عادي

الدولة الوطنية.. بين صحيح الدين وبدعة «المتاجرين»

22:41 مساء
قراءة 4 دقائق

القاهرة: بسيوني الحلواني

تختلط المفاهيم حول مفهوم الدولة في الإسلام في أذهان الكثيرين، ورغم تأكيد العلماء على عدم تحيزه لدولة تستند لمفاهيم عقدية، لا يزال البعض يروج لما يسمى «الدولة الدينية» التي تفرض على مواطنيها مفاهيم وأسلوب حياة لا يتفق مع العصر تحت شعارات دينية. ما هو شكل الدولة في الإسلام؟ وهل يُحرّم أتباعه من معالم الدولة الديمقراطية الحديثة ويفرض شكلاً معيناً يروّج له البعض؟ هذا ما يجيب عنه عدد من العلماء في السطور التالية.

الصورة

يؤكد د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين، أن الدولة في الإسلام ليست، كما يدعى البعض زوراً وكذباً، دينية (كهنوتية) بالمفهوم الغربي، وكذلك ليست مستبدة تجحد الدين، وتحرم الناس مما يتضمنه من مصالح ومنافع وأمن وأمان، وإنما هي الدولة الحديثة التي تطبق أساليب وأسلوب حياة يحقق مصالح العباد.

ويقول: الإسلام يدعم الدولة الوطنية ولا يفرض نمطاً معيناً لشكلها، ومهما تعددت صور وكيانات الدول، فالشرط الأساسي هو أن تكون تلك الدولة محققة لمصالح الناس ومحترمة لكل حقوقهم التي أقرها. وما نؤكده هو أنه لا يوجد في تراثنا ما يسمى بالدولة الدينية، فالإسلام لم يعرف في حضارته ولا تشريعاته ولا تاريخه ما يُعرف في الثقافات الأخرى بالدولة الدينية الكهنوتية التي تسلطت على الناس، وعانتها البشرية في بعض مراحل التاريخ، وهي مرفوضة في نظر الإسلام.. كما أن نظام الخلافة الذي يدعو البعض إلى إحيائه نظام حكم ناسب زمان صحابة رسول الله وليس بالضرورة أن يصلح لعصرنا.

وأوضح د. الطيب أنه لا يوجد في نصوص الإسلام من قرآن وسنة ما يلزم بنظام حكم معين، وأن الحاكم في الإسلام هو ما ارتضاه الناس حاكماً وفق دستور الدولة، والمواطنة حق لجميع مواطني الدولة الواحدة، ولا فرق بينهم، وهو الأساس الذي قامت عليه أول دولة إسلامية في المدينة المنورة.

ويشدد د. الطيب على ضرورة تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة التي تعتمد على دستور يفصل بين سلطاتها ومؤسساتها القانونية، ويحدد إطار الحكم ويضمن الحقوق والواجبات لكل أفرادها وتكون سلطة التشريع فيها لنواب الشعب بما يتوافق مع المفهوم الإسلامي الصحيح..

ويلفت إلى أن الإسلام لا يتدخل في شؤون الناس إلا في الأمور التي تحتاج إلى تحديد ولا تتغير مع الزمان، ولا المكان، ولا العصر، ولا الحضارة، وهي العبادات والأخلاق التي يضع فيها الإسلام تحديدات صارمة، ولا يسع المسلم أن يخرج عنها كالصلاة والصوم والحج وغير ذلك من العبادات التي تُؤدَّى الآن كما كان يؤديها النبي، صلى الله عليه وسلم.

ويؤكد أن الأمور الأخرى المتطورة التي لا يمكن أن تبقى على صورة واحدة، وهذه ما أكثرها، يُترك للمسلمين فيها اختيار الشكل الذي يناسبهم أو يناسب عصرهم الذي يعيشون فيه. وعبّر شيخ الأزهر عن رفضه لعبارة: «لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة»، مؤكدا أن تعاليم الإسلام وأخلاقياته توجه كل نشاط للمسلمين في كل العصور، فالإسلام يوجه حياتنا السياسية والاقتصادية والأخلاقية والاجتماعية نحو الأفضل، ويرفض السياسات التي تقوم على الصراع بين الناس.

تسلط

د. شوقي علام، مفتي مصر رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، يؤكد ما ذهب إليه شيخ الأزهر حول أن الإسلام لا يعترف أبداً بالدولة الدينية التي تعني الحكم بناء على تفويض إلهي والتسلط على الناس باسم الدين، بل إنه أول من عرف الدولة المدنية الحديثة الحاضنة للجميع.

ويستشهد بما فعله النبي، صلى الله عليه وسلم، عند أسس مقومات الدولة وكيانها وهيكلها الأساسي عقب إعلانه لوثيقة المدينة، وذلك لِما للدولة من أهمية في النهوض الحضاري، وتحقيق مصالح الفرد والمجتمع، وفي ذلك دلالة واضحة على أهمية بنائها على أسس متينة من السمو الروحي والرقي الأخلاقي والتطور الحضاري.

ويضيف: الإسلام ينحاز للدولة المدنية الحديثة القائمة على العدل والمساواة، فهو لم يسعَ يوماً لترسيخ المفاهيم والنظم التي تبيح التسلط على رقاب الناس، فلم يُعرف في تشريعاته ولا في حضارته عبر تاريخه العظيم شيء من هذه المفاهيم أو تلك النظم، ولا يوجد في الحضارة الإسلامية ما يسمى بالدولة الدينية أو الثيوقراطية كما عرفها الغرب، فالإسلام يؤمن بقضية الاختصاص ووضع حدود للسلطات، ودساتير وقوانين للمحاسبة وفق المؤسسية التي هي عنوان الدولة المدنية الحديثة.

ويؤكد مفتي مصر أن احترام ولي الأمر هو احترام لكل السلطات والمؤسسات الرسمية، موضحاً أن استغلال الدين من جماعات دينية للسطو على الحكم والتحكم في رقاب الناس أمر ترفضه الشريعة الإسلامية؛ إذ لا يجوز استغلال الدين من أجل أغراض سياسية، لأن في ذلك مخالفة للشرع الشريف. ويضيف: الإسلام يستوعب الجميع، فالدين جاء ضابطاً لأمور الحياة جميعاً، ولذلك لا يجوز لأحد أن يستغله ويقول أنا وحدي فقط الذي يمكن أن يفسره، وأن أضبط به حركة الحياة من وجهة نظري أنا. وفكرة الاستعلاء بالدين ناتجة عن محاولة احتكار الحق، ومحاولة سبغ بعض الناس بأنهم فوق الجميع، والزعم بأن طاعتهم واجبة دون أن يكون لهم ما يوجب طاعتهم، أو يفرض رؤاهم على الآخرين، فهم مثل غيرهم يجتهدون ويخطئون كما يجتهدون ويصيبون، وليست لهم حصانة من أي نوع.. ولذلك فكل الجماعات التي رفعت شعارات دينية بهدف الوصول إلى كرسي الحكم ومارست الإقصاء ونشرت فكر التبديع والتكفير، واستغلت الدين لصالح مصالح حزبية وشخصية لم تنجح على مر التاريخ، بداية من الخوارج وحتى «الإخوان» وأمثالهم.

توجيهات إسلامية

د. نصر فريد واصل، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ومفتي مصر الأسبق، يصف الدولة في الإسلام بأنها دولة مدنية تعمل بتوجهات إسلامية.

ويضيف: أي نظام سياسي يلتزم بتعاليم الشريعة الإسلامية يكون أكثر عدلاً وإنصافاً وتنظيماً للعلاقة بين الحاكم والمحكوم، والشريعة الإسلامية تقر كل الحقوق السياسية والاقتصادية لكل أفراد المجتمع، وتتفوق على كل ما عداها من النظم الحديثة، وإذا كانت الديمقراطية كما يعرفها السياسيون هي حكم الشعب بالشعب بطريقة فيها العدل، وفيها الصدق، فإن شريعة الإسلام نظمت ذلك بطريقة حكيمة عادلة فيها السعادة للحاكم والمحكوم.

ويؤكد أن الإسلام له فلسفته في الحياة، وأن منهجه في تنظيم شؤون المجتمع يقوم على العدالة، فكل ما يحمل ظلماً للإنسان أو استغلاله مرفوض، وهذا لا يتعارض مع مكونات الدولة المدنية الحديثة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/3p9kd7ms

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"