عادي

عذب الكلام

22:30 مساء
قراءة 3 دقائق
1705

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربية، يُسْرٌ لا عُسْرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطبُ العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئَ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكرِ المفتوحةِ على فضاءاتٍ مُرصّعةٍ بِدُرَرِ المَعْرفَةِ. وإيماناً من «الخليج» بدورِ اللغةِ العربيةِ الرئيسِ، في بناءِ ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاويةً أسبوعيةً تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أم اللغات

التَّضْمينُ في البَلاغة: أنْ يُثبتَ الشّاعِرُ أو الكاتبُ شَيْئاً مِنْ كلامِ سِواهُ يوافقُ مَوْضوعَهُ أو يَدْعَمُ كلامَهُ، وهو كثيرٌ في أشْعار العَربِ، ومنْهُ قولُ زُهير:

فلمّا عَرَفْتُ الدَّارَ قُلْتُ لِرَبْعِها

ألَا انْعِمْ صَباحاً أيُّها الرَّبْعُ واسْلمِ

وهذا من قَولِ المُسَيّبِ بنِ عَلس:

ألَا انْعمْ صَباحاً أيُّها الرَّبْعُ واسْلمِ

تحيَّةَ مَحْزونٍ وإنْ لَمْ تَكلَّمِ

وكلاهما منْقولِ من قوْلِ امْرئِ القَيْس:

ألَا انْعِمْ صَباحاً أيُّها الرَّبْعُ وانْطقِ

وحَدّثْ حَديثَ الحَيّ إنْ شِئْتَ واصْدُقِ

وقال الأخطل:

غَرَّاءُ فَرْعاءُ مَصْقولٌ عَوارِضُها

كأنَّها أحْولُ العَيْنَيْنِ مَكْحولُ

وهو مِنْ قَولِ الأعْشى:

غَرَّاءُ فَرْعاءُ مَصْقولٌ عَوارضُها

تَمْشي الهُوَيْنا كَما يَمْشي الوَجي الوَحلُ

دُرَرُ النّظْم والنّثْر

«هيَ الصّبابةُ» للأبيوردي

(بحر البسيط)

هِيَ الصَّبابَة مِنْ بادٍ وَمُكْتَمِنِ

طَوى لَها الوَجْدُ أَحْشائي عَلى شَجَنِ

وَحَنَّةٌ كَأُوارِ النَّارِ يُضْرِمُها

قَلْبٌ تَمَلَّكَ رِقَّ المَدْمَعِ الهَتِنِ

ناوَلْتُهُ طَرَفَ الذِّكْرى فَأَقْلَقَهُ

شَوْقٌ يُصَرِّحُ عَنْهُ لَوْعَةُ الحَزَنِ

فَحَنَّ والوَجْدُ يِسْتشْري عَلَيهِ كَما

حَنَّ الأَعاريبُ مِنْ نَجْدٍ إلى الوَطَنِ

تُذْري دُموعَهُمُ الذِّكْرى إذا خَطَرَتْ

روُيحةُ الحَزْنِ تَمْري درَّةَ المُزُنِ

فَلا اسْتَمالَ الهَوى عَيْني وَإنْ جَمَحَتْ

عَنْها، وَلا افتَرَشَ الواشي بِها أُذُني

هَيفاءُ تُخْجِلُ غُصْنَ البانِ مِنْ هَيَفٍ

عَيناءُ تَهْزَأُ بِالغِزْلانِ مِنْ عَيَنِ

إذا مَشَتْ دَبَّ في أَعْطافِها مَرَحٌ

كَما هَفَتْ نَسَماتُ الرِّيحِ بِالغُصُنِ

وَإنْ سَرى بارِقٌ مِنْ أَرضِها طَمَحَتْ

عَيْنٌ تُقَلِّصُ جَفْنَيْها عَنِ الوَسَنِ

وَأَسْتَمِلُّ إذا ريحُ الصَّبا نَسَمَتْ

حَديثَ نَعْمانَ وَالأَنْباءَ عَنْ حَضَنِ

وَأَحْبِسُ الرَّكْبَ يا ظَمياءُ إنْ بَرَقَتْ

غَمامَةٌ، وَشَدَتْ وَرْقاءُ في فَنَنِ

عَلى رَوازِحَ يَخْضِبْنَ السَّريحَ دَماً

كادَتْ تَمَسُّ أَديمَ الأَرضِ بِالثَّفَنِ

إن خانَ سِرَّكِ طَرفي فَالهَوى عَلِقٌ

مِنّيِ بِقَلْبٍ على الأِسرارِ مُؤتَمَنِ

من أسرار العربية

في أصْوَاتِ المَاءِ:

الخَرِيرُ: صَوْتُ المَاءِ الجَارِي. القَسِيبُ: تَحْتَ وَرَقٍ أوْ قُماش. الفَقِيقُ: إذا دَخَلَ في مَضِيقٍ. البَقْبَقَةُ: صَوْتِ الجرَّةِ والكُوزِ في المَاءِ. القَرْقَرَةُ: حِكَايَةُ صَوْتِ الآنِيَةِ إذا اسْتُخْرِجَ مِنها الشَّرَابُ. الشَّخْبُ: صَوْت اللَّبَنِ عِنْدَ الحَلْبِ. النَشيشُ: صَوْتُ غَلَيَانِ الشَّرَابِ.

وفي أصْوَاتِ النَّارِ وَمَا يُجاوِرُها: الكَلْحَبَةُ: صَوْتُ تَوقُّدِها.المَعْمَعَةُ: صَوْتُ لَهَبِها إذا شُبَّ بالضِّرام. الأَزِيزُ: صَوْتُ المِرْجَلِ عِنْدَ الغَلَيَانِ.الغَطْغَطَةُ والغَرْغَرَةُ: صَوْتُ غَلَيَانِ القِدْرِ.النَّشْنَشَةُ: صَوْتُ المِقْلَى.

هفوة وتصويب

من الأخطاء اللغوية الشائعة قولُ بعضهم: «أُصيبَ الشابُّ بنَزيفٍ»، وهي خطأ، والصَّوابُ «أُصيبَ بنَزْفٍ»، لأنّ «النّزيف» هو الذي سال منه الدم، فهو نازف ونزيف ومنزوف. والفعل: نَزَفَ، ينزِفُ وتقولُ: نَزَفْتُ مَاءَ الْبِئْرِ نَزْفاً إِذَا نَزَحْتَهُ كُلَّهُ.

وقَاْلَ لَبِيَدٌ:

أَرَبَّتْ عَلَيْهِ كُلُّ وَطْفَاءَ جَوْنَةٍ

هَتُوفٍ مَتَى يُنْزَفْ لَهَا الْمَاءُ تَسْكُبِ

ويقول آخرون «الشَّريــعةُ السَّمْحــــاءُ»، والصوابُ: «السَّمْحَـــــةُ»، لأن «أفعــــلَ» مؤنثهـا «فَعلاء»: أبيضُ وبيضاءُ، و«فَعْل» مؤنثها «فَعْلة»: سَمْحٌ وسَمْحَةٌ. والسّمحُ هو السهلُ يقولون: عُودٌ سَمْحٌ بَيِّنُ السَّمَاحَةِ وَالسُّمُوحَةِ: لَا عُقْدَةَ فِيهِ. وَتَقُولُ الْعَرَبُ: عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَإِنَّ فِيهِ لَمَسْمَحاً أَيْ مُتَّسَعاً. قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:

وَإِنِّي لَأَسْتَحْيِي وَفِي الْحَقِّ مَسْمَحٌ

إِذا جَاءَ بَاقِي الْعُرْفِ أَنْ أَتَعَذَّرا

من أمثال العرب

صَاحِ هَذِي قُبُورُنا تَمْلأ الرُّحْـ

ـبَ فأينَ القُبُورُ مِنْ عَهدِ عادِ

خَفّفِ الوَطْء ما أظُنّ أدِيمَ الـ

أرْضِ إلّا مِنْ هَذِهِ الأجْسادِ

سِرْ إنِ اسْطَعتَ في الهَوَاءِ رُوَيداً

لا اخْتِيالاً عَلى رُفَاتِ العِبادِ

الأبياتُ لأبي العلاء المَعرّي، يدعو فيها إلى التمثّل بشيمةِ التواضُعِ واللطف في التّعاملِ، فالجميع مصيرهُم في النّهاية واحد، ولا يبقى إلّا العمل الطيّب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"