القاهرة: بسيوني الحلواني
بعض الجرائم الأسرية فرضت نفسها على واقعنا في العالم العربي خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً المرتبطة بالعنف الجسدي بين الزوجين، ورغم أنها لا تمثل نسبة مزعجة، فإنها تحتاج إلى دراسة للتعرف إلى دوافعها، واستخلاص العبر والعظات لمحاصرتها، خصوصاً وأنها تصل بهما إلى الطلاق، على الرغم من أن بعضها قد تكون أسبابه لا تستحق هذه النتيجة.
يؤكد الإمام الأكبر د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر، رئيس مجلس حكماء المسلمين، أن العلاقة بين الزوجين تقوم على المودة والرحمة، فالله سبحانه وتعالى يقول: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»، فمهما وقع من خلاف لا ينبغي أن يتطور إلى شجار بالأيدي ويعتدي كل منهما على الآخر.
ويوضح أن قانون المساواة بين الرجل والمرأة يستلزم المساواة بينهما في أحكام «النشوز»، فكما ندين سلوك التي تعتدي على زوجها جسدياً أو نفسياً، يجب أن ندين سلوك الذي يعتدي على زوجته، وهذا لا يلتفت إليه الكثيرون حتى من أهل العلم، فتجدهم يدينون سلوك التي تمارس عنفاً ضد زوجها، ولا يدينون سلوكه، مشيراً إلى أن المساواة لا تقتصر على اشتراكهما في وصف السلوك العنيف وإدانته، بل يتعداه إلى اشتراكهما في العقوبة، فكما تُعاقَب التي تمارس عنفاً ضد زوجها، يجب أن يُعاقَب هو أيضاً.
ويقول الإمام الطيب: الرجل إذا ضرب زوجته ضرباً مؤلماً، فإن من حقها حتى ولو كانت ناشزاً، أن تطلب التطليق، وعلى القاضي أن يمكنها من ذلك، ولها كل حقوق المطلقة بسبب الضرر، وإذا ترتب على الضرب أي خدش أو جرح أو كسر، فلها حق طلب التطليق وحق القصاص، حيث إن الشريعة لا تجيز ضربها ضرباً يؤلمها أو يؤثر في جسمها أو يخيفها، حتى لو كان على يقين من أن هذا النوع من الضرر سوف يصلح من حالها، موضحاً أن ذلك يأتي إعمالاً لقاعدة الإسلام في تحريم إلحاق الضرر، بقول النبي صلَّى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار».
ويعبر د. نصر فريد واصل، عضو هيئة كبار العلماء، ومفتى مصر الأسبق، عن أسفه وحزنه لتدهور العلاقة بين بعض الأزواج والزوجات إلى درجة تبادل العنف، ويقول: «في ظل غياب القيم والأخلاق الإسلامية والآداب المستقرة للعلاقة بينهما، من السهل أن يتحول الخلاف إلى شجار، وأن يتطور ذلك إلى عنف أكبر مثل ارتكاب جريمة القتل، سواء كانت الضحية هي أو هو، والمؤسف أن ترتكب هذه الجرائم بسبب خلافات هشة، لم تجد الحكمة والبصيرة، ولم تجد تدخلاً من أهل الخير من الأسرتين، فتكون المصيبة الكبرى بقتل أحدهما للآخر، وبذلك يضيع الطرفان بين قتيل وسجين، وقد يلقى السجين مصيره المحتوم على يد القضاء قصاصاً، وهذا حكم الله الذي لا ينبغي أن نتهاون في تطبيقه لكى يسود العدل بين الناس».
ويشدد د. واصل على أن مثل هذه الجرائم لا يمكن أن تحدث في بيت يلتزم بالآداب والقيم والأخلاق الإسلامية، ففي ظل ذلك ينال كل منهما حقوقه كاملة في مقابل أداء واجباته، وفي بيت يلتزم بالآداب الإسلامية من الطبيعي أن يسود الاحترام المتبادل، وتختفي كل صور الإهانات، وفي تعاليم الإسلام وآدابه وتشريعاته حل لكل مشكلة تطرأ على العلاقة الزوجية، ولا يمكن في ظل هذا الالتزام الديني والأخلاقي أن تتطور المشكلة لتتحول إلى تجاوز لفظي أو سلوكي بين الطرفين، وهنا يكمن لب المشكلة وهي غياب تعاليم الإسلام عنهما.
ويوضح د. واصل جملة الحقوق المتبادلة، قائلاً: «لكل من الزوجين حقوق وضحتها الشريعة الإسلامية، فالزوجة من حقها الإعفاف شرعاً، ولا يجوز لزوج أن يقصر في هذا الجانب، طالما أنه لا يعاني مشكلة، ولو كان يعاني فعليه أن يلتمس العلاج عند الأطباء المتخصصين، وواجبها أن تصبر عليه، وتعينه على العلاج، كما أن من واجبه الإنفاق عليها بالمستوى الذي يتناسب مع حالته المادية، ولا يبخل عليها، وواجبه أيضاً أن يحترم حقها في الاحتفاظ بمالها لنفسها، ولا يأخذ منه شيئاً إلا عن طيب نفس، وفوق كل ذلك أن يحترم مشاعرها، ولا يسبب لها إهانة، ومن واجبها ألا تخرج من بيتها إلا بإذنه».
ويتابع: «في مقابل ذلك يجب على الزوجة أن تلتزم بطاعة زوجها طالما كانت في غير معصية الله ورسوله، وواجبها أيضاً أن تبذل كل الجهد لإعفاف زوجها، وأن تتجمل له لترضي نفسه وتكفه عن الحرام، وواجبها أن تقوم بواجباتها تجاه بيتها وأولادها على الوجه الأكمل، وفوق كل هذا تحترم مشاعر زوجها، وقوامته على الأسرة، ولا تنازعه في حقوقه الشرعية، ولا تسبب له حرجاً أو إهانة من أي نوع، وفي ظل الوفاء بهذه الحقوق المتبادلة لن تتطور مشكلة لتتحول من الود والتعاون إلى الكراهية والعنف».
ويقول د. واصل: «العنف مرفوض من الطرفين، حتى في حق ضرب الرجل لزوجته الناشز، فلا يحق له أن يضربها بعنف، ولا أن يتعامل معها بقسوة، ولذلك قال الفقهاء أن يضربها ب«السواك»، وهو عود صغير لا يؤلم ولا يجرح، ولا يسبب ضرراً بدنياً على الإطلاق، فالضرب هنا «رمزي» هدفه إشعارها بغضبه منها».
ويضيف: «تجاوز الزوج ضد زوجته بالضرب المؤذي يعطيها حق الدفاع عن نفسها ولو بضرب مثله، والقاعدة هنا قول الحق سبحانه: «فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ»، ووفق هذه القاعدة القرآنية فإن من حقها أن تدافع عن نفسها وترد عدوانه طالما استخدم القسوة واستهدف الإيذاء، فإذا اعتدى عليها ظلماً وعدواناً ردت على اعتدائه باعتداء مماثل، لكنها إذا عفت وسامحت وعاتبت كان أفضل، لأن هذا من السلوك الراقي الذي يحافظ على الحد الأدنى من علاقة المودة والرحمة بينهما».