عادي

الحرف.. سكينة العين

23:06 مساء
قراءة 3 دقائق

الشارقة: عثمان حسن

يقيس الخبراء حرفة وبراعة أي خطاط بمدى إتقانه لخط الثلث على وجه التحديد، باعتباره الخط الأجمل والأصعب من بين كافة أنواع الخطوط المعروفة. ومعروف أن الثلث هو أصل الخطوط العربية؛ بل هو الميزان الذي تقاس من خلاله مهارة وحرفة فن الخط ابتداء، ومن يتقن هذا الخط فليس صعباً عليه إتقان كافة الأنواع من نسخ وديواني ورقعة وكوفي وغيرها من الخطوط. وتكمن صعوبة الثلث في قواعده وموازينه الصارمة، التي تشكل قاعدة أساسية لمن أراد أن يسلك درب هذه الحرفة التي تحتاج إلى تأنٍ وصبر وتأمل.

1
أحمد فهد

لدينا لوحة للخطاط أحمد فهد، اختار لها الآية الكريمة: «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ»، وهي من سورة التوبة، وهي بخط الثلث الجلي، ومعروف أن الثلث سمي بالثلث الجلي لدى الخطاطين الأتراك.

ولعل أول ما يمكن التوقف عنده في هذه اللوحة، هو القاعدة الضابطة لضرورات خط الثلث، وثانياً أن عين المشاهد ستقع على لوحة فنية بكل ما للكلمة من معنى. اللوحة الفنية عند أحمد فهد، تتأتى من براعة تصميمه لحروف هذه الآية في شكل بيضاوي، والشكل البيضاوي هو شكل هندسي له مساحة ذات صلة بالقطع الناقص، وهو قريب من الدائرة، وله قطران يصنعان زاوية قائمة، وله حسابات دقيقة على منحناه وأقطاره، ما يتطلب براعة خاصة عند الخطاط في تصميم الحروف، بكل ما تتطلبه من مهارة في امتدادات هذه الحروف وتقوّساتها وتشابكاتها، وأيضاً في توازنها، وما تعكسه من منظور جمالي تقع عليه عين المشاهد لجهة التناغم والتجانس. نحن إذاً أمام لوحة التزمت بمعايير وضوابط قواعد الثلث من جهة، وأمام منظور شكلي جمالي في تجربة استفادت من التطورات اللاحقة على هذا النوع من الخطوط، وهو الذي مر بمراحل عديدة من التحسين والتطوير، وهو تحسين جرى على الشكل، كما جرى على المضمون والمحتوى. فمن حيث الشكل، نلاحظ أن الخطاط أحمد فهد صنع بصمة خاصة به، لجهة اختياره للزوايا والمواقع الدقيقة التي ثبت من خلالها هذه الحروف، ومحاولته خلق رؤية تحقق التناغم العام للوحة من حيث جماليات وضع الحرف والسطر، واختياره سماكة الحروف ومواضعها في الشكل البيضاوي، وأيضاً في ما اختاره من تشكيلات حروفية صغيرة ملأت الفجوات بين الحروف، وحققت شكلاً حسناً وبديعاً ينعكس على عين المشاهد بسعة من البهجة والفرح وراحة النفس.

منظور

من حيث المضمون، أحسن فهد اختيار الشكل في بعده الفلسفي والروحي، وهو اختيار يراعي وحدة الحروف في الدائرة في صلتها بالوجود، وفي تلك التعبيرات الرمزية للدائرة في الفهم الإسلامي، وما يمكن أن تكثّفه طاقة الحرف والدائرة معاً من رؤى لها علاقة بالمصير والحياة والقضاء والقدر، وهي مفاهيم إسلامية تبصر تجليات الخلق والطبيعة ووحدة الوجود، وذلك ما استطاع أحمد فهد أن يصنعه بشكل فني بصري متناغم مع جملة الأفكار الإيمانية والدينية المتوخاة.

نلمس في لوحة الخطاط فهد منظوراً جمالياً وحسياً يجمع بين البساطة والعمق، وهو منظور يعكس كثافة الداخل والخارج، وينطلق من طاقة الحرف وصوته، وبعده الشكلي في تناغم الحروف والكلمات وفي تلك الإيحائية الوجودية والفكرية ومن خلال خط الثلث وما يحققه من تطابق الشكل مع المحتوى البديع والرباني الذي تحققه معاني ودلالات الآية القرآنية. لقد بذل الخطاط أحمد فهد جهداً ملحوظاً في تصميم ميل واستدارات الحرف في خط الثلث، كما اعتنى بترويسات القلم الخاص بحرفي اللام والألف في هذه الآية الكريمة، واستخدم خطاً دقيقاً في تشكيلاته البصرية والجمالية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y22y2k8w

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"