عادي

التـسـول..«ابتزاز» يرتدي عباءة الاسترحام

01:25 صباحا
قراءة 7 دقائق
1
1

تحقيق: محمد إبراهيم

غرس الإسلام في نفس المسلم كراهية السؤال للناس، والترفع عن الدنايا، ولكن مع حلول شهر رمضان الفضيل، وما يلحقه من مناسبات وأعياد دينية واجتماعية، نجد أن ظاهرة التسول تتسلسل إلى المجتمع بصور وأشكال مختلفة، الأمر الذي يدعو الجميع للتصدي لها.
ترى شرائح مجتمعية مختلفة، أن التسول «ابتزاز» يرتدي عباءة الاسترحام في هذه الأيام الفضيلة؛ إذ يستكين المتسولون معظم أشهر السنة، وتستيقظ الظاهرة وتتفاقم في المناسبات الدينية التي يجدها المتسولون فرصة كبيرة لاستغلال عطف ضحاياهم؛ بحجة تعاظم الأجر، ونيل الحسنات.
القانونيون اعتبروا الظاهرة، سبباً من أسباب التخلف والجريمة، وطريقاً للانحراف، يتنافى مع السلوك الحضاري، فضلاً عن أن القانون جرمها، ووضع عدة مواد لمعاقبة المخالفين، لاسيما الذين يستخدمون الأطفال في ممارسة تلك الظاهرة.
الجهات المعنية تعمل على قدم وساق من دون توقف لمحاربة ظاهرة التسول، لاسيما أنها أصبحت نمط حياة، ومهنة يرزق منها البعض، ومصدراً لثراء البعض الآخر، وبات الأمر لافتاً للقاصي والداني، معتبرين أن المسؤولية تشمل جميع فئات المجتمع؛ لوقف نشاط هذه الظاهرة.
«الخليج» تقف مع المجتمع على تفاصيل ظاهرة التسول، وكيفية تطور طرائقها، ودور أفراد المجتمع وتضافر الجهود؛ لإيجاد سبل نوعية للتصدي لها خلال الشهر الفضيل، وما يلحقه من أعياد ومناسبات أخرى.

البداية كانت مع المواطن سعيد عبيد الطنيجي، الذي يرى أن التسول ظاهرة اجتماعية، ملازمة لجميع المجتمعات منذ بداية التاريخ؛ إذ تبرز بصورة جلية في المناسبات الدينية مثل شهر رمضان والأعياد؛ حيث ينتشر أصحابها الذين يبحثون عن الكسب المادي، أمام البنوك والمصارف والمساجد وفي الأسواق، مستغلين روحانية تلك المناسبات؛ لاستعطاف أهل الخير، وحثهم على تقديم الأموال لهم.
وأوضح: إن كان بعضهم دفعته الحاجة لذلك، فإن الكثير منهم يتخذ التسول مهنة؛ لكسب المال، مؤكداً أن التسول يعكس صورة غير حضارية للمجتمع الإماراتي، فضلاً عن المخاطر الأمنية لهذه الفئة التي تتخذ التسول مهنة تدر عليها دخلاً كبيراً.
عادات اجتماعية
من جانبه، أكد محمد عصام، أن ظهور المرأة والطفل بالصورة التي نراها في الشهر الكريم، ما هي إلا مظهر يسيء إلى العادات الاجتماعية، ويجسد عملاً سلبياً لجميع الفئات في المجتمع، موضحاً أن تواجدهم بهذه الصور الكثيفة في مناطق الازدحام؛ سيعرضهم من دون شك للخطر والإيذاء، كما أن تعرض الأطفال والقصّـر، لممارسة التسول منذ الصغر، سيؤثر في تكوين شخصيتهم في المستقبل، ويجعلهم يحترفون تجاوز الضوابط والنسق العام للحياة الاجتماعية والمدنية.
وأضاف: إن الظاهرة تتخذ أشكالاً عدة مبتكرة؛ لاستعطاف أفراد المجتمع، أبرزها استغلال الأطفال في عملية التسول، أو عرض تقرير طبي، ربما يكون مفبركاً أو صادراً عن جهة صحية خاصة، أو حتى ربما كان بخط اليد؛ بهدف الوصول إلى ضالتهم المنشودة في جمع أكبر قدر ممكن من المال على حساب الآخرين، موضحاً أننا نجد دائماً متسولين أثناء جلوسنا في المقاهي والمطاعم، أو حتى أثناء السير في السوق، يتوسلون من أجل الحصول على المال.
وفي سرده لقصته مع إحدى المتسولات، قال: كانت تحمل وصفة للعلاج، وتدعي أن أمها ترقد في المستشفى، وتحتاج إلى العلاج، لتكتشف في النهاية أنها رواية كاذبة وتقارير مفبركة، مؤكداً أن الجمهور يتحمل جانباً كبيراً من المسؤولية في تزايد وانتشار الظاهرة، بسبب عدم إبلاغه الجهات المختصة عن أماكن تواجد المتسولين الذين يعدون مصدر خطر يهدد أمن واستقرار المجتمع وسلامة مواطنيه والمقيمين على أرضه.
وفي وقفة مع التربوي وليد فؤاد لافي، أكد أن المتسولين يمتلكون طرقاً مدروسة وحرفية عالية في ممارسة التسول؛ إذ إن بعضهم قد يلجأ إلى التحايل؛ من خلال استعطاف الآخرين، وإيهامهم بأنهم يستحقون الصدقة والمساعدة، كما تقوم بعض الأسر باستغلال أطفالها في عملية التسول.
وأكد أهمية تضافر جهود المجتمع كافة من أفراد ومؤسسات، للحد من انتشار هذه الظاهرة التي تمثل مشكلة خطرة في المستقبل بحق هذا النشء الذين يتم استخدامهم في ممارسة التسول، ويجب على الأسر أن تزرع في أبنائها حب العمل والكسب الشريف واحترام الذات.
وتقص لنا التربوية حنان شرف، واقع التسول ومدى استغلال المتسولين للدين قائلة: يتمثل استغلال وتوظيف الدين في سيل من الدعوات الدينية المصحوبة بالمواقف الدرامية، وقد يحفظ المتسول آية أو حديثاً نبوياً يلقيه على مسامع الناس، على شاكلة: الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
وأضافت: يذهب المتسول إلى الأماكن التي لا يعرفه فيها أحد، وهناك طرق عدة للتسول، منها أن يقف الرجل أمام المسجد عقب الصلاة مباشرة، ويلقى خطبة عصماء أمام الناس، ويتباكى: «يا جماعة الخير عندي 12 نفراً، وأريد إطعامهم، ولدي ثقب في القلب، وعندي السكري والضغط» ثم يقدم في نهاية عرضه الدرامي شهادات طبية تؤكد ادعاءاته، وكذلك قد تقف امرأة على باب المسجد، بطريقة بدائية تقليدية وتحمل بين يديها طفلاً رضيعاً أو معوقاً؛ لاستعطاف الناس.
وهناك طريقة ثالثة، وهي اللف على المنازل؛ حيث تدق المرأة الباب صباحاً، حتى تضمن أن الرجل في الخارج، وتنفرد بالزوجة صاحبة المنزل، ثم تشرع في البكاء والكذب، وترفض الخروج حتى تعطيها المرأة أي شيء.
الزكاة والصدقة
ترفض نجوى إبراهيم، طبيبة صيدلانية إعطاء المتسولين أي جزء من أموال الزكاة أو الصدقة، معتبرة أن من يقومون بالتسول في المناسبات الدينية، يحاولون استغلال العاطفة الدينية لدى المسلم في هذه المناسبات؛ لاستنزاف ماله، أو للحصول على جزء من الزكاة في حين أنهم قد لا يستحقونها؛ لذا رأيت أن أفضل وسيلة للتصدي لهذه الظاهرة، إخراج الزكاة والصدقات في الجمعيات الخيرية المعتمدة، لاسيما أنها جهات موثوقة تضمن لنا وصول الصدقات والمساعدات إلى مستحقيها.
وأضافت أنه يجب على جميع المواطنين والمقيمين أخذ الحيطة والحذر وبالأخص ربّات البيوت لكونهن يتواجدن في المنزل في الفترة الصباحية التي تبرز فيها هذه الظاهرة، ولا يجب السماح للمتسولات بالدخول إلى المنزل بعد أن تعرض العديد من الأشخاص لحوادث سرقة ونصب واحتيال على أيدي هذه الفئة.
الأقربون أولى
انطلاقاً من مقولة: الأقربون أولى بالمعروف أكد إسماعيل معروف، أنه يخرج زكاة الفطر وجميع الصدقات إلى أقاربه، مشيراً إلى أن له قريب عاطل عن العمل وحالته المعيشية سيئة جدّاً فهو أحق بالصدقة من غيره، والكثير من الناس يحذون حذو ماجد فالأوضاع الصعبة التي يعيشها بعض الأفراد في المجتمع، وارتفاع معدلات الفقر لبعض الأسر، جعلت في كل حي وفي كل شارع عشرات المساكين والفقراء ممن يطرقون باب السؤال.
مكافحة
ترى المختصة في علم النفس غاية عيسى، أن الدور قائم على المجتمع نفسه في التحري عن مصداقية أولئك ومدى كذبهم من أجل مكافحة التسول عبر التوعية المستمرة التي تهدف إلى تبيان المظاهر غير الأخلاقية؛ من خلال التوعية الإعلامية، المتكررة المرئية والمسموعة والمقروءة، وكذلك خطباء المساجد وغيرها من الوسائل، وطالبت أفراد المجتمع بالإبلاغ عن أي متسول حتى يكون عبرة لغيره، خاصة من يجدونه قادراً على العمل حتى يتم إلحاقه بمهنة بدلاً من التسول.
وأفادت بأن انتشار الظاهرة يعود إلى أسباب عدة، من بينها الفقر والحاجة والظروف المعيشية الصعبة لبعض الفئات، مضيفة أن الحقد الاجتماعي يلعب دوراً كبيراً في تفاقم الظاهرة باختلاف أشكالها؛ إذ إن المتسول يعتقد خطأ أنه يأخذ حقه من المواطنين الذين سلبوه حقه في العيش بحياة كريمة، ويلجأ للتسول؛ لأنها أفضل السبل بدلاً من اللجوء إلى السرقة أو النصب.
وأكدت أن تجاوب الناس مع المتسولين بطريقة عفوية هو نتاج لثقافة مجتمع، وثقافة دينية، وخجل من رد السائل لكن لو تذكر الناس أن المتسول يسأل يومياً مئات الناس وربما الآلاف غيره، وأن تجاوبهم معه حرم المجتمع من طاقة منتجة؛ لتراجعت ظاهرة التسول، ولعلاج هذه الظاهرة ترى أن العلاج يحتاج إلى تكاتف المجتمع بأكمله لمناهضة التسول وزيادة الوعي بين الأفراد في المجتمع عن كيفية التعامل مع هذه الفئة.
جريمة اجتماعية
من الجانب القانوني قالت المستشارة القانونية مها الجسمي، رئيسة مها للاستشارات القانونية، إن التسول جريمة اجتماعية خطرة، تهدد أفراد أي مجتمع، وعلى الرغم من وجود انخفاض تدريجي في مؤشر ضبطيات التسول منذ سنوات، فإن التحدي القائم أمام الشرطة هو تعاطف كثير من فئات المجتمع واستجابتهم للمتسولين، ما يشجعهم على الاستمرار في حيلهم والإصرار على جريمتهم.
وأوضحت: إن القانون يحظر على كل شخص تجاوز 18 عاماً ولو كان غير صحيح البنية أو غير قادر على العمل أن يتسول في الطريق العام، وكذلك يجرم كل من قام بعرض سلع تافهة وألعاب بهلوانية لا تصلح مورداً جدياً للعيش واصطناع الإصابة بجروح أو عاهات بقصد التأثير في الجمهور لاستدرار عطفه، مضيفة أن القانون يعاقب كل شخص صحيح البنية وجد متسولاً وللمحكمة حق إبعاد الأجنبي عن البلاد، على أن ينفذ الإبعاد بعد تنفيذ العقوبة المحكوم بها.
وأشارت إلى أن الأمر المحلي رقم (43 لسنة 1989 بشأن مكافحة التسول الخاص بإمارة دبي) والذي نص على أن كل شخص صحيح البنية وجد متسولاً يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز شهراً واحداً وبغرامة لا تتجاوز 3000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، ويعاقب بالحبس مدة لا تزيد على 15 يوماً وغرامة لا تتجاوز 1500 درهم أو بإحدى العقوبتين، كل شخص غير صحيح البنية وجد متسولاً، وإذا كان المتسول أجنبياً أمرت المحكمة بإبعاده عن البلاد، وينفذ الإبعاد بعد تنفيذ العقوبة المحكوم بها عليه، مضيفة أنه إذا عاد المحكوم عليه لارتكاب جريمة التسول خلال سنة من تاريخ صدور الحكم عليه يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز شهرين وبغرامة لا تتجاوز 5000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين.تشديد العقوبةاقترحت الجسمي تشديد عقوبة التسول؛ بحيث لا تقتصر الإدانة على المتسولين فقط؛ بل تشتمل على كل من يؤوي متسولاً أو يحرض على ذلك أو يستغل طفلاً في التسول، مضيفة أنه لابد من التفرقة في العقوبة بين الشخص صحيح البنية وغيره الذي يعاني إعاقة أو مرضاً.
ولفتت إلى أنه لابد من إبعاد أي وافد أو زائر يتورط في هذه الممارسات.

الإبلاغ عن المتسولين
أكد عدد من المسؤولين وفئات المجتمع ضرورة التواصل مع عناصر الشرطة، والإبلاغ عن المتسولين في أماكن انتشارهم عبر رقم غرفة العمليات (999)، أو مراكز الشرطة المختصة، انطلاقاً من المسؤولية المجتمعية في المحافظة على الوجه الحضاري للدولة.
انخفاض تدريجي
سجلت الإحصاءات الأخيرة انخفاضاً تدريجياً لظاهرة التسول خلال السنوات الأخيرة، ويأتي هذا الانخفاض بفضل الحملات المكثفة والجهود المستمرة التي تقدمها الجهات المعنية بالتنسيق مع الجهات الأمنية؛ للتصدي لظاهرة التسول، فضلاً عن وعي المجتمع وفئاته وإدراكه لخطورة الظاهرة.

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"