عادي
ضمن عروض مهرجان دبي لمسرح الشباب

«صالح للحياة».. الأحلام تهرب من القلوب الحزينة

20:00 مساء
قراءة 4 دقائق

الشارقة: أشرف إبراهيم
بعض الأعمال المسرحية، بفكرتها العميقة، قد تصبح إضاءة ثرية لعتبات العمر وتحولاته، فبين فرح وبكاء، ينفتح بابٌ يطل على محاسن الحياة ومساوئها، هكذا تجسد مسرحية «صالح للحياة» التي عرضت، أمس الاثنين، على مسرح ندوة الثقافة والعلوم ضمن مهرجان دبي لمسرح الشباب في دورته ال 14 مطاردتنا للأمنيات طوال العمر في قطار الحياة من لحظة الميلاد إلى الكهولة.

في دهاليز هذه المسرحية التي تروي عن «صالح» بطل العمل الذي هو رمز لكل من تخطفته الحياة، ومضى به الزمن بعيداً عما يحلم ويحب، ومن ثم «حياة» التي تناصفه البطولة، فهي الوجه الأنثوي الآخر الذي لم يستطع أن يروي عطشه من طفولة وشباب وقوة لا تعود أبداً مع تقدم قطار العمر إلى الأمام، وهو ما يجعل هذين البطلين يطلقان آهات مكتومة تعبر عما ينبعث في صدر الكثير من الشباب الذين لا تستريح طموحاتهم إلا على جبال لا تعرف سوى التعب، ولأن الوقوف ضد الحلم كمن يحاول أن يقنع ضيفاً ثقيلاً بالانصراف، فقد شكلت جوقة الممثلين على خشبة المسرح مواقد اللهب في مراحل عمر الإنسان بواقعية، فما كان يتلوه الممثلون على خشبة المسرح من ترانيم في أثناء العرض هو عبارة عن وصية ووعد بأن من يدرك طريق السعادة لن يعرف الحسرة أو الندامة في الحب.

على الرغم من الإطار الكوميدي الساخر الذي غلَّف طابع المسرحية من كل جوانبها، فإنها نجحت في أن تروي عن مشاغبات بين عائلتين يتنفسان من رئة واحدة، ويتعاندان بما لا يحتمله الأبناء، فالعمل يفلسف الحياة في أثناء المشاكسات التي احتدمت بين تلك العائلتين بما يبرز أن «صالح للحياة» عمدت إلى توصيف مجازي للخير والشر وللأحلام الرائعة التي تنكسر راياتها مع تناقضات الحياة وعثراتها، ومن ثم تجسيد صورة للعناد.

شارك في المسرحية من الممثلين عذاري السويدي، خليفة ناصر، آمنة فهد سعيد الرستماني، عبدالرحمن صلاح، عيسى موسى، علي حسن، وأخرجها ياسين بن صالح، وهي من تأليف الكاتب عثمان الشطي، أما مقاطع الأغاني التي صاحبت العرض فكانت للفنانين زمزم البلوشي وحمد العروج.

*صرخة الميلاد

بدأت المسرحية بصرخة ميلاد حياة ثم صالح، ومن ثم الفرح من قبل عائلتيهما ومن ثم الاختلاف حول التسمية، لكنهما في مشهدين متغيرين يستقران على هذين الاسمين اللذين لهما دلالات تكشف عما يختبئ في دهاليز الحياة من هموم، تصاحب من يكبر وتمضي به السنوات وهو يحاول أن يصل إلى حلمه، لكن العثرات تقف حائلاً دون تحقيق هذا الحلم بما يكشف منذ الوهلة الأولى للعرض عن الافتراضات التي تطرح فكرة الانكفاء على الذات حين ينحسر الطموح بفعل القيود الأسرية التي يفرضها الآباء على الأبناء، وانعكاسات ذلك على إخماد طاقتهم المشعة نحو الحب، وتلمس مواطنه كونه هو أعظم حقوق الإنسان بما يقتضيه من حرية وامتلاك للذات والمصير، وتضفي المسرحية من خلال طابعها العام مشهداً على الحياة التقليدية التي يحياها صالح وحياة في مجتمعهما الذي يكبل حالة الحب التي نشأت بينهما حين يكبران ويواجهان الحياة بكل أفراحها وأحزانها.

في ذروة الحب الذي نشأ بين صالح وحياة، ترفض العائلة أن يتزوجا على اعتبار أن مثل هذه الزيجة ستفضي إلى التعاسة، وعلى الرغم من توسل حياة أن يرضخ أبواها لهذا الزواج وكذلك صالح، فإن كل المحاولات باءت بالفشل، فيعم الحزن ويخيم على جميع من يقف على خشبة المسرح، وهذا المشهد كان ضمن الرموز والإشارات التي عمل النص المسرحي على بثها في نفس الجمهور من أجل تأمل حجم المعاناة التي يعيشها صالح وحياة.

لا يخفي مؤلف المسرحية عثمان الشطي أن هذا النص المسرحي يفلسف الحياة ويبرز بعض قيمها، لكنه أراد أن يعيد شحنها ضمن سياق عمل مسرحي يحمل رؤية مغايرة في الطرح بما يقتضي تصوير بعض الحالات الإنسانية التي تبرز مدى خطورة التقاليد الخاطئة المتوارثة في الكثير من العادات ومنها الحب والزواج، وأنه سعيد بمدى قدرة الممثلين على إبراز ما عانته القلوب المكسورة التي صورها في نصه من لحظة الميلاد إلى الشاب والكهولة والموت.

ويبين مخرج العمل ياسين بن صالح أنه تخير مجموعة من الممثلين الإماراتيين أصحاب الكفاء والخبرة من أجل تجسيد أحلام الشباب التي يستحيل أن تتحقق في ظل الجمود الفكري لدى بعض الآباء في المجتمع، وهو من خلال هذا العرض يحاول أن يضع المشاهد أمام مواقف متغيرة من خلال المواجهات التي تحدث بين الأشخاص على خشبة المسرح بشكل كوميدي ساخر.

*شخصية العام المسرحية

ضمن فعاليات المهرجان، نظمت حلقة نقاشية للمسرحي والإعلامي جمال مطر، شخصية العام المسرحية، قدمها الروائي ناصر عراق، بحضور بلال البدور رئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم، وعلي عبيد الهاملي نائب الرئيس، ود. صلاح القاسم مستشار هيئة دبي للثقافة، ود. سعيد حارب، وناجي الحاي، ومرعى الحليان، ومحمد سعيد، ونخبة من المسرحيين، وتطرقت الحلقة النقاشية لمسيرة مطر المسرحية والروائية والإعلامية، وإسهامه في دعم الكوادر المسرحية، وقد أدلى بعض الحضور بشهادات حول هذه المسيرة الإبداعية اللافتة في الفن والثقافة والآداب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/42xwz75w

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"