عادي

السودان.. صيام بلا هدنة

00:39 صباحا
قراءة 4 دقائق
السودان.. صيام بلا هدنة

د. أميرة محمد عبدالحليم*

مع حلول شهر رمضان يقترب الصراع في السودان من إتمام عامه الأول، حيث لا يزال السودان يعيش على واقع الصراع المتواصل الذي لا يعطى فرصاً لتقريب وجهات النظر، وفتح الطريق للحوار، برغم الجهود التي تبذلها أطراف مختلفة لإيقاف الحرب، ووسط تدهور إنساني غير مسبوق، وفى هذا الإطار جاءت الدعوة التي أطلقها مجلس الأمن الدولي في الثامن من الشهر الجاري، لوقف الأعمال العدائية في السودان خلال شهر رمضان.

على الرغم من ترحيب أطراف سودانية عدة، وفي مقدمتها تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية «تقدم»، بدعوة مجلس الأمن الدولي، واعتبرتها خطوة لوقف إطلاق النار، والمضي قدماً نحو السلام، وكذلك قوات الدعم السريع التي أعلنت، في بيان، استعدادها للحوار مع الجيش حول آليات مراقبة لضمان تحقيق أهداف انسانية، أصرّ مجلس السيادة الذي يترأسه الفريق عبدالفتاح البرهان على انه لا وقف لإطلاق النار من دون تنفيذ الشروط المتفق عليها في اتفاق جدة في مايو/ أيار 2023، وهي خروج الدعم السريع من منازل المواطنين، والأعيان المدنية، وانسحابها من كل المواقع التى تحت سيطرتها.

اشتداد المعارك

كما اشتدت المعارك بين الجانبين قبل يوم واحد من الهدنة التي كان يتمناها الكثيرون، حيث شملت ساحات هذه المعارك، مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وحول مدينة سنار في الوسط. حيث أفادت مصادر طبية بمقتل وإصابة أكثر من 30 شخصاً في الفاشر، التي تعتبر من المدن القليلة التي لا يزال للجيش وجود فيها، حيث سيطرت قوات الدعم السريع على 80% من إقليم دارفور.

كما طرح استمرار المواجهات المسلحة بين طرفي الصراع وسط مخاوف من عمليات الاصطفاف والتسليح التي تتم على أسس عرقية وجهوية، وكذلك دعوات تسليح المدنيين، الكثير من المخاوف، فمنذ بدء الصراع في 15 إبريل/ نيسان الماضي، ظلت الحركات المسلحة في السودان تتخذ موقفاً محايداً، ويبدو أنها كانت تأمل في استعادة الاستقرار سريعاً، ولكن بعد مرور ما يقرب من عام على الحرب، ومع امتداد الصراع لأقاليم استراتيجية، أعلنت العديد من الحركات المسلحة دعمها وتأييدها لأحد طرفي الصراع، حيث أصبح المشهد الأمني فى السودان في غاية الخطورة، وينذر باندلاع حرب أهلية.

تحركات سياسية

وقام الفريق عبدالفتاح البرهان بزيارة كل من ليبيا ومصر مع نهاية شهر فبراير/ شباط الماضي، حيث ناقش مع المسؤولين في الدولتين تطورات الأوضاع في السودان، ومآلات السلام، في حين أجرى رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة اتصالاً هاتفياً مع قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو، تتطرقا خلاله لمداخل تسوية الأزمة في السودان، وقدم الدبيبة «مبادرة لإحلال السلام ووقف إطلاق النار في السودان»، كما وجه الدعوة إلى حميدتي لزيارة ليبيا.

كما فتحت زيارة البرهان، وهو ما أشار إليه رئيس وزراء السودان السابق ورئيس «تقدم» عبدالله حمدوك في مقابلة مع صحيفة «السوداني»، وكانت تنسيقية «تقدم» عقدت ورشتي عمل في نيروبي الشهر الماضي، حول الترتيبات الدستورية، والحكم المحلي، وقضايا الأقاليم.

وفي خطوة جديدة، وبعد أن أعربت الولايات المتحدة عن قلقها من استئناف العلاقات بين السودان وإيران، وما يحمله من إمكانية دعم الأخيرة للجيش السوداني، وكذلك انتقادها للجيش السوداني لمنعه إيصال المساعدات في المناطق التي يسيطر عليها الدعم السريع، أعلن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، تولي الدبلوماسي السابق وعضو الكونغرس تومبير ييلو، دورالمبعوث الخاص للسودان، حيث بدا أن واشنطن تتجه إلى تغيير أدوات التدخل في الأزمة السودانية.

تدهور إنساني

لا تزال آلة الحرب تحصد أرواح وأرزاق السودانيين، ويأتي شهر رمضان وهناك ما يقرب من 25 مليون سوداني يحتاجون إلى الدعم الإنساني، وكانت «منظمة أطباء بلا حدود» أعلنت «أن طفلاً يموت كل ساعتين في شمال دارفور جراء تداعيات الصراع»، كما أصدرت لجنة الإنقاذ الدولية قائمة مراقبة الطوارئ لعام 2024، وهي قائمة عالمية للأزمات الإنسانية التي رصدت أزمات وصراعات في 20 دولة، من المتوقع أن يزيد تدهور أوضاعها خلال العام الجاري.

حيث تنقسم دول قائمة المراقبة إلى أعلى 10 دول مصنفة، و10 دول غير مصنفة، احتلت السودان المرتبة الأولى في قائمة المراقبة حول الدول المصنفة، فقد دفعت الحرب المستمرة السودان إلى أعلى قائمة مراقبة الطوارئ لعام 2024، ودفعت البلاد إلى حافة الانهيار.

على الجانب الآخر، وفي ظل ما يطلقه برنامج الأغذية العالمي من تحذيرات من انزلاق أجزاء من السودان خلال الأشهر القادمة نحو مستويات من الجوع، حيث وصل ما يقرب من 18 مليون شخص في السودان إلى مرحلة الجوع الحاد، بينما يقع 5 ملايين شخص ضمن مستويات الطوارئ من انعدام الأمن الغذائي، تتصاعد الاتهامات بالاستيلاء على المساعدات الإنسانية التي تم تمريرها عبر مطار وميناء مدينة بورتسودان، حيث لا تصل كميات ضخمة من هذه المساعدات إلى مستحقيها، وتظهر في الأسواق حيث يبيعها التجار.

كما أعلن مكتب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، في 23 فبراير/ شباط الماضي، وعبر تقرير للمنظمة خلال الفترة من إبريل/ نيسان إلى ديسمبر/ كانون الأول 2023 يستند إلى مقابلات مع أكثر من 300 ضحية وشاهد، إضافة إلى لقطات وصور من الأقمار الصناعية، أن طرفي الحرب في السودان ارتكبا انتهاكات قد تصل إلى حد جرائم حرب تشمل هجمات عشوائية على مواقع مدنية، مثل مستشفيات وأسواق، وحتى مخيمات النازحين.

وأخيراً، يبدو أن السودان أصبح يدور في حلقة مفرغة من الصراع وتداعياته المدمرة، في ظل جهود مستمرة من الوسطاء من دون تحقيق أي تقدم، وتزداد وطأة هذه الحياة مع مجيء شهر رمضان الكريم، ولا يزال الآلاف من السودانيين لا يستطيعون تدبير أقواتهم.

* خبيرة الشؤون الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mutknm2t

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"