عادي

عذب الكلام

23:34 مساء
قراءة 3 دقائق
1

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أمّ اللّغات

من لطيف الجناس في البلاغة، وهو تشابه كلمتين في اللفظ، واختلافهما في المعنى، قولُ المُتنبّي:

بِسَيْفِ الدَّولةِ اتّسَقَتْ أمورٌ

رَأَيْناها مُبَدِّدَةَ النِّظامِ

سَما وحَمى بَني سامٍ وحامٍ

فَليسَ كَمِثْلِهِ سامٍ وحامٍ

«سام وحام»، سلالتان بشريتان، أما سامٍ في الشطر الثاني، فمن السموّ، وحامٍ من الحماية.

وقولُ أبي حفص المطوعي:

لا تَعْرِضَنَّ على الرُّواةِ قَصيدةً

ما لَمْ تَكْنْ بالغْتَ في تَهْذيبِها

وإذا عَرَضْتَ الشِّعْرَ غَيْرَ مُهَذَّبٍ

ظَنُّوهُ مِنكَ وساوساً تَهْذي بِها

في البَيْت الأول «تَهْذيب»، مصدر هَذّبَ، مع الضمير «ها»، و«تَهْذي»، من الهَذَيان، مع حرف الجر والضّمير في البيت الثاني.

دُررُ النّظم والنّثْر

العبّاس بن الأحنف

(من الوافر)

أَلا يا لَيْتَ شِعْري ما أَقولُ

وقَدْ ضَنَّ الحَبيبُ فَما يُنيلُ

جَفاني ثُمَّ وَلّى ظالِماً لي

وفي صَدْري لَهُ حُبٌّ دَخيلُ

ولَوْلا حُبُّكُم يا فَوْزُ دامَتْ

لَنا بِالحُبِّ واصِلَةٌ بَذولُ

عَمي بَصَري فَلَيْسَ يَرى جَمالاً

فَلَيْسَ على سِواكِ لَهُ دَليلُ

يَظَلُّ هَواكِ مُرْتَهِناً لِقَلْبي

وقَلْبي مِنْ جَوى حُبٍّ يَحولُ

تَعَرَّضَ بَحْرُ حُبُّكِ لي مَعيناً

وسالَتْ مِنْ هَواكِ بِهِ سُيولُ

وأَنّي في بِلادِكُمُ مُقيمٌ

ولَيْسَ إِلى لِقائِكُمُ سَبيلُ

يَقولُ عَواذِلي عَنْكَ التَّمادي

فَإِنَّكَ مِن هَوى فَوْزٍ قَتيلُ

من أسرار العربية

الفرقُ بينَ الضَّرِ (بفتح الضّاد) والضُّرّ (بضمّها)؛ الأولى: خلاف النّفْع، والثانية: الهُزال وسوء الحال. أمّا الضّرّاء، فهي المَضَرّة الظّاهرة. والبَأْساء ضَرّاء مع الخَوْف. وأصلها البأسُ وهو الخوفُ، يقال: لا بأسَ عليكَ، أي لا خَوْفَ. ومكانٌ ضَرَرٌ: ضَيِّقٌ؛ قال الأخطل:

بِكُلِّ قَرارَةٍ مِنها وَفَجٍّ

أَضاةٌ ماؤُها ضَرِرٌ يَمورُ

درجَ العربُ على تسميةِ بعض المتضاداتِ باسمٍ واحدٍ، كقولهم: الجَوْنُ: للأبيض والأسْوَد. والصَّريم: للَّيل والصُّبح. والخَيْلولة: للشَّكِّ واليَقين. قال أبو ذؤيب:

فَبَقيتُ بَعْدَهُمُ بِعَيْشٍ ناصِبٍ

وإِخالُ أنِّي لاحِقٌ مُسْتَتْبَع

أي وأتيَقَّن.

والنَّدُّ: المِثلُ والضِّدُّ. والزَّوج: الذَّكر والأنثى. والقانِعُ: السَّائل والذي لا يسأل. والنَّاهل: العَطْشان والرَّيان.

هفوةٌ وتصويبٌ

تكثر هذه العبارة في وسائل الإعلام «وهذا الأمر يلعب دوراً مهمّاً في كذا».. وهي غير صحيحة؛ في المعاجم: «اللَّعِبُ واللَّعْبُ: ضدُّ الجِدِّ، لَعِبَ يَلْعَبُ لَعِباً ولَعْباً، ولَعَّبَ، وتَلاعَبَ، وتَلَعَّبَ مَرَّة بعد أُخرى»؛ قال امرؤُ القيس:

تَلَعَّبَ باعِثٌ بذِمَّةِ خالدٍ

وأَوْدى عِصامٌ في الخُطوبِ الأَوائل

والصّواب في تلك الجملة القول «لهذا الأمر دور مهم..».

ويكثرُ استخدامُ كلمة «ِضدّ»، في غَيْرِ الصوابِ، كأن يقول بعضُهم: «حاربنا ضِدَّ الإرهابيين»، والصواب «حاربنا الإرهابيينَ» و«شنّ الجيشُ هجوماً على العَدوَّ»، لأن كُلَّ شيءٍ ضادَّ شيئاً ليغلبَه، فهو ضِدُّه؛ فالسّوادُ ضِدُّ البياض، والموتُ ضِدُّ الحياة، والليلُ ضِدُّ النهار. والجمع أَضدّاد؛ قال دوقلة المنبجيّ:

الوجهُ مثل الصُّبحِ مُبْيَضُّ

والشَّعرُ مثل اللّيلِ مُسْوَدُّ

ضِدّانِ لمّا استُجمِعا حَسُنا

والضّدُّ يُظهِرُ حُسْنَهُ الضِّدُّ

من حكم العرب

وكأنَّ شَيْبي نَظْمُ دُرٍّ زاهِرٍ

في تَاجِ ذي مُلْكٍ أغَرَّ مُتَوَّجِ

ضَيْفٌ ألَمَّ بمَفْرقي فَقَرَيْتُهُ

رَفْضَ الغِوَايَةِ واقتِصادَ المَنهَجِ

البيتان لدعبل الخزاعي، يقول إن المشيب زينة للرجل، أو هو كالدُرِّ في تاج الملك، وهو علامة النضج، فلنقبل بما نمرّ فيه من أيّام فهذا مسير الحياة الطبيعيّ.


التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/23atrfxj

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"