عادي

لـؤلـؤة الثـقافـة

23:32 مساء
قراءة 6 دقائق
1

القاهرة: «الخليج»

تجيء إقامة معرض الشارقة الدولي للكتاب هذا العام في ظل ظروف استثنائية يمر بها العالم جراء تفشي فيروس «كورونا»، في خطوة مهمة تحسب للإمارات وإمارة الشارقة، لعودة النشاط الثقافي الدولي، هذا ما يؤكده عدد من المثقفين المصريين الذين يرون ذلك أمراً يدعو للتقدير والإشادة؛ لأن الثقافة أحد حوائط الصد والمواجهة لأي خطر يواجه البشرية.

يرى الروائي يوسف القعيد، أن الشارقة أصبحت خلال السنوات الماضية عاصمة ثقافية عربية بامتياز، فقد جذبت إليها أنظار العالم بما تقدمه من مشاريع ثقافية رائدة، سواء في الحفاظ على التراث، أو مشاريع الترجمة، أو المسابقات التي تقدم المواهب الأدبية والفنية في العالم العربي، بأشكاله المختلفة، كل ذلك يأتي بتوجيهات من مثقف مستنير وحاكم يرعى الثقافة العربية في كثير من أقطارها، هو صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، الكاتب المسرحي والمؤرخ الذي جعل من الشارقة لؤلؤة ثقافية، ينظر إليها العالم بإبهار وإكبار أيضاً.

ويضيف القعيد: «أحد تجليات الاهتمام الثقافي هو إقامة المعرض الذي يعد تعبيراً عن عيد سنوي، يلتقي فيه مثقفو العالم من كل مكان، ليضعوا أفكارهم على مائدة الحوار، مهما اختلفت جنسياتهم وتعددت أعراقهم، وقد أسعدني الحظ بأن شاركت في بعض دورات المعرض من خلال فعالياته المختلفة، فوجدت أفقاً آخر للتلاقي الثقافي واحتفاء بكل ما له قيمة ثقافية، وبكل فكر جديد، وتبني كل موهبة ودعمها ورعايتها.

كما أن المعرض يعمل على النهوض بصناعة النشر في العالم العربي، من خلال ندوات موسعة، وموائد مستديرة يشارك فيها كبار الناشرين في العالم، ومديري المعارض الدولية للكتاب، وأعتقد أن هناك مشروعاً ضخماً للنشر من خلال «مدينة الشارقة للنشر» يستهدف تطوير صناعة الكتاب ليس في الإمارات العربية فقط، وإنما الوطن العربي بأكمله».

علوم المستقبليات

ويشير الروائي د. السيد نجم، إلى أن الثقافة هي أحد الحلول المهمة لمواجهة الأوبئة والأمراض الخطرة خاصة من الناحية النفسية، فالعالم عاش في عزلة شديدة خلال الأشهر الماضية، ما أصاب الملايين بالاكتئاب والإحساس باللاجدوى، وبدأوا يشعرون بالحياة مع عودة النشاط الرياضي. وبالتأكيد عودة النشاط الثقافي ممثلاً في الأنشطة المختلفة، ستعود بالنفع على الروح المعنوية للبشرية، ومن هذا المنطلق نشكر حكومة الشارقة على إقامة معرضها الدولي للكتاب في هذه الظروف الحرجة التي تمر بها الإنسانية بشكل عام، وهنا يصبح الفعل الثقافي ضرورة لا بد منها لفتح باب المستقبل من جديد.

ومن خلال متابعتي لأنشطة معرض الشارقة للكتاب ومشاركتي في إحدى دوراته، وجدت عدة ملاحظات مهمة أولاً: اهتمام المعرض بعلوم المستقبليات، وبكل ما هو جديد في وسائل الاتصال الحديثة، وعلاقتها بعملية صناعة الكتاب، فكان المعرض يؤكد فكرة «الكتاب الإلكتروني» والنشر الإلكتروني للمعرفة، وبين أروقته نجد أجنحة خاصة، تعرض فيها دور النشر الإلكتروني منتجاتها، كما أن بعض ندواته وأنشطته الثقافية تركز على هذا الجانب.

ثانياً: بناء شخصية الطفل الثقافية، مع الاهتمام بالتطورات العصرية، لذلك نجد الكتب الإلكترونية والألعاب الإلكترونية، عبر أسطوانات مدمجة، وثالثاً: معرض الشارقة بمثابة حوار مفتوح مع العالم، فلا تخلو دورة من دوراته من حضور أسماء ثقافية وفكرية وسياسية، أثرت في الذهنية العالمية الحديثة.

خدمات نوعية

ويؤكد السيناريست مصطفى محرم، أن المعرض أصبح في السنوات الأخيرة أحد المنارات الثقافية في العالم العربي بما يقدمه من خدمات ثقافية نوعية ومميزة على أكثر من مستوى، فهو مركز إشعاع ثقافي، وتجمع للمثقفين من كافة أرجاء الوطن العربي، إضافة إلى ضيوفه المميزين من الأدباء والمفكرين العالميين.

وتأتي إقامة الدورة الحالية للمعرض في ظل التحديات التي يشهدها العالم بأسره خلال الأشهر الأخيرة جراء فيروس «كورونا» بمثابة تحد كبير، يجعل الجميع يقف احتراماً لحكومة الإمارات، ممثلة في القيادة الواعية لإمارة الشارقة.

وتؤكد إقامة المعرض في ظل هذه الظروف، الريادة الثقافية للشارقة باعتبارها أحد أهم العواصم الثقافية ليس في الوطن العربي فحسب؛ بل العالم، وذلك نتيجة عمل متواصل ومنظم، ظهر من خلال عشرات المؤسسات الثقافية التي تمتلئ بها هذه الإمارة التي أصبحت قبلة الباحثين عن المعرفة في عالمنا العربي.

الشارقة، بإقامتها لمعرضها الدولي للكتاب هذا العام، تؤكد ريادتها في استغلال المساحات الثقافية التي بإمكانها تخفيف بعض الآلام التي يعانيها عالمنا العربي جراء الحروب والأوبئة والأمراض، والثقافة تخفف من هذه الآلام؛ بل تحد منها على أكثر من مستوى.

وقد شاركت في أكثر من دورة لهذا المعرض فوجدت اهتماماً ملحوظاً بالتنوع الثقافي والانفتاح المعرفي على الثقافات المختلفة، والاهتمام بالترجمة وبكل ما هو جديد في النشر الثقافي، فمعظم دور العالم ممثلة في هذا المعرض من خلال دور النشر المختلفة، وكذلك حضور ومشاركة الأسماء البارزة في عالم الفكر والأدب والفن، وقد حضرت – فيه – ندوات لبعض الحاصلين على جائزة نوبل في فروعها المختلفة.

وجوه جديدة

ويشير الناشر محمد رشاد، رئيس اتحاد الناشرين العرب، إلى أن المعرض من المعارض المهمة في المنطقة العربية، نظراً للتجديد الدائم فيه. فكل دورة من دوراته تختلف عن الدورة السابقة عليها، من حيث التنظيم ومن حيث الاستضافة، فكل عام نجد وجوهاً جديدة في الأدب والفكر والسياسة تنير جنبات المعرض وصالاته المختلفة. كما أن عدد الناشرين يزداد من دورة إلى أخرى، وهذا يعمل على تلاقي الثقافات. فهناك ناشرون من كافة الدول الأوروبية ومن آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، حيث يعمل المعرض على تقارب الثقافات، وحوار الحضارات عبر تقديم رؤى مستنيرة.

أنا كناشر أفاجأ كل عام بالجديد داخل أروقة المعرض، حيث التطوير المستمر في طرق العرض للكتب، في الأجنحة المختلفة، فكل ناشر يعرف الصالة التي سيعرض فيها، والزائرون لهم علامات إرشادية من خلالها يصلون إلى المكان الذين يريدونه، ولصالات العرض التي يريدون الشراء منها. فالمعرض يعمل وفق منظومة متكاملة، ولا يقل في تنظيمه عن المعارض الكبرى في العالم مثل معرض فرانكفورت الدولي.

تعاون كامل

ويؤكد د هيثم الحاج علي، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، أن هناك تعاوناً كاملاً بين معرضي القاهرة والشارقة، وهناك حالة من التبادل الثقافي الدائم ما بين الشارقة وهيئاتها الثقافية وبين وزراء الثقافة المصرية، وستشارك الهيئة المصرية العامة للكتاب في معرض الشارقة من خلال جناح كبير، إضافة إلى مجموعة الأنشطة والفعاليات الثقافية. 

كل عام نشارك بوفد ثقافي يضم مجموعة من كبار الأدباء والمثقفين المصريين، في هذا المعرض الذي يمثل حالة خاصة في الثقافة العربية، بما له من دعم من قبل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، صاحب الإنجازات السياسية والثقافية المهمة، وأحد الداعمين الأساسيين للثقافة العربية، وهو الحاكم الذي يضرب أمثلة واضحة على دور السياسي المثقف والمبدع، فدائماً ما نجده يحضر فعاليات معرض الشارقة ويشارك في كثير من ندواته وأنشطته الثقافية، وهو بذلك يضرب مثالاً فريدة في العلاقة ما بين السلطة والثقافة.

وأرى أن المعرض تزداد قيمته في كل دورة من دورات انعقاده، فنرى استخدام التقنيات الجديدة في عملية العرض، والتركيز على المبادرات الثقافية في الوطن العربي، والتعرف بها، وتشجيعها ودعمها أيضاً.

فرصة للناشرين

ويرى الناشر رضا عوض، عضو اتحاد الناشرين المصريين، أن إقامة المعرض في ظل الأوضاع الراهنة من تفشي وباء «كورونا» يعد بمثابة تحد كبير، وهذا التحدي يأتي لخدمة الثقافة والمثقفين؛ لأنه خلال الشهور الماضية الصعبة للغاية على البشرية كلها، كان الجميع متقوقعين في بيوتهم، ويأتي المعرض ليخرج كثيرين من عزلتهم التي فرضها حال الخوف من تفشي الوباء اللعين، مع مراعاة الإجراءات الاحترازية لسلامة الجميع، وهذا بالتأكيد ما أعدت له إدارة المعرض، وهي إدارة واعية وجادة.

ويضيف عوض: معرض الشارقة واحة ثقافية مميزة، وأنا كناشر حريص على المشاركة فيه في معظم دوراته السابقة، وهو من أفضل المعارض العربية في التنظيم والشكل الجمالي للعرض، حيث يستخدم أحدث تقنيات عرض الكتب، ويعطي للناشرين المساحات المختلفة التي يحتاجون إليها، كل على حسب سعة ما يعرضه.

هناك حالة من تنظيم الجمهور أيضاً، سواء كانوا قراء عاديين أو طلبة المدارس أو الجامعات، كما أن المعرض بالنسبة لكثير من الناشرين هو فرصة طيبة للتلاقي، وكذلك للتعاون بين الناشرين العرب ودور النشر الأجنبية على ترجمة بعض الكتب لكبار المفكرين والأدباء الأجانب.

واجهة حضارية

يرى الناقد المسرحي د. أسامة أبو طالب أن معارض الكتب في أي دولة، هي واجهة حضارية لها، ويقاس تقدمها الثقافي بمثل هذا المعرض، وهذا ما نلحظه في معرض الشارقة للكتاب الذي تحول في السنوات الأخيرة إلى تظاهرة ثقافية عربية كبيرة، ينتظرها المثقفون من المحيط إلى الخليج سنوياً للمشاركة فيها، نظراً لأنه يتيح فرصاً كبيرة للتعارف وللنشر وللترجمة أيضاً.

يقول أبو طالب: سعدت بحضوري في أكثر من دورة من دوراته، ودائماً أجد ما أحتاج إليه من كتب سواء في النقد المسرحي أو الأدب بشكل عام وهناك اللغات، كما أنني ألتقي بكثير من مؤلفي هذه الكتب، وهو ما يتيحه لنا المعرض.

كانت الشارقة رائدة دائماً وسباقة في المبادرات الثقافية، وإقامة المعرض في ظل هذه الظروف الاستثنائية، تؤكد دور الثقافة في المجتمع، وأنها ليست مجرد رفاهية؛ بل هي علاج نفسي وروحي، واستعادة النفس البشرية للياقتها، بعد صراع عنيف دام لشهور طويلة. الكل في انتظار تجربة المعرض في دورته الاستثنائية هذه، وكلنا متأكدون من نجاحها؛ لأن وراء ذلك خبرات كثيرة ونجاحات سابقة، وعقولاً مستنيرة قادرة على التحدي والإنجاز.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"