عادي
قرأت لك

«من دبا إلى كلبا»... ماضي الوطن ينبض بالجمال

15:36 مساء
قراءة 4 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود
تتميز دولة الإمارات بالتنوع الثقافي نتيجة لاختلاف البيئة ما بين الجبل والساحل والصحراء، وهو الأمر الذي يغري الباحثين في مجالات التراث المادي على تدوين وقائع وأنماط الحياة التي سادت في أزمنة مضت قبيل التطور الكبير الذي تعيشه الدولة في الوقت الراهن، وغالباً ما يتلفت قلب الإنسان نحو الماضي شوقاً وحنيناً، ليجد في مثل هذه المؤلفات سلوى ومتعة ومواقف تنعش الذكريات وتفيد الأجيال الجديدة بالعديد من المعارف.
كتاب «نمط الحياة في الساحل الشرقي للإمارات ما قبل النفط... من دبا إلى كلبا»، للكاتب سعيد عبد الله المطوع الشحي، الصادر في طبعته الأولى عام 2018، عن معهد الشارقة للتراث، يقدم لوحات نابضة بالحياة وشاهدة على مرحلة مضت من تاريخ الدولة عبر رصده للواقع الاجتماعي والثقافي واهتمامه بالتفاصيل الصغيرة، ومفردات التراث المادي.
يتحدث الكتاب بصورة أكثر خصوصية، عن أنماط العيش في الساحل الشرقي للإمارات، من خلال رصد وتتبع نماذج من صور الواقع القديم في المنطقة، والتي عكست الأجواء التي سادت فيها خلال مرحلة ما قبل النفط، وهي فترة ذات خصوصية في التاريخ الإماراتي، إذ تمثل مرحلة مختلفة عن السائدة في الوقت الراهن، بالتالي يلزم الرجوع إليها في كل مرة من أجل تناولها وتوثيق يومياتها ووقائعها المختلفة.
يأخذنا المؤلف في رحلة مترعة بالجمال تبدأ محطتها الأولى بدبا وتنتهي في كلباء، حيث التاريخ العريق، ويعمل المؤلف على استحضار جوانب مختلفة من أنماط طرق العيش، توثيقاً للتراث الإماراتي الأصيل، وتعليماً للجيل الجديد ما كان عليه الآباء والأجداد من تمسك بالموروث، وتعلق بالعادات والتقاليد الحميدة، وهو بطبيعة الحال أمر يصب في اتجاه الحفاظ على الهوية الإماراتية وسماتها، خاصة أنها تتكئ على منظومة من القيم العربية الراسخة والسامية، تتمظهر في ممارسات وعادات مثل الكرم والأخلاق الرفيعة وإباء الضيم، وهي السمات التي تشكل الشخصية الإماراتية وتتناقلها الأجيال.
*تحولات
يؤكد الكتاب على أن الدولة قد شهدت تحولات كبيرة، ومتغيرات واسعة على كافة الصعد منذ اكتشاف النفط، الذي كان له تأثير كبير في بناء الإمارات الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، تحولات أسهمت في تحسين مستوى المعيشة لدى السكان، بل وأدت إلى رفاه المجتمع، حتى نسي الكثير من أفراده، وبخاصة الجيل الجديد الذي لم يشهد نمط الحياة القديمة، وظروف العيش، ما كانت عليه الحال في السابق، وأصبح منغمساً في واقع متغير، بالتالي فإن الكتاب يعمل على جعل الذاكرة حية ومتقدة بكل المشاهد القديمة حتى لا تتوارى أو تغيب عن أذهان الإماراتيين، بل تظل حاضرة لأن في حضورها بقاء للقيم القديمة المتوارثة.
ويلفت الكتاب إلى أن هذا الجانب من الحياة القديمة للإمارات من الأهمية بمكان، كونه يختزن صفحات من تراث المجتمع، ويوثق تاريخه عبر سنوات طوال، شهدت فيها الحياة تغيرات كثيرة، طالت مختلف البنى الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وطبعتها بطابع جديد، كما أن المؤلف يقدم صوراً حول الكيفية التي عاش عليها الآباء والأجداد في تلك الفترة، والتي اتسمت بشظف العيش وبساطة الحياة، وهي مرحلة تعكس أصالة معدن الإنسان الإماراتي وقوة شكيمته وتحديه للصعاب. إن هذه الفترة هي المرآة العاكسة لقيم المجتمع الأصيلة، ومثله النبيلة، التي توارثها الناس، إذ كانت تتميز بالبساطة في الوسائل والأدوات التي صنعها الإنسان الإماراتي من بيئته وطبيعته، لتعينه في مواجهة متطلبات الحياة على اختلاف مستوياتها، ويركز المؤلف على أشياء بسيطة في طريقة العيش القديمة، منها مكونات البيت الإماراتي التقليدي وعناصره، مثل: المجلس، والمطبخ، والمخزن،، وحياة الأسرة الاجتماعية، وما كانت تمارسه في حياتها اليومية، حيث يجد القارئ نفسه في رحلة ممتعة في دهاليز الماضي.
الكتاب يقع في 110 صفحات من القطع المتوسط، ويحتوي إلى جانب المقدمة على عدد من العناوين والمواضيع ذات الصلة بالمفردات التراثية مثل: «الحوي أو حوش البيت»، و«الأثاث»، و«الكرين»، و«الخيمة»، و«المنازل الجبلية»، و«أدوات الطبخ»، و«الحياة الأسرية ودور المراة»، و«شخالة العيش»، و«فطور رمضان»، و«صناعة الكحال»، و«البراقع»، و«دور العبادة في حياتهم»، و«تعلم القرآن عند المطوع»، و«الأعراس»، و«الفزعة»، و«الطب الشعبي وأصحاب المهن»، و«سقي النخل»، و«زراعة الغليون»، و«ضراب المطارح»، و«أنواع الصيد البحري»، وغيرها من المواضيع التي تجعل القارئ في عمق تلك الأيام، بسرد بسيط ومشوق، ومعارف مختلفة ومتنوعة تحيط بكل جوانب الحياة في تلك الأيام، كما يضم الكتاب ملحقاً من الصور التي تعكس نواح مختلفة من الحياة الاجتماعية في الماضي، كما يستقي الكتاب معلوماته ومصادره مما استقر في ذاكرة الرواة، وخلاصة تجارب الرعيل الأول من أبناء الإمارات، حيث إن معظم المعلومات الواردة في المؤلف غير منشورة، وهنا تكمن أهميته الكبيرة.
*دور المرأة
ويتناول الكتاب، ضمن مواضيعه المتعددة، الدور الذي تقوم به المرأة في المجتمع القديم، حيث كانت توكل إليها مهمات متعددة وكبيرة، وكانت تقبل على الأعمال المنزلية المتعددة والكثيرة دون كلل أو ملل، كما تعمل على تعليم الأبناء ورعاية الأسرة، إضافة إلى اهتمامها بالحيوانات والماشية والاحتطاب، ويعرج الكتاب على موضوع «صناعة الكحال»، وهو متعلق بزينة النساء، فأساليب المكياج الحديثة لم تكن معروفة في ذلك الوقت، فكانت تتزين بالكحال أو الكحل الأسود وهو مادة من البيئة الطبيعية، وكذلك يتحدث الكتاب عن العطور النسائية التي كانت معروفة في ذلك الوقت، حيث كانت النساء يقمن بصناعة البخور والدخون والخلطات وأنواع الدهون المختلفة والأزياء.
وفي منعطف شديد الحميمية، يتناول الكتاب مقدم الصيف في ذلك الوقت، والذي كان يصيب الناس بالغبطة والفرحة، رغم القيظ، حيث يعد فرصة للتلاقي بعد غياب أثناء فترة الشتاء، ففي موسم الصيف الذي يجمع الناس لمدة تقارب الثلاثة أشهر، يستغلون أوقاتهم بالاستمتاع بالنخيل وحصاد التمر، والحصول على الفواكه الصيفية، ويتناول المؤلف أنواع التمور وكيفية حصادها، ومراحل طلع النخيل، ويشير إلى أن ذلك الماضي الجميل بأنماطه الحياتية المختلفة، يبقى هو الأساس الحقيقي لتراث أصيل، ينهل منه الناس، ويستقون العبر، ويستلهمون الأفكار في واقع متغير.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2tt5dpcb

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"