عادي
حضور مركزي في عدة روايات عالمية

«الأم»..رفيقة الروح

17:18 مساء
قراءة 4 دقائق
1

الشارقة: علاء الدين محمود
حضرت الأم بصورة متعددة في الرواية الروايات، على يد مؤلفين عالميين كبار، هيمنت على النص السردي بصورة كبيرة باعتبارها شخصية محورية في المجتمع، تتجسد فيها قيم وأخلاق التضحية والنبل والحب والعطاء المستمر والمقدرة على التجرد في سبيل الجماعة «الأسرة»، وهي الصفات التي يسعى الإنسان إلى تعميمها لتصبح جزءاً من طباع كل البشر، ولعل الأبرز في تناول الأم، في صورها المتعددة، هو أن التعامل معها يختلف في السياق النسوي عن المرأة الحبيبة، كما تنتفي المصلحة في العلاقة لترمز الأم إلى الحب المطلق والمثالي، وهي بمعنى ما رفيقة الروح، تصاحبنا طوال حياتنا، والواقع أن السرد العربي كذلك لم يستطيع تجاوز إغراء الكتابة عن الأم.

الصورة
1


كثير من الروايات خلدت في أذهان البشر، وكانت السمة الرئيسية فيها هي الأم، لكن العمل الأكثر انتشاراً وشهرة على المستوى العالمي، هو رواية «الأم»، للكاتب الروسي مكسيم جوركي، وهي من الروايات التي لا تزال تجد الصدى والتي كان لها التأثير على أجيال مختلفة منذ كتبها جوركي عام 1906، وصدورها عام 1907، ولعل سبب شغف الناس بهذه الأيقونة السردية، هي تناولها لتلك العلاقة العاطفية القوية بين الأم وابنها، لتمتد وتشمل مجموعة من الأولاد الذين لم تنجبهم، والذين احتضنهم بيتها في أوقات عصيبة، حيث تتناول الرواية الظروف التي سبقت قيام الثورة الروسية، وتلعب فيها الأم دوراً مركزياً، متمثلة في شخصية بيلاجيا نيلوفنا فلاسوفا، وهي امرأة لا تتجاوز الأربعين تشقى وتناضل في سبيل حياة جديدة، ولئن حضرت الأم بشخصيتها في العمل التي تحمل دلالات العطف ونكران الذات، فهي قد حضرت كذلك كرمز يشير للوطن والهوية، وقد اعتبرها النقاد ومؤرخو الأدب من أروع الروايات التي تحض على الثورة ضد الظلم والاستبداد، وقد ترجمت إلى العديد من اللغات العالمية وصارت مصدر إلهام لكتاب كثر، مثل الكاتب المسرحي الألماني بيرتولت بريخت في إحدى روائعه المسرحية الباكرة «الأم الشجاعة وأبناؤها»، والتي تتحدث عن الأم بشكل مركزي.

  • *ذاكرة نوبل

ولئن كان مكسيم جوركي قد عنون روايته بالأم بصورة مباشرة، فكذلك قد فعلت غراتسيا ديليدا، التي تعد واحدة من أهم الأدباء الإيطاليين، وثاني امرأة في العالم تنال جائزة نوبل للآداب عام 1926، وتعتبر روايتها «الأم»، من أشهر كتاباتها السردية، واعتبرت هذه الرواية بمثابة فاتحة لتيار روائي مختلف وجديد في الأدب الإيطالي، حيث تتناول فيها الكاتبة خبايا وأسرار مجتمعها المتدين في موطنها الأصلي، جزيرة سردينيا، وتحكي عن شخصية أم باولو خوري، بطلة الرواية التي تعمل في وظيفة متدنية، وتسعى لإعداد ابنها للمستقبل، وتنجح في ذلك الأمر إلى حد بعيد بعد رحلة كفاح عظيمة، لكن الأم تكتشف أن دورها تجاه ولدها لم ينتهي بعد، فهو مستمر ومتجدد، فكان قدرها أن تحمل هموم ابنها وتعمل على إسعاده بعد تعرضه لتجربة علاقة عاطفية كان نصيبه منها الشقاء والألم الشديدين.

  • *تجارب حديثة

حضرت صورة الأم كذلك في العديد من الأعمال السردية الحديثة في مجال الرواية، التي تعبر عن اتجاهات تعبر عن روح العصر، على نحو ما فعلت الكاتبة التركية أليف شافاق، في روايتها «حليب أسود»، وهي العمل السردي الذي يحمل الكثير من التعقيد من حيث الغوص في النفس البشرية وتأمل الحياة والوجود، إذ إن الرواية تتناول تجربة اكتئاب ما بعد الولادة، من خلال سيرة أم مبدعة تصادف أن توقف قلمها عن إنجاب الكلمات عندما أنجبت طفلها، ليرصد العمل تلك العلاقة بشكل جدلي والمتمثل في صراع الأنثى التي تلد الكلمات والأنثى التي تلد الأطفال، وكيف يقسم هذا الصراع المبدعة إلى كيانات متعددة.
وبفيض من الحنين وعاطفة الأمومة، كتبت إيزابيل الليندي، روايتها «باولا»، والعمل هو عبارة عن سيرة ذاتية تتحدث فيها الليندي عن ابنتها «باولا»، الراقدة على فراش المرض، والتي توفيت بعد صراع مع الألم والوجع، وتحكي الرواية عن تلك المشاعر القاسية التي اعترت الأم، وهي تشهد موت فلذة كبدها، وكيف أنها كانت على استعداد لأن تضحي بنفسها في سبيل أن تشفى، وقد بدأت الليندي كتابة الرواية في المستشفى أثناء مرض ابنتها وحتى لحظة الوفاة، وتحكي في العمل عن مواجهة الفقد بسرد تفاصيل حياة أسلافها، ومن ثم حياتها هي.
رواية «الأرض الطيبة»، للكاتبة الأمريكية بيرل باك، تعد من أجمل روائع الأدب العالمي في القرن العشرين، حيث نجحت في تناول نموذجاً إنسانياً يفيض رحمة لأم صينية تساند زوجها في مواجهة أزمة كبرى، عندما تشحُّ المياه، وتَذبل المحاصيل، وتحلُّ المجاعة، وتعاني الأسرة من الجوع والمرض، وهنا يظهر معدن الأم الأصيل في الكفاح من أجل الأرض والأبناء، وقد كتبت باك بعد ذلك رواية «الأبناء» التي تعد استكمالاً لـ«الأرض الطيبة»، وفي سنة 1934 صدرت لها رواية باسم «الأم»، مما يشير إلى أن الأم تظهر بصورة مركزية في أعمال الكاتبة.

  • *البوكر

ظهرت خمس روايات تحدثت عن الأم ضمن القائمة الطويلة لجائزة البوكر العالمية العام الماضي، وهي «الحي الغربي»، للكاتبة الكينية شيتنا مارو، ورواية «لؤلؤة» للكاتبة سيان هيوز، و«كيفية بناء قارب» و«أغنية النبي»، للأيرلنديين إيلين فيني، وبول لينش، ورواية «كل قلوب الطيور الصغيرة» للكاتبة البريطانية فيكتوريا لويد بارلو.

  • *كتابات عربية

لم تغب صورة الأم في الكتابات العربية، حيث يستمد المؤلفون العرب إبداعاتهم من القيم والأخلاق في واقعهم التي ترفع من شأن الأم ودورها في الحياة، ولعل من أبرز الإسهامات الأدبية في هذا المجال، ثلاثية نجيب محفوظ، «بين القصرين»، «قصر الشوق»، «السكرية»، والتي تعتبر أفضل عمل سردي في العالم العربي، وفيها تبرز شخصية أمينة التي احتفى من خلالها الكاتب بالأم وصورتها النقية المحافظة المتمسكة بالقيم على الرغم من المتغيرات وتيار المدنية العاتي، حيث عملت الرواية على إفراد مساحة مميزة لحضور الأم ودورها تجاه المجتمع والحياة، واحتفظ من خلالها محفوظ بالصورة النقية للأم، تلك المحبة والمدافعة عن أبنائها، حيث تبدأ الرواية بالحديث عنها وتنتهي بموتها، غير أن صورة الأم تحضر مرة أخرى في رواية من أهم أعمال محفوظ، وهي «بداية ونهاية».
وهنالك العديد من الإبداعات العربية في هذا المجال مثل رواية «الوتد»، لخيري شلبي، و«أم العروسة»، و«الحفيد»، لعبد الحميد جودة السحار.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/we667jmb

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"