونفوشيوس مع أحد المتعصّبين، فيما عاش فيلسوف الوسطية والاعتدال من 552 قبل الميلاد، وحتى 479 قبل الميلاد، وكان هناك من هم عميان العين والقلب.... كان كونفوشيوس قد دخل أحد المعابد، لأول مرة في حياته، وتصادف أن وافق ذلك ذكرى تأبين الدوق «جو»، فما إن دلف من الباب، حتى أخذ يرقب الطقوس الجنائزية، ويسأل، ويستفسر كل من يصادفه عمّا خفي عليه من أصول الصَلَوات والتراتيل، ثم صاح أحد الحاضرين ساخراً: وَيْلٌ لابن «شوليانغ هي»؛ يقصد كونفوشيوس.. يدخل المعبد، فيستقصي ويستخبر عن هذه وتلك.. ما أبعد ذلك عن أخلاق الدين، فسمعه كونفوشيوس، وَرَدّ عليه قائلاً: «.. على رِسْلك يا هذا، لقد سألتُ حَذراً من الوقوع في خطأ، واستفتيت درءاً لخطيئة، وإنه لرأس العلم وركن الإيمان..»، محاورات كونفوشيوس: ترجمة محسن سيّد فرجاني.
رجل المعبد الصيني ذاك كان أوّل ما فعله هو السخرية من الفيلسوف، والتحريض عليه، وإحلال نفسه محل الكاهن أو أنه جعل من نفسه حارساً للمعبد وللديانة التي كانت سائدة آنذاك، فلم يخاطب الفيلسوف باسمه؛ بل حرّض عليه وهو ينبذه بقوله: يا ابن شوليانغ... والصورة نفسها لم تتغير إلى اليوم، ففي وقائع مماثلة في زماننا هذا، هناك من هو صورة طبق الأصل عن ذلك الرجل الصيني – المتنطّع بلغة العنف الفكري. لغة – التخوين – والتكفير والإيقاع ببني الإنسان في براثن القوّالين الفخّاخين، أي نَصَبة – الفخاخ وانتصار زلّات اللسان – لجعل الحبة.. قبة.
لكن على الجانب الآخر كم لك أن تعجب بالفيلسوف وتتعجب منه، وأنت تقرأ محاوراته الأشبه باليوميات بين تلامذته أو بين الناس ومنهم شعراء وأمراء – وأباطرة أو بين ذوي مكانات ومناصب مرموقة في بلاطات الحكم.. وكلهم عند كونفوشيوس يقفون سواسية عند خط الحكمة، وعند باب الفلسفة.
الأخلاق. الإنسانية. الأم. الأب. العدالة. الصداقة. المحبة. الطيبة. الجمال. وغيرها صف طويل من القيم الرائعة الجميلة هي معاً كتاب كونفوشيوس منذ مئات السنوات وإلى اليوم، لكن الجميل أيضاً في روح الصين هذا الحيّ بفلسفته خارج سور الصين أنه – يشف ويترقرق كالماء حين يتحدث – عن الشعر والموسيقا والغناء – والقراءة.
سأل أحد التلاميذ كونفوشيوس:.. بماذا يرتقي المرء منصباً ذا شرف ووجاهة؟، فأجابه: بأن يجيد الإنصات، ثم يحتفظ في ذهنه بما لم يفهم، وأن يحاذر عند القول، فلا ينطق إلّا بما قد فهم حقاً، فذلك يعصم من الزلل.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/43zpsu24

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"