عادي

الإجارة على المعاصي والطاعات

21:48 مساء
قراءة 3 دقائق
عارف الشيخ

د. عارف الشيخ

الإجارة في الأصل أنها كراء وعوض العمل، والفقهاء عرفوا الإجارة بأنها عقد معاوضة على تمليك منفعة بعوض (انظر المغني مع الشرح الكبير ج6 ص3، والشرح الصغير على أقرب المسالك ج4 ص5).
لكن الفقهاء اشترطوا أن تكون المنفعة مباحة الاستيفاء، وليست طاعة مطلوبة، ولا معصية ممنوعة، وقد قال الفقهاء بأن الإجارة على المنافع المحرمة عقودها باطلة، ومن قام بعملها لا يستحق عليها أجرة، وذكروا لها أمثلة مثل الزنا والغناء وحمل الخمر، وأمثلتها في هذه الأيام كثيرة.
ويرى الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى بأن استئجار كاتب ليكتب الغناء، أو يحمل الخمر إلى من يشربها، أو الخنزير لمن يأكله، عمل جائز لأن العمل لا يتعين على هذا المحرم فقط، فالأجير يحمل هذا ويحمل غيره أيضاً.
وينسب إلى الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه قال لمن يحمل خنزيراً أو خمراً إلى نصراني: إني أكره ذلك، لكن الحمال له أجرته.
أقول: هذا قول، ورأي الجمهور أن المحرم لا يتحول إلى مباح، وفاعل المحرم لا يستحق عليه أجرة.
والطاعات في الأصل أن المسلم يؤديها ولا يستحق عليها أجرة، بل أجراً ومثوبة من عند الله تعالى، وقد ذكر العلماء أمثلة لها مثل الأذان والإمامة والحج وتعليم القرآن الكريم وغيرها كثير، وقد ذهب إلى هذا القول الإمام أبو حنيفة وأحمد رحمهما الله تعالى، واستشهدا بالحديث الوارد: إن آخر ما عهد إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن اتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً (رواه الترمذي وأبو داود والنسائي وأحمد في مسنده).
وعن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه قال: «علّمت ناساً من أهل الصُفة القرآن والكتابة، فأهدى إليَّ رجل منهم قوساً، قال: قلت قوس وليست بمال أتقلدها في سبيل الله، فذكرت ذلك للرسول، فقال: أن سرّك أن يقلدك الله قوساً من نار فاقبلها (رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة).
وقد نص الحنفية في كتبهم على تحريم قراءة القرآن بأجر، وأن المعطي والآخذ آثمان، لكن المتأخرين منهم أجازوا استحساناً، وهكذا بالنسبة للإمام والمؤذن، (انظر حاشية ابن عابدين ج5 ص34. 35).
أما مالك والشافعي رحمهما الله تعالى، فقد أجازا أخذ الأجرة على قراءة القرآن الكريم وتعليمه، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم زوّج رجلاً بما معه من القرآن الكريم (رواه الشيخان)، وفي حديث آخر: «إن أحق ما أخذتم عليه أجر كتاب الله»، (رواه البخاري).
والشافعية أجازوا قراءة القرآن الكريم عند القبر، وأجازوا الاستئجار عليه، (انظر الشرح الصغير ج4 ص34، ونهاية المحتاج ج5 ص289. 290).
وأجاز المالكية أخذ الأجرة على الإمامة، وأجاز الشافعية أخذ الأجرة على الحج والعمرة عن الغير مع التعيين (انظر الشرح الصغير ج4 ص10، والمهذب ج1 ص405).
أقول: وهذا الرأي هو الأقرب إلى فقه الواقع، لأن الإمام والمؤذن والخطيب ومعلم القرآن الكريم مثلاً ليس له راتب من بيت المال فمن أين يأكل هؤلاء؟ ثم إن الإمام والمؤذن على سبيل المثال لا يأخذ الراتب مقابل الأذان أو مقابل الإمامة، بل ما يأخذه هو مقابل تفرغه كاملاً لهذا العمل فقط، ومقابل مواظبته على الحضور في الوقت المخصص للأذان أو للإمامة، فلا يستطيع أن يرتبط بأي عمل آخر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"