آفاق الركود الاقتصادي الكوروني العالمي

01:17 صباحا
قراءة 4 دقائق
علي توفيق الصادق
علي توفيق الصادق
د. علي توفيق الصادق*
 

الأوضاع في ظل «كوفيد-19» غير تقليدية وغير مجرّبة وتتطلب سياسات وإجراءات غير تقليدية وغير مجربة أيضاً. النشاطات التي تعيد العمال إلى مراكز أعمالهم لا بد من تمويلها حتى لو كان بالاقتراض.

البداية مع تعريف الركود الاقتصادي العالمي الذي عَرّفَه البنك الدولي على أنه انخفاض في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي العالمي الحقيقي (نصيب الفرد من الدخل العالمي فيما بعد). تفيدنا أدبيات الركود الاقتصادي العالمي أن السنوات 1975، 1982، 1991، و 2009، شهدت ركوداً اقتصادياً عالمياً صاحبه تراجع في التجارة العالمية، والإنتاج الصناعي، وتدفقات رأس المال، والعمالة، واستهلاك الطاقة.

نتج الركود عن أنواع مختلفة من الصدمات ذات سمات فريدة ولكنها كانت كلها مصحوبة بأزمات مالية.

جاء الركود الاقتصادي العالمي عام 1975 في أعقاب صدمة أسعار النفط العالمية التي أثارها الحظر النفطي في شهر تشرين الأول / أكتوبر 1973. وعلى الرغم من انتهاء الحصار في آذار / مارس 1974، إلا أن صدمة العرض التي تجسدت في الارتفاع الحاد في أسعار النفط أدت إلى زيادة كبيرة في نسبة التضخم وانخفاض كبير في نسبة النمو في العديد من البلدان. نشير في هذا السياق إلى أن الحكومات، وخاصة في الاقتصادات المتقدمة، تبنت سياسات مالية ونقدية توسعية، الأمر الذي ساعد في حفز انتعاش النمو في العام 1976.

أما الركود الاقتصادي العالمي في عام 1982 فقد حدث بسبب تطورات عديدة بما في ذلك صدمة أسعار النفط الثانية، وتشديد السياسات النقدية في الاقتصادات المتقدمة، وأزمة ديون أمريكا اللاتينية. فقد ارتفعت أسعار النفط بشكل حاد في عام 1979 بسبب الاضطرابات التي صاحبت الثورة الإيرانية، وساعد ذلك في دفع التضخم إلى مستويات قياسية جديدة في عدة اقتصادات متقدمة. ولمواجهة التضخم، تم تشديد السياسات النقدية بشكل كبير خاصة في الولايات المتحدة، مما تسبب في انخفاض حاد في النشاط الاقتصادي وزيادات كبيرة في معدلات البطالة في العديد من الاقتصادات المتقدمة في الفترة 1982-1983. كما أن الزيادة في أسعار الفائدة العالمية وانهيار أسعار السلع في أوائل عقد الثمانينات أديا إلى صعوبة في العديد من دول أمريكا اللاتينية تمثلت في خدمة ديونها، مما أدى إلى أزمة الديون العالمية في عام 1982.

أما الركود الاقتصادي العالمي في عام 1991، فقد نتج عن التقاء مجموعة واسعة من الصدمات التي ارتبطت بحرب الخليج وارتفاع عدم اليقين الجيوسياسي، وزيادة حادة في أسعار النفط، مما أثر سلباً على نشاط الاقتصاد العالمي.

وجاء الركود الاقتصادي العالمي في عام 2009 في أعقاب أسوأ أزمة مالية منذ الكساد العظيم في الثلاثينات من القرن العشرين. فقد نما الدخل العالمي بأقل من واحد في المئة في عام 2009 ولكن انخفض متوسط نصيب الفرد من الدخل، الأمر الذي يوسم 2009 بالركود الاقتصادي.

وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن عام 2010 شهد انكماش الدخل العالمي بحوالي 3%، وفي عام 2011 نما الدخل العالمي بنسبة أكبر من 3%، ويلاحظ أن عودة الدخل إلى نمط النمو قبل الركود يحتاج إلى 12-18 شهراً.

الركود المرتقب في عام 2020 يختلف عن الركود في السنوات السابقة من حيث إنه ناجم عن جائحة فيروس كوفيد-19، الذي انتشر في بقاع العالم فقيرها وغنيها، شمالها وجنوبها، شرقها وغربها وليس له دواء جاهز وقد يستغرق إيجاد دواء أو مصل للقضاء عليه أشهراً عديدة حسب الباحثين في هذا المجال. وبالإضافة إلى الخسارة البشرية الهائلة والتي لا تقدر بثمن والحجر المنزلي الذي تبنته معظم دول العالم، فإن تأثير كوفيد-19 على الاقتصاد العالمي يتجسد في توقف النشاط الاقتصادي في معظم القطاعات سواء كانت الصناعية أو الخدمات والتي بدورها أثرت في التشغيل سلباً مما فاقم البطالة على مستوى العالم.

ونذكر في هذا السياق أن صندوق النقد الدولي في شهر كانون الثاني/ يناير 2020 كان قد قدر نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي العالمي السنوي لعام 2020 بنسبة 3.3% وبنسبة 3.4% لعام 2021. وفي شهر نيسان/ إبريل 2020، قدر الصندوق أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي العالمي سوف ينكمش بنسبة 3% في عام 2020 وينمو بنسبة 5.8% في عام 2021، وقدر الصندوق انكماش الاقتصادات المتقدمة بنسبة 6.1% والاقتصادات الصاعدة والنامية بنسبة 1%. التغير من نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى انكماش في عام 2020 يعني انخفاض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحوالي 5.5 تريليون دولار أمريكي يتجسد في انخفاضات متفاوتة وكبيرة في تأثير فيروس كوفيد-19 على معدلات نمو الاقتصادات المختلفة.

معدل انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي على مستوى العالم أو مستوى المناطق أو مستوى البلدان يعتمد على توقيت خروج العمال إلى أعمالهم والسياسات التي تتبناها الحكومات وتنفذها سواء السياسات المالية أو النقدية أو التجارية أو الاجتماعية. نعم الأوضاع في ظل كوفيد-19 غير تقليدية وغير مجربة وتتطلب سياسات وإجراءات غير تقليدية وغير مجربة أيضاً. النشاطات التي تعيد العمال إلى مراكز أعمالهم لا بد من تمويلها حتى لو كان بالاقتراض.

* مستشار اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

خبير مالي وإقتصادي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"