زمن العجائب

رفيف
04:48 صباحا
قراءة دقيقتين

أنت في زمن الغرائب والعجائب، فلا تدهمك الدهشة إذا قرأت عن رجل هندي لم يأكل ولم يشرب منذ سبعين عاماً، أو طالعت خبراً عن تيس يدر حليباً، أو رأيت صورة فتاة تنزف دماً بدلاً من الدموع، أو شاهدت رجلاً يتعايش مع الثعابين على شاشة التلفزيون وكأنه يربي قطيعاً من القطط .

ثم، من ينسى صورة ذلك الرجل العنكبوتي الذي يتسلق أعلى المباني من دون أن يستعمل أي شيء يساعده على هذه الهواية المرعبة حقاً، وقبل سنوات حار عدد من علماء البيئة في ظاهرة هطول مطر أسود على إحدى المدن الآسيوية، وفي المغرب لم يذق رجل النوم منذ ربع قرن أمضاها أسيراً لحالة من الأرق المهلك .

طبعاً إلى جانب هذه الحزمة من الأخبار التي تقع تحت باب الطرائف، هناك أخبار أخرى لا يتم اعتبارها غرائب ولا عجائب، فكما لو انها تحصيل حاصل أو هي أمر واقع مع انها أغرب من الخيال، ومن هذه الأخبار ما طرحه بعض العراقيين قبل أيام بشأن اقامة سور حول بغداد له منافذ محددة تسمح بالدخول إلى المدينة التي أحاطت بها قبل ذلك أسوار الاحتلال والحصارات، ولكنها ظلت حرة ولم تخضع إلى قيد أو جدار يختزلها إلى حارة محاطة بعازل أسمنتي أو حديدي يقطعها ويقطع تاريخيتها العريقة عن روح العراق ومزاج العراقيين الذين ربما لم يخطر ببال أحدهم أن يكون مصير بغداد إلى مثل هذا العزل والانكماش داخل سور .

وأياً كانت مبررات هذا الاقتراح الذي يسجن بغداد على هذا النحو الذي يناقض شخصية المدينة، فإن سور بغداد يبدو وكأنه استعارة من أسوار أخرى بدأت بالانتشار في المنطقة، وأشرسها تلك الأسوار النفسية التي تنهض على ثقافة التباعد والتشرذم بين شخص وآخر، أو بين تيار سياسي وآخر، فالسور المبني من الحجارة والأسمنت مآله ذات يوم إلى الهدم والانهيار كما جرى لسور برلين الذي كان يفصل بين ايديولوجيتين وسياستين طبعتا شعباً واحداً في الأصل بطابع التباعد والتنابذ، لكن هذا الجدار في النهاية صار مادة كاريكاتورية بالنسبة إلى الألمان ومجرد فولكلور بائس .

هذا بالنسبة إلى جدران الأسمنت والحديد التي تنهار في النهاية حتى لو قامت على خرسانات وأعمدة فولاذية ضاربة في كبد الأرض، ولكن من يستطيع أن يهدم جداراً نفسياً بين شخصين أو بين مدينتين؟

كل معاول الدنيا لا تزيد الكراهية والنبذ والضغينة من القلب إذا لم يتحول هذا القلب نفسه إلى مضخة محبة وطمأنينة وسلام .

بعد ذلك ألسنا حقاً نعيش في زمن العجائب .

كانت عجائب الدنيا سبعاً فقط . أما في هذا الوقت الرمادي حقاً، ففي كل يوم هناك أعجوبة ومن أبطالها . . السياسيون الأذكياء .

. . واحرّ قلباه كما يقول المتنبي على العراقيين وهم يتساءلون: أين حدائق بابل المعلّقة؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"