العدو الذي تصنعه أمريكا

03:16 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

في بحثها الدائم عن عدو لاستثمار وجوده، تأرجحت بوصلة السياسة الخارجية والدفاعية الأمريكية بين الترويج للخطر الشيوعي الأحمر القادم من الاتحاد السوفييتي طوال حقبة الحرب الباردة، ثم الاحتشاد لمجابهة الخطر الإسلامي الأخضر الصاعد من بلاد العرب والمسلمين منذ ثمانينات القرن الماضي، إلى أن استقرت السنة الماضية على خطر جديد اختارته، هو «منافسة القوى الكبرى»؛ أي روسيا والصين.
واعتبرت استراتيجية الدفاع الوطني لعام 2018، أن هذه المنافسة وليس الإرهاب هي التحدي الأكبر للأمن القومي الأمريكي في الوقت الراهن.
إيجاد عدو، ركن ثابت في سياسة الولايات المتحدة، وأمر لا غنى عنه لتحقيق أهداف داخلية وخارجية عدة. وإذا لم يناصبها أحد العداء ستختلق عدواً. لا يمكن لأمريكا أن تعيش بلا أعداء، فبغيرهم تموت الصناعات الدفاعية، وبدون خطر خارجي يتم تسويقه سيكون من الصعب تمرير وتبرير قرارات وسياسية داخلية وخارجية كثيرة.
مناسبة اجترار هذه الحقائق التاريخية الآن، هو صدور التقرير السنوي لمؤسسة هيريتدج الأمريكية المعروفة، الذي يتناول بالبحث والتقييم مستوى أداء وجاهزية المؤسسة العسكرية. التقرير الذي يقع في 500 صفحة يصدر باسم «مؤشر القوة العسكرية الأمريكية»، ويغطي نشاط 2019، وهو عمل جاد ورصين يُعده عشرات الخبراء العسكريين والسياسيين. كما تزداد أهميته بالنظر إلى العلاقة الوثيقة التي تربط هذه المؤسسة البحثية المحافظة بالرئيس دونالد ترامب والجمهوريين بصفة عامة، وتعبيرها عن توجهاتهم؛ لذلك ليس غريباً أن يتبنى التقرير وجهة النظر الرسمية باعتبار المنافسة مع الصين وروسيا هي الخطر الحقيقي والتحدي الأكبر الذي يواجه الأمن القومي، بينما بقي الخطر الإيراني في نفس الحدود التي كان عليها العام الماضي، وتراجع خطر الإرهاب بعد هزيمة «داعش». نقطة الضعف العسكرية الأساسية التي رصدها التقرير، هي أن القوات المسلحة الأمريكية ليس بمقدورها خوض حربين كبيرتين في آن واحد، ويُعزى السبب في ذلك إلى نقص التمويل.
وكما هو متوقع لم يمر تقرير بهذه الأهمية دون إثارة مناقشات واسعة، تعلق جانب منها بمسألة الحربين المتزامنتين، والتي تصدى لها الباحث وليام هارتونج مدير مشروع التسلح والأمن في مركز السياسات الدولية.
فقد اعتبر الباحث أن طرح هذه القضية الآن، هو إعادة إنتاج خرافة قديمة ابتدعها البنتاجون لتبرير طلب مزيد من الأموال، بينما الأزمة الحقيقية ليست قلة التمويل، ولكن الإدارة السيئة للمؤسسة العسكرية.
أما المنافسة مع الصين وروسيا، فهي عودة للعبة تسويق العدو الخارجي، ولكن بدون مبررات مقنعة هذه المرة؛ لأن الأخطار التي تمثلها الدولتان لا يمكن مواجهتها بالقوة العسكرية. في الحالة الروسية يأتي التهديد الحقيقي من دعم الأحزاب القومية المتطرفة في العالم، والهجمات الإلكترونية، وإطلاق سباق تسلح جديد. بالنسبة للصين يقتصر تهديدها على الجانب الاقتصادي، وبالتالي لن تُجدي زيادة ميزانية الجيش الأمريكي نفعاً في حل تلك المشاكل.
ويرى الباحث أن الاستراتيجية الصحيحة للتعامل مع الصين وروسيا، يجب أن تركز على إيجاد سبل للتعاون معهما، ومنع اندلاع حرب ضدهما، وليس نسج سيناريوهات لحروب محتملة. فكرة التنافس مع الصين وروسيا في حد ذاتها تبدو غامضة وفضفاضة على حد وصف باحثة أخرى هي مارا كارلين، المساعدة السابقة لوزير الدفاع، وأستاذة الاستراتيجية حالياً في جامعة جون هوبكنز. ومن وجهة نظرها، فإن التحديات الحقيقية التي تواجه الأمن القومي هي التغييرات المناخية، والتطرف، وصعود التيارات اليمينية، والظلم في العالم، وليست لها حلول عسكرية.
خلاصة ما يقوله الباحثون أن استراتيجية الأمن القومي الحالية ملأى بالتناقضات، كما أنها غير واقعية من حيث الأهداف والأدوات؛ فلماذا يجب اعتبار الصين وروسيا عدوين؟ وإذا كانت الحرب غير مطروحة معهما، فلماذا استدعاء القوة العسكرية عند مناقشة سبل مواجهتهما؟
ثم إذا كانت المنافسة تقتضي احتواء النفوذ الروسي المتمدد عالمياً، فكيف تفسر واشنطن انسحابها من جبهة مهمة مثل سوريا، وتقديمها هدية مجانية لموسكو؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"