المناخ والزيادة السكانية

00:56 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

يبدو أن سياسة الكيل بمكيالين لا تلازم العقلية الغربية في القضايا السياسية والمصيرية للشعوب المُضطهدة فحسب؛ وإنما في كل ما من شأنه أن تلقي فيه باللوم على دول العالم الثالث. فبينما تتسبب الدول الغربية في جزء كبير من ارتفاع حرارة الأرض، وتسهم في إحداث تأثير كبير في التغير المناخي؛ بسبب الطاقة التي تستهلكها عشرات الآلاف من المصانع وغيرها، يطل مبعوث الولايات المتحدة الخاص للمناخ جون كيري ليعبّر عن دهشته، بسبب التقارير التي توقعت بلوغ عدد البشر 10 مليارات عام 2050، جاعلاً من إفريقيا مضرب مثل، عبر اتهامه إياها بأنها من ضمن الأسباب المهمة في رفع حرارة الأرض، متجاهلاً بذلك الأسباب الحقيقية والمهمة للاحترار المناخي.

 الغريب أن كيري جعل القارة الإفريقية  التي عانت الويلات من جرّاء السياسات الاستعمارية التي نهبت ثرواتها سابقاً، وتعاني حالياً من جرّاء إطلاق غازات الاحتباس الحراري في الدول الغربية  سبباً في ما يعانيه العالم من أزمات مناخية، بسبب النمو السكاني الذي تشهده القارة. وفي معرض توصيفه أسباب الاحترار المناخي قال كيري: «لقد زرت بلداناً إفريقية عدة؛ حيث يفخرون جداً بارتفاع معدلات المواليد لديهم، لكن الحقيقة أن هذا ليس مستداماً اليوم، ناهيك عنه في المستقبل، لا أدعو إلى تقليل عدد السكان، أعتقد أن علينا احترام الحياة، لكن يمكننا القيام بذلك بشكل أفضل من نواحٍ كثيرة».

 الاحترام الذي طالب به كيري نجده موجهاً باستحياء إلى الدول الغربية المسبب الرئيسي للأزمات المناخية، في حين يغمض عينيه عن التقارير التي توردها الدول ذاتها، والتي تتحدث عن تسببها في أزمات مناخية، وربما لن يكون آخرها التقرير الصادر عن وكالة البيئة النرويجية الذي قال: «يمكن خفض انبعاثات هذا البلد بمقدار 4.5 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، خلال الفترة بين 2024-2030، إذا احترم السكان البالغ عددهم 5.5 مليون التوصيات الغذائية».

 كما تعد أمريكا من الدول الصناعية الأكثر تلويثاً في العالم، وتتحمل جزءاً كبيراً من الاحترار المناخي إلى جانب العديد من الدول الأوروبية والصين، فالمفترض أن المهمة الأولى لهذه الدول، هي المحافظة على الأرض وديمومتها، كي يحيا بها البشر، وليس التماهي في التدمير الممنهج، ثم اتهام الزيادة السكانية في ذلك.

 المشكلة ليست بأعداد الشعوب، فالأرض واسعة، وبها من الثروات ما يكفي، لكن العلة تكمن في بعض العقليات الاحتكارية الاستغلالية الغربية التي لا تتوانى عن اتهام الدول التي تقع في نصف الكرة المقابل بأنها السبب في ما يعانيه العالم، بسبب الزيادة السكانية، وتتخذها شماعة لكل الأزمات العالمية، وتغفل في الوقت عينه عمّا تسببه العوامل الأخرى. فهذه العقلية لا تنتهج سوى الشيزوفرينية تجاه القضايا العالمية. ما ينبغي أن تدركه الدول الكبرى أن العالم في مركب واحد، وأن أي خلل تحدثه دولة ما، تنعكس آثاره على العالم بأسره، فإن أراد الغرب للعالم العيش الهانئ، فإن ذلك يكون بالتعاون على إيجاد الحلول لا بالاختباء واتهام الآخرين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3f7t3chk

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"