عادي

هل بدأت نهاية أزمة كاراباخ؟

22:56 مساء
قراءة 4 دقائق
تظاهرات أرمنية في يريفان

كتب: أحمد البشير

بعد أكثر من ثلاثين عاماً من الصراع، توشك أن تنتهي المعركة بين أرمينيا وأذربيجان بشأن إقليم «ناغورنو كاراباخ»، وتحت ستار «عملية مكافحة الإرهاب» في أعقاب مقتل أربعة جنود ومدنيين اثنين، واصلت باكو جهودها لإعادة السيطرة على الإقليم. ووافق الانفصاليون الأرمن على الفور بتسليم أسلحتهم بعد هجوم باكو الخاطف.

قالت السلطات الانفصالية الأرمينية في ناغورنو كاراباخ: «تم التوصل إلى اتفاق بشأن انسحاب الوحدات والجنود المتبقين من القوات المسلحة الأرمينية، وعلى حل التشكيلات المسلحة لجيش الدفاع عن ناغورنو كاراباخ ونزع سلاحها بالكامل».

ويواصل الأرمن من سكان الإقليم من النزوح جماعياً باتجاه أرمينيا، وذلك بعد وقت قصير من إعلان المسؤولين المحليين عن خطط لنقل المشردين بسبب القتال.

كما أبدت أذربيجان استعدادها للعفو عن مقاتلي كاراباخ الذين يسلمون أسلحتهم ويمكنهم المغادرة إلى أرمينيا إذا اختاروا ذلك. وقال مسؤول إن الجيش أعد مخيمات للاجئين خارج كاراباخ جاهزة لاستقبال المدنيين، لكن هناك قدراً كبيراً من عدم الثقة على الجانبين، وقد لا يكون العديد من الأرمن على استعداد للانتقال.

من جهتها، أقامت أرمينيا أيضاً منشآت لاستيعاب آلاف المدنيين، لكن رئيس الوزراء نيكول باشينيان قال إنه لا يريدهم أن يغادروا ما لم يضطروا إلى ذلك.

وكانت منطقة ناغورنو كاراباخ الجبلية التي تسكنها أغلبية أرمينية، والتي انفصلت عن أرمينيا وضمها الرئيس السوفييتي جوزيف ستالين إلى أذربيجان في عام 1921، نقطة توتر دائم بين الجمهوريتين السوفييتيتين السابقتين منذ انهيار الاتحاد. وفي عام 1991، أعلنت المنطقة استقلالها تحت مسمى جمهورية آرتساخ، لكن لم يعترف بها المجتمع الدولي مطلقاً. ثم في عام 1994، فازت أرمينيا في حرب ناغورنو كاراباخ الأولى، ما أدى إلى الاستقلال الفعلي لجمهورية آرتساخ، وهو الأمر الذي رفضت أذربيجان قبوله.

وفي السنوات الفاصلة، انقلبت الأمور، كما يقول جان رادفاني، الجغرافي والأستاذ الفخري في المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية، وأشار إلى أنه وبفضل الإيرادات الكبيرة من النفط والغاز الطبيعي، استغلت باكو الوضع لإعادة التسلح، بدعم من حلفاء مثل تركيا، واستمر ميزان القوى في التطور.

وقد أعطى هذا الانعكاس، أذربيجان الثقة لشن حرب ناغورنو كاراباخ الثانية في عام 2020، والتي شهدت فوز قوات باكو على الجيش الأرمني.

وفي أعقاب هذه الهزيمة، اضطرت أرمينيا إلى التنازل عن الأراضي في الإقليم وما حوله لأذربيجان. ونص وقف إطلاق النار على توزيع 2000 جندي من قوات حفظ السلام الروسية المكلفة بضمان سلامة الأرمن، لكن هذا الإجراء فشل في وقف المناوشات المسلحة المنتظمة على الحدود.

حصار الممر

وعلى الرغم من وجود قوات حفظ السلام الروسية، ابتداء من ديسمبر/كانون الأول 2020، حاصرت أذربيجان ممر لاتشين، وهو طريق جبلي ضيق يربط أرمينيا بناغورنو كاراباخ. ولم تتمكن شاحنات الصليب الأحمر المحملة بالأغذية والأدوية من الوصول إلى ناغورنو كاراباخ إلا في 18 في سبتمبر/أيلول، أي قبل يوم واحد فقط من الهجوم.

وبعد أن كشفت حرب 2020 عن الضعف العسكري لأرمينيا، اعترف رئيس الوزراء نيكول باشينيان في إبريل/نيسان من هذا العام بأن حكومته مستعدة للتخلي عن مطالباتها في المنطقة. وقال إن «السلام ممكن» فقط إذا خفضت أرمينيا طموحاتها الإقليمية على حدود جمهورية أرمينيا الاشتراكية السوفييتية السابقة، أي باستثناء ناغورنو كاراباخ.

والآن، يسعى الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، إلى التأكيد على ما يعتبره مصلحته. وتزايدت حدة خطابه في الأشهر الأخيرة. وفي خطاب ألقاه في شهر مايو/أيار، قال علييف عن الأرمن في كاراباخ: «إما أن يحنوا أعناقهم ويأتوا بأنفسهم، أو أن الأمور سوف تتطور بشكل مختلف»، وهو تهديد مستتر بالقيام بعمل عسكري.

وكان موقف أذربيجان في الأسبوع الماضي لا هوادة فيه، حيث دعا إلى «الانسحاب الكامل وغير المشروط للقوات المسلحة الأرمنية» و«حل النظام العميل» في كاراباخ.

وبموجب شروط وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي، قام إقليم كاراباخ بحل جيشه، في حين استمرت أرمينيا في الإصرار على أنه ليس لها وجود عسكري خاص بها في المنطقة.

يشار إلى أن روسيا حليف تاريخي لأرمينيا، في حين قدمت تركيا الدعم لأذربيجان منذ فترة طويلة.

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن تركيا تدعم «الخطوات التي اتخذتها أذربيجان، حيث نعمل بشعار (أمة واحدة ودولتان) لحماية سلامة أراضيها»، وذلك خلال كلمته أمام الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة.

ويقول لوكاس أوبين، الباحث المشارك في المركز الفرنسي للدراسات والأبحاث: «منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، كانت روسيا هي الوصي على المنطقة، وحافظت على نوع من الوضع الراهن، لكن موسكو تركز على الصراع في أوكرانيا، الذي يبدو أنه لم ينته بعد».

والأكثر من ذلك أن روسيا أصبحت أكثر اعتماداً على أذربيجان، وتعمل البلاد ممراً بين إيران وروسيا، ما يسمح بنقل الإمدادات العسكرية للحرب في أوكرانيا، وهي إحدى الدول التي تمكّن روسيا من الالتفاف على العقوبات الغربية.

كما ظل دعم موسكو لأرمينيا يتضاءل بشكل مطرد في السنوات الأخيرة، فبعد انتخابه في عام 2018، ابتعد رئيس الوزراء نيكول باشينيان عن روسيا، وعلى سبيل المثال، في نوفمبر 2022، رفض باشينيان التوقيع على الإعلان النهائي لقمة منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تقودها روسيا، والتي تعد أذربيجان عضواً فيها أيضاً، ويشير هذا إلى استياء أرمينيا المتزايد من عدم دعم موسكو لبلاده.

ويقول لوران ليليكيان، المتخصص والمحلل السياسي في جنوب القوقاز: «ينتهج باشينيان سياسة مؤيدة للغرب، وهو ما يثير غضب موسكو».

وصادقت أرمينيا على المعاهدة التأسيسية للمحكمة الجنائية الدولية لحماية الأقلية الأرمنية في كاراباخ، بعد أيام قليلة من إعلان مذكرة الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ومنذ ذلك الحين، ضاعف باشينيان أعمال التحدي تجاه الرئيس الروسي. وفي أوائل سبتمبر، أعلنت أرمينيا مساعدات إنسانية لأوكرانيا وأجرت مناورة عسكرية مشتركة مع الولايات المتحدة، والتي بدأت في 11 سبتمبر/أيلول. ورداً على ذلك، ردت موسكو باستدعاء السفير الأرميني واستنكرت الإجراءات ووصفتها بأنها «غير ودية».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/24rz366f

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"