القاهرة – بسيوني الحلواني:
أيام قلائل وتهل علينا ذكرى ميلاد خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، الرسول الكريم الذي بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، كان مولده رحمة للبشرية كلها، وصدق الحق حيث يقول في وصف رسوله الخاتم: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين».
ونحن نستقبل هذه الذكرى الطيبة، واجبنا أن نتعرف إلى كيفية الاحتفال، خصوصاً وأن بعض البسطاء ينظمون مهرجانات شعبية تحتوي على ممارسات خاطئة، وبعض المتحدثين باسم الدين يستنكرون الاحتفال بذكرى مولد خير الأنام.
يقول د. شوقي علام، مفتي مصر عما يردده البعض من أن الاحتفال بمولد الرسول (بدعة): لا ينبغي أن نلتفت لما يردده هؤلاء الذين حولوا حياة المسلمين إلى بدع وخرافات، فلا يوجد في الشرع أو تعاليم الإسلام وتوجيهاته ما يمنع المسلمين من الاحتفال بذكرى مولد رسولهم العظيم، ولا يوجد أي حرج في الاحتفال بذكرى مولد خير الأنام بالطريقة التي تذكر المسلمين وغير المسلمين بفضله، وما قدمه للإنسانية من عطاء إنساني وحضاري، لم يقدمه أي شخص آخر في تاريخها الطويل.
ويضيف: بعيداً عن فتاوى البعض ببدعية الاحتفال بهذه الذكرى العطرة، فقد أكد علماء ثقاة ضرورة اتخاذ ذكرى مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم فرصة لنشر هداية الرسول الأعظم، وتعريف غير المسلمين بجوانب من عطائه الإنساني والحضاري، ودعوتهم إلى الاهتداء بهديه صلى الله عليه وسلم، والسير على نهجه، والعمل بسنته من دون ارتكاب تجاوزات ومخالفات شرعية، فالاحتفاء بميلاد خير البرية من فضائل الأعمال، وينبغي أن يكون الاحتفاء في صورته الشرعية بعيداً عن السلوكيات الخاطئة التي يرتكبها البعض بحسن نية للتعبير عن حبه لرسولنا الكريم.
استعادة الروح المحبة
يوضح مفتي مصر أن هذه الذكرى العطرة تمدنا بمزيد من الأمل والبِشْر، لتشد على أيدينا وسواعدنا في العالم الإسلامي، كي تتوحد كلمتنا، وتنطلق مساعينا نحو إعادة بناء ما تهدم، واستعادة الروح المحبة للحياة والمقبلة عليها.
ويذكِّر د. أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، جموع المسلمين بأن شعارهم وهم يحتفلون بذكرى مولد رسولهم الكريم صلى الله عليه وسلم قول الحق سبحانه: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا» وهذا النص القرآني يؤكد أننا يجب أن نكون على درب الرسول في أخلاقه وسلوكياته.
ويضيف: مولد رسول الإنسانية صلى الله عليه وسلم حدث مهم في التاريخ البشري، فهو أعظم العظماء في التاريخ البشري كله، وذلك بشهادة غير المسلمين، والقرآن الكريم، وهو دستور المسلمين الخالد، يعتبر وجود النبي صلى الله عليه وسلم «رحمة للعالمين»، فقد كان معلماً للبشرية كلها، وليس الأمة الإسلامية فقط، وتربيته تشمل كل صنوف تربية البشر، وتزكيتهم وتعليمهم وهدايتهم نحو الصراط المستقيم، وتقدمهم على صعيد حياتهم المادية والمعنوية، كما أنها لا تقتصر على أهل ذلك الزمان، والبيئة التي عاش فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، بل تمتد على امتداد التاريخ بأسره.
ويرفض د. هاشم القول ببدعية الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم، ويقول: لقد قال العلماء، سلفا وخلفاً، بمشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، بل ألف بعضهم في استحباب ذلك، وبينوا بالأدلة الصحيحة استحباب هذا العمل، بحيث لا يبقى لمن له عقل وفهم وفكر سليم إنكار ما سلكه سلفنا الصالح من الاحتفال بهذه الذكرى المباركة.
استلهام الدروس
ينصح د. هاشم المسلمين في كل بقاع الأرض بإحياء ذكرى مولد الرسول صلوات الله عليه وسلامه بشتى أنواع القربات من «إطعام الطعام، وتلاوة القرآن، والأذكار وإنشاد الأشعار، والمدائح في رسول الله صلى الله عليه وسلم»، ويقول: كما يجب انتهاز هذه الذكرى العطرة لاستلهام الدروس والعبر من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتحلي بأخلاقه الفاضلة، والسير على نهجه، فذكرى ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من المناسبات الطيبة لتذكير المسلمين جميعاً، وخاصة الأجيال الجديدة بالآداب والأخلاقيات التي علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
دروس نبوية
يؤكد د. هاني تمام، الأستاذ بجامعة الأزهر ضرورة أن ينتهز كل مسلم هذه الذكرى العطرة، ويستلهم الدروس والعبر من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتحلي بأخلاقه الفاضلة، والسير على نهجه.. ويقول: علينا أن نتأمل أخلاق الرسول في كل أحواله، مع أهل بيته، ومع الناس جميعاً، وعندما نتأمل تلك الأخلاق الرفيعة نجد أنفسنا أمام رصيد هائل من الأخلاق الفاضلة التي يحتاجها المسلمون في كل عصر، وخاصة في هذا العصر الذي شاع فيه الإسفاف والتردي الأخلاقي بين كثير من الناس.
ويضيف: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قمة في الأخلاق والانضباط السلوكي، ولذلك وصفه ربه بقوله: «وإنك لعلى خلق عظيم».. ورغم تعدد عطاياه للبشرية كلها وليس للمسلمين وحدهم يكفيه هذا الوصف من رب العباد جميعاً، فهو القدوة والنموذج الأعلى في الأخلاق الفاضلة، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، فتأملوا أخلاق الرسول وسيروا على نهجه.
ويؤكد أهمية إبراز السمات الشخصية للرسول لكي ننقل للأجيال الجديدة السمات التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم، ويقول: لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصاً على نشر قيم الرحمة والتسامح والعفو بين الناس جميعاً من خلال توجيهات نبوية متعددة ومتنوعة.. لكنه مع ذلك بنى شخصية المسلم على القوة والشجاعة، والانحياز للحق والعدل، وأكد في أحاديث نبوية عديدة أن المسلم الحق ليس إنساناً ضعيفاً، ولا هزيلاً، ولا مستسلماً لما يجلب له الإهانة والخزي بين الناس، وليس من شيمة المسلم الواثق في عدالة خالقه أن يكون راضياً قانعاً بكل ما يتعرض له من ظلم وقهر.