عادي

«وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولاً»

00:46 صباحا
قراءة دقيقتين
رغيد
رغيد جطل

رغيد جطل

يُقال إن الطبع يغلب التطبّع، وفي الوقت عينه، الإنسان قادر على التحكم بطبعه؛ ذلك أن الله منحه العقل والإدراك، ومكّنه من كبح جماح شهوات نفسه وأهوائها، لكن إن أطلق لها العنان وسها عنها، فعلت ما يوافق هواها؛ لذا قيل:

والنفسُ كالطفلِ إنْ تهملْه شبَّ على

حبِّ الرضاعِ وإنْ تفطمْه ينفطمِ

وللتحكم في النفس وضبطها، لا بد من تعلم الصبر، وأقول تعلم الصبر؛ لأن العجلة طبع في الإنسان، فلقد ورد في بعض الآثار أن سيدنا آدم لما خلقه الله، وبث فيه الروح فكان أول ما نزلت الروح إلى عينيه، فنظر إلى ثمار الجنة ولما وصلت الروح إلى عنقه، مد رأسه لثمار الجنة يريد تناولها، فقيل له: انتظر لتصل الروح إلى قدميك. وقد أخبر الله عن حال الإنسان، «خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ..» الأنبياء:37، وفي موضع آخر «..وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولاً» الإسراء:11، وكلا الموضعين يؤكد أن العجلة طبع خُلق الإنسان عليه، أما الصبر فهو خلق يتعلمه الإنسان؛ لذا لا نجد صعوبة حينما نتعجل أمراً ما؛ لأننا نقوم بذلك دون عناء، لكن نستصعب أن نصبر على أمر، لأنه شيء يحتاج إلى مغالبة الطبع ومقارعته للانتصار عليه.

العجلة أن تريد الشيء قبل حلول أوانه، وهي على قسمين: الأول عجلة في الخير، وهذه محمودة، وقد دعانا إليها الله، سبحانه وتعالى، بقوله: «وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ» آل عمران: 133، كما أن الله يكرم العبد إن سارع إلى الخير، «وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ...» الأنبياء: 89، 90.

وكثيرة هي الآيات التي حثت على المسارعة لما فيه الخير، ذلك أن العبد لا يعرف متى يقضى أجله؛ لذا إن استثمر كل دقيقة في حياته بما فيه الخير، وقبض على ذلك كان ذلك سبباً لنيل رضا الله تعالى.

القسم الثاني: العجلة في الشر، وقد نهى الله عنها، لما تجلبه من ضرر على صاحبها، ومن ذلك أن يتعجل الإنسان بالحكم على الآخرين فيسيء الظن بهم، أو أن يتعجل الغضب فتكون نتيجة ذلك ما لا تحمد عقباه من إلحاق الضرر بنفسه أو بغيره، ومن القواعد الفقهية أن «من استعجل الشيء قبل أوانه عُوقب بحرمانه»؛ لذا إن قتل الوارث مورثه حُرم من الميراث.

لقد امتدح النبي، صلى الله عليه وسلم، من تمثل خلق الصبر في حياته؛ فقد ورد أنه، صلى الله عليه وسلم، قال لأشجِّ عبدِ القيسِ: «إن فيك لخصلتَينِ يُحبُّهما اللهُ ورسولُه الحلمُ والأناةُ)». وقد عاب الله صنيع وفد بني تميم باستعجالهم خروج النبي لملاقاتهم، «وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» الحجرات:5، فالصبر لم يكن في شيء إلا زانه، ولم ينزع من شيء إلا شانه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/zb5fp3uj

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"