الشارقة: علاء الدين محمود
«السرد الإماراتي... آفاق ورؤى»، للدكتورة زينب عيسى الياسي، صدر في طبعته الأولى عام 2019، عن منشورات دائرة الثقافة في الشارقة، يعد من المؤلفات المهمة التي سعت إلى تغطية الإصدار الإبداعي السردي وتناوله نقدياً، والبحث عن أفق له، خاصة بعد الانتشار الكبير لعدد المؤلفين من الجنسين، والكتاب يسد فراغاً في الساحة الإبداعية الإماراتية التي تزخر بمؤلفات سردية في مجالات القصة القصيرة والرواية، خاصة أنه يأتي من ناقدة إماراتية لها تجربة مهمة في مواكبة النصوص الإبداعية ومعاينة هذه الإبداعات المتنوعة والمختلفة.
جاء الكتاب في 133 صفحة من الحجم المتوسط، ويشتمل على عدة عناوين؛ وهي: «الرواية الإماراتية المعاصرة إلى أين»، ويتناول تصنيف المنتج، والمضمون، والتشكيل الفني، و«جماليات المكان في القصة القصيرة»، وينفتح على النظرية الجمالية والنقد الجمالي، وتشكيل الفضاء المكاني للقصة الإماراتية، وتعالقات المكان بالعناصر القصصية، و«البنية الموضوعية والفنية في القصة القصيرة جداً»، ويتناول التشكيل الموضوعي والفني لهذا النوع القصصي، وأيضاً «السرد الإماراتي بين التجريب والمراكمة».
التجريب
يتحدث الكتاب عن السرد والتجريب، والتجريب الأنثوي، والسرد والمراكمة، والمراكمة بين الفردي والجمعي، و«الأدب الإماراتي آفاق ورؤى»، ويبحث في موضوعات مثل: الخطة الإشكالية، والأدب الإماراتي من خلال الشعر الفصيح، والأدب الإماراتي من خلال الرواية، وأفق الأدب الإماراتي من خلال القصة القصيرة، وخلال هذا المبحث المهم فإن زينب الياسي في هذا الكتاب تتناول الإبداع السردي الإماراتي عبر الرواية والقصة القصيرة باستشهادات عدة من مؤلفات إماراتية في هذين المجالين، كما يضم الكتاب قائمة بالمراجع والمصادر.
يشكل الكتاب إضافة نوعية للمشهد النقدي في الإمارات العربية المتحدة، الذي يضم أسماء بارزة في هذا المشهد وبشكل خاص من الكاتبات الناقدات مثل: د. مريم الهاشمي، ونجيبة الرفاعي، وأمينة ذيبان، وفاطمة المزروعي، وفاطمة المعمري، وأخريات، الأمر الذي يثري الإبداع ويمنحه رافعة جديدة من النقد العلمي والرصين والجاد، وبالتالي فهو كتاب يثير الأسئلة حول سؤال السرد بشقيه الرواية والقصة في الدولة، خاصة مع تنامي وازدياد أعداد الكاتبات والكتّاب المهمومين بهذا النوع من الكتابة.
نقد علمي
تشير الكاتبة في مؤلفها إلى أن هذا الإصدار يشتمل على عدة أبحاث معنية بالنتاج الأدبي الحكائي الإماراتي بشكل خاص؛ وذلك لما لمسته المؤلفة من شح في الساحة النقدية والثقافية في مقاربة الإبداع الإماراتي من خلال دراسة علمية رصينة بعيدة عن المطالعات والانطباعات العابرة التي قد لا تعطي تصوراً حقيقياً عن الحالة الأدبية بسماتها المختلفة في الأدب الإماراتي، بهذا المعنى، يأتي هذا الكتاب ضمن سعي المؤلفة إلى بناء تراكمي في النقد العلمي الموجه ناحية النتاج السردي الإماراتي الجدير بالعناية والالتفات، لما يشتمل عليه من خصوصية من جوانب عدة، وكذلك فإن الكتاب يسعى إلى أن يشكل خطوة مساندة للباحث المعني بالأدب الإماراتي بشكل خاص، والعربي بصورة عامة.
ديوان العرب
يغوص الكتاب عميقاً في الرواية الإماراتية، ويلفت إلى أن استقرار وتأسيس قواعد الوطن المستقل في الإمارات العربية المتحدة قد أسهم في ظهور فن الرواية الإماراتية التي تجاوزت مرحلة النشأة والبداية التاريخية من خلال تراكم أدبي تجاوز الخمسين عاماً، وهي فترة كفيلة لرسوخ الفن الأدبي في الدولة، خاصة بعد رسوخ «ديوان العرب» في الوجدان الجمعي للأمة العربية لقرون طويلة بوصف الشعر حامل مآثر العرب وتاريخهم وثقافاتهم وسجالاتهم.
يتوقف الكتاب عند الجانب الكمي في عدد الروايات الإماراتية طوال السنوات الماضية، وقد عزت المؤلفة هذا التسارع الكمي إلى تنامي دور النشر والمؤسسات المهتمة بالمبدع الإماراتي، فقد وصل عدد الروايات -على سبيل المثال- إلى أكثر من مئة رواية، الأمر الذي يشير إلى أن الساحة الأدبية غنية وثرية في هذا الجنس الأدبي، غير أن الكتاب يشير إلى ضرورة الوقوف عند هذا المنتج وتفحصه بعين الناقد، وهذا من شأنه أن يوجه المشتغلين بالنقد الروائي إلى غربلة هذا المنتج، وهناك من لا يتجاوز عدد رواياتهم الرواية اليتمية الواحدة، وهناك بعض الروائيين الذين يشكل تراكم إبداعاتهم في هذا الجنس الأدبي، ظاهرة صحية جيدة، ويحذر الكتاب من إطلاق الأحكام بالجودة الخالصة أو الضعف الخالص من خلال النتاج الأول، فهو حكم فيه استعجال؛ لذلك يعمل الكتاب على تصنيف الرواية الإماراتية عبر مسارين، فهنالك روايات أولى لكاتبيها، وأخرى تجاوزت التجريب والذاتية للروائي، ويستعرض الكتاب عدة أعمال روائية في هذا الصدد مثل: رواية «كارما»، لنادية بوهناد، و«الياه»، لهدى سرور، و«رائحة الزنجبيل»، لصالحة غابش، و«مزون»، لمحمد عبيد غباش، و«طروس لمولاي السلطان»، لسارة الجروان، إلى جانب عدد من الأعمال الأخرى، ويسعى الكتاب إلى تعميق هذه الفكرة عبر تناول خصائص أخرى وتجارب مختلفة لكتّاب إماراتيين في مجال الرواية.
ويعرج الكتاب نحو القصة القصيرة الإماراتية من حيث «جماليات المكان»؛ حيث اكتسب هذا «المكان» في السرد القصصي القصير في الإمارات وعياً جديداً، كما أن تراكم التجارب والحفر في القضايا والبحث عن المختلف والمتنوع، فجر كوامن الأمكنة وأجلى الغشاوة عن فضاءات رحبة عاشها ويعيشها الإنسان الإماراتي المعاصر، أمكنة فيها من الدلالات والبعد الإنساني والوجداني الكثير، وكذلك فيها من البعد العقدي والديني، والبعد الثقافي والتراثي ما جعلها صورة تلتقي حولها الأضواء، فتختفي العتمة من الأمكنة بكافة مستوياتها، لكن هذا لا يعني أن جميع الكتّاب قد ساروا في هذا الاتجاه؛ بل هناك من تغير لديهم الإحساس الطبيعي بالحياة، ما جعلهم يغيرون أسلوب تعاملهم مع الواقع، ويسعى الكتاب إلى التعمق في هذا الأمر عبر عدد من الأطروحات والأمثلة.
خصوصية
ويلفت الكتاب إلى أن الإبداع الأدبي في الدولة، قد شهد تطورات عديدة بعد اتحاد الإمارات السبع في عام 1971، وظهور معالم الدولة المتماسكة؛ وذلك الأمر لا يعني أن الأدب في هذه الرقعة الجغرافية لم يكن موجوداً، لكن الاستقرار في ظل الدولة، أسهم في تشكيل ملامح إبداع وأدب يحمل خصوصية اجتماعية وثقافية، وكذلك خصوصية مكانية وزمانية تحمل سمات هذه الأرض، وترسم أبعاد هذه الجغرافيا التي عاش إنسانها قرب شواطئها وصحاريها وجبالها، كما تشكل أدب يحمل خصوصية اجتماعية وفكرية لإنسان الإمارات.
منشورات دائرة الثقافة في الشارقة