إيمان الهاشمي
تنحّت هامات «لحني» احتراماً لكل من احتضن آلته وعَزف، وانحنت أمام كل من جاور الموسيقى ثم عنها ما عزف، وكأنه فهم طعم الحياة بلا حياة، وقارنه بمذاق الموت بلا موت، فأدرك كيف نعيش بلا حب أمواتاً وكيف نموت بكل حب أحياء. حسناً.. لا بأس ببعض الجنون المُكتَسب، في عالم بات العقل فيه عضواً منتَسباً فمثلاً ظاهرة «التصحر» الحقيقية ليست أكثر من عملية زحف المشاعر نحو الغياب، لتجف العروق وتتشقق الروح وربما تموت شوقاً دون خروجها من الجسد، وأما تعريف البكاء الفعلي فهو مجرد خروج حمم الحزن عبر فوهة العين بعد انفجار بركان التحمّل بسبب تزحزح قشرة الصبر الصلبة واصطدامها بالواقع المر بشدة، لنتأكد أن قمة الألم تكون حين نذرف الدمع من كل شيء فينا إلا أعيننا، ليبقى الفشل الأعظم مقترناً دائماً بالنجاح الأكبر في معصية الله.
جاء إلى الدنيا طفلاً معدماً فقيراً، لكنه أثمر فيها خيراً وفيراً، وإنجازاً كبيراً، وجُهداً جديراً، فقد عاشَ قليلاً وأبدعَ كثيراً، وما زالت قصة وفاته أمراً محيراً، حيث رحلَ عنّا ولم نجد لموته تفسيراً، ولا سبباً واضحاً ولا حُجة قوية ولا تبريراً، ليحيا سرّه معه في القبر أسيراً، إلى أن قضت الحلول نحبها تفكيراً، فقد تشابهت حياته مع الأسطورة (موزارت) تشابهاً خطِراً، حياة ومصيراً، وعمراً قصيراً، فكلاهما توفيا فجأة في بدايات عقدهما الثالث، كما لم تُكتشف أبداً أسباب الوفاة أو ملابسات الحادث.
في ذلك الزمن وكسائر البشر، تزوج مبكراً في عمر السادسة عشر، وبما أن ظروفه المادية لم تأتِ كما يشاء، لم يُؤَمِّن لعائلته أهم الأشياء، ولذلك اضطر مُرغماً وساكتاً، إلى ترك الفن مؤقتاً، وبالتالي اشتغلَ عامل بناء، لكنه رفض الانحناء أو الانثناء، حيث أخذ يرفع صوته بالغناء، على الرغم من هول التعب والعناء، فأدهشَ زملاءه ورؤساءه على حد السواء، وهكذا جدد (السيد درويش البحر) أو (سيد درويش) المشهور بلقب «خادم الموسيقى» و«فنان الشعب»، دماء الألحان في عروق الأوطان وجميع بلاد العرب، كما بعث النهضة الموسيقية العربية، وأكَّد على الهوية الفنية والأدبية، وبالرغم من كل هذه الآلام وكل ما لا يُطاق، لاتزال أعماله إلى يومنا في أوج الانطلاق، ليبقى أهم ما فيها على الإطلاق، «النشيد الوطني المصري» بلادي بلادي بلادي... لكِ حبي وفؤادي.
الاسم: سيد درويش Sayed Darwish
التاريخ:
1892 – 1923 65 سنة
الجنسية:مصري
النشاط:موسيقي
من أعماله:زوروني كل سنة مرة
