عادي

أفضل 100 رواية.. أزمة اختيار

00:07 صباحا
قراءة 6 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود

يشهد الأدب العربي، تزايد الاهتمام بفن السرد والرواية، بخاصة، والتي صعدت صعوداً كبيراً،ّ وتسيدت المشهد الثقافي الإبداعي، حتى أطلق عليها الكثيرون لقب «ديوان العرب الجديد»، في إشارة إلى تراجع المكانة التي كان يحتلها الشعر، لارتباطه بالعرب، فأرّخ لأيامهم، ومجتمعاتهم، لكن صعود الرواية لم يكن وليد الصدفة المحضة، فمنذ ما يقارب المئة عام، كان هذا الفن يتغلغل بأشكاله وأنواعه في المجتمعات العربية، ويتمثل الاهتمام به في عدد الروايات التي أنتجها الأدباء العرب، والتي أعلنت عن تحول جديد في المشهد الثقافي العربي.

أنتج الكتّاب العرب الكثير من الروايات الكلاسيكية والحديثة، والتي وصل العديد منها إلى العالمية عبر حركة الترجمة، وفوز بعض الأدباء بجوائز ذات مكانة كبيرة على الصعيد الدولي، مثل حصول الأديب نجيب محفوظ على جائزة نوبل للأدب في عام 1988، وهو حدث مفصلي، ومنعطف كبير في حركة الإبداع في العالم العربي، ونقلة وقفت شاهدة على استحقاق الكتّاب والمبدعين العرب لمكانة وسط الأدباء العالمين، بما قدموا من إبداع، كما أن هنالك العديد من الأعمال ترجمت بصورة مكثفة لجميع أنحاء العالم، فإلى جانب نجيب محفوظ يبرز اسم الطيب صالح، وبصورة خاصة روايته الشهيرة «موسم الهجرة إلى الشمال»، وغير ذلك من نتاج المؤلفين في مختلف أقطار العالم العربي، ولعل الاهتمام بهذا الإبداع العربي يعود إلى الانفتاح الكبير على الرواية العالمية من قبل الأدباء العرب، وكذلك انفتاح المراكز الثقافية العالمية على الأدب خارج أوروبا، ويشمل الإبداع في الأمريكتين وآسيا والقارة الإفريقية، فتلك المناطق استطاعت أن تقدم أدبا تفوّق في كثير من الأحيان على الإبداع الأوروبي، كما كانت له خصوصيته التي عبّر عنها.

ولعل ذلك الإنتاج الكثيف، ووصول بعض الروايات العربية إلى العالمية، وتصنيف بعض الأدبيات التي أنتجها العرب ضمن الأدب العالمي المتميز، هو الأمر الذي جعل الكثير من المراكز تفكر في إعداد قوائم لأفضل الروايات العربية، ومن أشهرها تلك التي أصدرها الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب قبل 24 عاماً، أي منذ سنة 2000، وكانت نتيجة استفتاء عمّ الوطن العربي، بمشاركة كبار الأدباء والنقاد العرب، لاختيار أفضل مئة رواية في القرن الماضي، ونسبة لصعوبة الاختيار فقد تم الإعلان عن 105 روايات بدلاً عن 100، ويأتي ذلك نسبة للإنتاج الكبير على مستوى السرد الروائي.

إنتاج

تصدرت الرواية المصرية مشهد القائمة ب28 رواية، وتضمنت روايات شهيرة، لعل أبرزها: «ثلاثية نجيب محفوظ»، «موسم الهجرة للشمال» للطيب صالح، «البحث عن وليد مسعود» لجبرا إبراهيم جبرا، «شرف» لصنع الله إبراهيم، «الحرب في بر مصر» ليوسف القعيد، «رجال في الشمس» لغسان كنفاني، «الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل» لإميل حبيبي، «الزمن الموحش» لحيدر حيدر، «رامة والتنين» لإدوار الخراط، «حدث أبو هريرة قال» لمحمود المسعدي، «كوابيس بيروت» لغادة السمان، «المجوس» لإبراهيم الكوني، «الوشم» لعبد الرحمن مجيد الربيعي، «الرجع البعيد» لفؤاد التكرلي، «الشراع والعاصفة» لحنا مينه، «الزيني بركات» لجمال الغيطاني، «سأهبك مدينة أخرى» لأحمد إبراهيم الفقيه، «أنا أحيا» لليلى بعلبكي، «الحرام» ليوسف إدريس، «لا أحد ينام في الإسكندرية» لإبراهيم عبد المجيد، «الحب في المنفى» لبهاء طاهر، «الخبز الحافي» لمحمد شكري، «ذاكرة الجسد» لأحلام مستغانمي، «الاعتراف» لعلي أبو الريش، «قنديل أم هاشم» ليحيى حقي، «عودة الروح» لتوفيق الحكيم، «دعاء الكروان» لطه حسين، «السقا مات»ليوسف السباعي.

القائمة شملت أعمالاً كلاسيكية قديمة، وأخرى معاصرة استوعبت التطور الكبير الذي حدث في مجال السرد، وهو أمر يجيد ويربط المتلقي بالنصوص التكوينية، أو التأسيسية الرائدة التي أحدثت التراكم ومهدت السبيل لتطور السرد العربي، ولعل الملاحظة الأولى التي تتبادر إلى الذهن في عملية الاختيار تلك، رغم صدورها من مختصين ونقاد ومشتغلين في حقلي النقد والأدب، أنها عملت إلى حد بعيد، على أن يكون الاختيار شاملاً لكل العالم العربي من الخليج إلى المحيط، كما أن هنالك عاملاً غلب على مسألة الرصد وهو شهرة العمل المعيّن، وصداه الكبير لدى القراء، والحقيقة أن معظم الأعمال الجيدة لا تجد حظاً كبيراً في الانتشار وسط جمهور المتلقين، ذلك نسبة لأن عين الناقد تختلف كثيراً عن ذائقة المتلقي، كما أن الرواية الجيدة ليست بالضرورة تلك التي تنتشر بصورة كبيرة، وعلى الرغم من ذلك، فإن هنالك الكثير من الأعمال التي فرضت نفسها بقوة على لجنة اتحاد الكتاب والأدباء العرب، فكان أن تم اختيارها لكفاءة منتجها، فيما يجد بعض النقاد أن الاختيار لجأ إلى المجاملة في بعض الأعمال التي قد تكون ذات صيت شعبي، ولكن لا ترتقي لأن تكون ضمن أفضل مئة رواية عربية، كما أن هنالك كتّاباً بعينهم ألّفوا أكثر من نص سردي واحد يتميز بالقوة والجدارة، ولكن تم اختيار رواية واحدة لهم، وفي هذه الحالة كان من الممكن أن يكون عنوان القائمة أفضل مئة كاتب، وليس أفضل مئة رواية، فعلى سبيل المثال هنالك أكثر من عمل لنجيب محفوظ، بخلاف الثلاثية، يستحق أن يكون ضمن القائمة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى كتّاب في قامة الطيب صالح، وإبراهيم الكوني، وحيدر حيدر، وإبراهيم الكوني، ولا شك كذلك في أن هنالك أعمالاً أخرى تجاهلتها القائمة، حيث إنها لقيت بالفعل جدلاً كبيراً، خصوصاً وسط القراء.

القائمة كذلك طرحت الكثير من الأسئلة المتعلقة بعدم وجود مراكز تصدر قوائم لأفضل الأعمال السردية العربية بصورة ثابتة، على مدار السنة، وهكذا، فالمعروف أن هنالك الكثير من المؤسسات الغربية تعمل على إصدار قوائم متعددة ومتنوعة حول الإنتاج الروائي مثل الكتب الأكثر مبيعاً، وأفضل الروايات للعام المعين، ويشترك في عملية الاختيار النقاد والقراء معاً، حيث يدفع كل قارئ بالعمل الذي يفضله، غير أن الاختيار في المحصلة الأخيرة يكون في الأغلب بيد المختصين، هذا في ما يتعلق بأفضل الروايات، أما قائمة أعلى الأعمال السردية مبيعاً، فهي خاضعة لمعايير مختلفة، حيث يرتبط وصف «الكتب الأعلى مبيعاً»، في أحيان كثيرة بعدم الموضوعية، كما أنها لا تراعي الجودة، فالاختيار يعبر عن حجم بيعات الكتاب بعيداً عن مضمونه، لكن حتى مثل هذه القوائم هي إما لا توجد، وإما نادرة في العالم العربي، وذلك أمر يجب أن يفتح نقاشا واسعاً، كما أن القوائم تصلح لمؤشر على مستوى تطور الأدب، والرواية بصورة خاصة، لذلك فإن عدم وجود ثقافة القوائم الموسمية والسنوية، يُصعّب مهمة الرصد ومعرفة الكتب الجيدة التي تستحق القراءة.

كتاب

في سبيل إعداد قائمة تضم أفضل الروايات العربية، صدر عن مركز أبوظبي للغة العربية في العام الماضي، كتاب «مئة رواية ورواية.. روايات عربيّة أثرت القرن العشرين»، بمساهمة 19 ناقداً عربياً توزعت مقالاتهم بين عصرَي، النهضة والحداثة، وهو كتاب حاول أن يملأ فراغ المكتبة العربية في هذا الخصوص، ويقدم المركز في مقدمة الكتاب شرحاً عن خلفيات اختيار الروايات، إذ تقول تلك المقدمة: «يوقن مركز أبوظبي للعربية بأنه لا توجد آلية تحظى بالإجماع لاختيار ما يمكن الجزم بأنه أفضل الروايات العربية على الإطلاق، لكنّ توسيع دائرة القائمين على الاختيار، ووضع مجموعة من المعايير، قد يضمّنان ربما حداً مقبولاً من الموضوعية وهذا ما حرصنا عليه»، وقد تضمنت تلك القائمة أسماء لأعمال تم تضمينها في قائمة أفضل 100 رواية أصدرها اتحاد الكتاب والأدباء العرب، إضافة إلى أعمال جديدة لم يرد ذكرها مثل: «ستة أيام» لحليم بركات، و«الدقلة في عراجينها»، للبشير خريف، و«الطوق والأسورة»، ليحيي الطاهر، وعدد من النصوص السردية الأخرى.

تفضيل الجمهور

بعض مواقع التواصل الاجتماعي المختصة بعملية القراءة مثل «جود ريدز»، تعمل هي الأخرى على إنتاج قوائم خاصة بها لأفضل الأعمال الروائية، سواء عالمية أو عربية، فعلى سبيل المثال، يمتلك الموقع قائمة تضم اسم 50 كتاباً عربياً معظمها من الروايات، منها: «قصر الكلام» لجلال عامر، و«الفيل الأزرق» لأحمد مراد، و«عزازيل» ليوسف زيدان، و«أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ، وعدد من الروايات الأخرى، إضافة إلى قائمة روائية بحتة تضم قرابة ال24 عملاً روائياً، مثل: «ثلاثة غرناطة» لرضوى عاشور، و«ساق البامبو» لسعود السنعوسي، و«واحة الغروب» لبهاء طاهر، و«الأسود يليق بك» لأحلام مستغانمي، وغير ذلك من أعمال متنوعة، فيها ما يمكن أن يكون ضمن أفضل القوائم، وفيها ما لا يستحق، فالجامع بين تلك القوائم أنها لا تصدر عن خبراء ومختصين، بل من قبل الجمهور مباشرة، مما يشكك في أهميتها وجدواها، بالتالي لا يتم التعامل معها على نحو جاد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/48b3a486

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"