كيف سيخرج الحلف الأطلسي من الورطة الأفغانية؟

03:16 صباحا
قراءة 4 دقائق

في الخامس من أغسطس/آب المنصرم تسلمت فرنسا قيادة قوات الحلف الأطلسي في المنطقة الوسطى المحيطة بالعاصمة الأفغانية كابول. وتضم القوة المذكورة خمسة آلاف جندي ضمنهم 1800 من الفرنسيين. وقد أولى الفرنسيون، مسؤولين وإعلاماً، اهتماماً كبيراً لهذا الحدث الذي يأتي في أعقاب إقدام باريس على إرسال دفعة جديدة من القوات إلى أفغانستان قوامها سبعمائة عسكري.

وعلى الرغم من أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي حاول أن يضرب عصافير متعددة في أفغانستان حين سارع إلى التجاوب مع واشنطن بإرسال قوات إضافية إلى بلاد الأفغان، وحين حرص في نفس الوقت، على حصر الحضور العسكري هناك في حدود متواضعة لا تتجاوز ثلاثة آلاف عسكري؛ وحين اختار لهذا الحضور المنطقة الوسطى القريبة من كابول التي تعتبر نسبياً أقل خطورة... على الرغم من ذلك فقد تلقت فرنسا ضربة قوية في الثامن عشر من الشهر المنصرم سقط فيها عشرة قتلى من المظليين إضافة إلى أكثر من عشرين من الجرحى.

وأمام هذه الضربة القاسية التي لم تعرف فرنسا لها مثيلاً منذ ربع قرن، لم يجد الرئيس نيكولا ساركوزي ما يخفف به صدمته الشخصية وصدمة الفرنسيين غير الحديث عن الشرف الفرنسي في مقاومة ما يصفه بالبربرية، وعن الأمن الفرنسي الذي لابد من الدفاع عنه بعيدا في بلاد الأفغان قبل أن يصل الخطر إلى التراب الفرنسي.

لكن من الواجب التذكير بالدور الأساسي الذي لعبه الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في تعفين الوضع الأفغاني، وإيصاله إلى ما وصل إليه، ونشر انعكاساته السلبية على نطاق عالمي واسع.

لقد نسي الغرب، رأياً عاماً وسياسة وإعلاماً، ما كان يلهج صباح مساء بمديح في حق المجاهدين وفرسان الحرية من أمثال طالبان ومناصريهم القادمين من كل فج عميق. وتبخر المديح المذكور مباشرة بعد استنفاد المهمة التي سخر لتنفيذها أولئك المجاهدون وفرسان الحرية ألا وهي مهمة التعجيل بانهيار الاتحاد السوفييتي. وبعد الانهيار المذكور انطلق الغرب في ترويج خطاب جديد يتحدث عن التطرف والإرهاب والبربرية خاصة بعدما انفجرت في وجهه الألغام التي صنعها وتعهدها في أفغانستان ونتج عنها ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 في نيويورك.

تؤكد الوقائع الملموسة أن حركة طالبان التي انهارت في نهاية سنة 2001 لم تنجح فقط في استعادة أنفاسها وفي إعادة بناء قواتها، وتحسين تدريبها وتكوينها وتسليحها، بل نجحت كذلك في تعبئة القبائل البشتونية التي تنتمي إليها وتعتمد عليها في أفغانستان ونجحت أيضا في تعبئة نفس القبائل الأكثر تعداداً في باكستان المجاورة، وفي تنظيم وتطوير أداء حركة طالبان الباكستانية، وفي توسيع تأثير ونفوذ البشتون الباكستانيين. وبالنظر إلى الامتداد الجغرافي والقبلي البشتوني في أفغانستان وباكستان وإلى القوة والنفوذ اللذين اكتسبهما بشتون هذه الأخيرة، وإلى الدور المهم لنظرائهم الأفغان في ما اكتسبوه، فإن المناطق البشتونية الباكستانية لم تتحول فقط إلى قاعدة خلفية لحركة طالبان الأفغانية، بل أصبحت تشكل مع نظيرتها الأفغانية تحالفا قويا يتحرك ويتقدم على الواجهتين معا، الأفغانية والباكستانية.

وإذا كان الكثير من العسكريين والسياسيين الغربيين يعتبرون أن السبب الرئيسي في ما تعانيه قواتهم وما يعيشه حضورهم في أفغانستان يتمثل في نقص عدد هذه القوات التي تصل إلى سبعين ألف جندي ينتمون إلى أربعين دولة منتمية إلى الحلف الأطلسي أو مناصرة له، فإن حركة طالبان لا تعرف مشكلاً من هذا النوع. وما زال المقاتلون يتقاطرون عليها من أفغانستان وباكستان ومن بلدان أخرى. والطريف في الأمر أن الدعوات متعالية إلى الانسحاب من العراق أو تخفيض القوات الأمريكية فيه من أجل إعادة نشرها في أفغانستان، تقابلها حركات فعلية للمقاتلين المحسوبين على تنظيم القاعدة من العراق إلى أفغانستان لتعزيز حركة طالبان هناك.

وبالإضافة إلى الحلف البشتوني القوي الذي تستند إليه حركة طالبان الأفغانية، والمعين الذي لا ينضب من المتطوعين الذي يتوافد إليها، تتحدث العديد من تقارير مراكز الأبحاث والدراسات عن الدور الكبير الذي تلعبه مخدرات الأفيون في تمويل تلك الحركة.

وبموازاة ما حققته حركة طالبان الأفغانية اعتمادا على ذاتها أو استنادا إلى حلفائها وأنصارها، قدمت إليها الدول الغربية المتورطة في أفغانستان من خلال أدائها السياسي والعسكري خدمات كبيرة. وهكذا فقد فشلت الدول المذكورة في اختراق واستيعاب القبائل البشتونية وتركت أكبر مكون من مكونات الشعب الأفغاني في يد حركة طالبان. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل أدت السياسات الغربية المتهورة إلى تعزيز صفوف معارضيها وخصومها بعدد من الزعامات الأفغانية الوازنة.

وإلى جانب ذلك، أصبحت النزعة العسكرية الغربية الجديدة المتمسكة بتقليل الخسائر البشرية الغربية إلى أقصى حد ممكن من أجل تجنب غضب الرأي العام غير المستعد للتضحية بأبنائه بعيداً عن بلادهم وتعويض ذلك باعتماد التكنولوجيا العالية والقصف الجوي أو الضرب من بعيد.

أصبحت هذه النزعة في بلاد ممتدة الأرياف وهزيلة البنى التحتية، مصدرا للضربات العشوائية التي تصيب المدنيين العزل وخاصة النساء والأطفال، وعاملاً إضافياً لتشديد الغضب ضد القوات الأطلسية، ودفع الغاضبين إلى التعاون مع حركة طالبان أو الالتحاق بصفوفها.

وإذا كانت حركة طالبان غير قادرة على طرد القوات الأطلسية من مدن البلاد وغير قادرة على اقتلاع قواعدها، فإن الحركة المذكورة، في المقابل، قادرة على تضييق الخناق على تلك القوات، وعلى حصر وجودها في أضيق نطاق حتى في إرسال إمدادات جديدة لدعم تلك القوات.

وعلى الرغم من أن عمليات إعداد السيناريوهات الممكنة من أجل تجاوز الورطة الأطلسية في أفغانستان، قد انتعشت، واتجهت في معظمها إلى اصطناع التناقضات المحلية والإقليمية واللعب عليها، فإن الحلول الجدية التي تفتح الطريق نحو التهدئة والسلام والاستقرار لابد لها أن تتسم بالشمولية، وتعالج القضايا الكبرى مثل القضية الفلسطينية، وتضمن مشاركة القوى المحلية الأساسية في تقرير وتدبير شؤون بلادها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"