عادي

لغة عالمية تعبر حدود الزمان والمكان

23:38 مساء
قراءة 4 دقائق
2901

تحقيق: نجاة الفارس

إلى أي مدى يجب أن يكون الشاعر أو المثقف بشكل عام ملماً بالموسيقى بوصفها لغة عالمية؟ وهل من الضروري أن يكون المثقف مهتماً بالموسيقى كونها تعد إبداعاً يحرك المشاعر، ويحث على التأمل؟

يؤكد عدد من الكتّاب والنقاد أن الموسيقى ذات دور كبير في بناء القصيدة عموماً؛ إذ إن لكل قصيدة إطارها الموسيقي العام، متجلياً في الوزن والقافية، والخاص متجلياً بالإيقاع الداخلي؛ فالموسيقى هي الركيزة الأولى في أعمدة بناء القصيدة العربية، كما أن الموسيقى بشكل عام تُنشّط خلايا المخ وتزيد من القدرة على التركيز، وتحفز الذاكرة، وترفع سقف الخيال وهذه المقومات مهمة جداً في تكوين الشاعر والمثقف.

أكد المشاركون أن الإيقاع الموسيقي يتناغم مع المادة الإبداعية باختلاف بيئاتها الزمانية والمكانية.

الموسيقى والشعر

يقول الدكتور محمد الحوراني ناقد وأكاديمي: «لا غنى لأي منا عن الموسيقى، فهي انسجام الروح وتجلي الإيقاع، والمرتقى الذي نلج من خلاله إلى إنسانيتنا، فهي ليست حكراً على فئة دون غيرها، وإن كانت فئة الشعراء هي الأكثر قرباً واندماجاً فيها لما بين الشعر والموسيقى من أواصر القربى، فالموسيقى حد الشعر، وهي المقوّم الرئيسي الذي يفصله عن النثر.

ويضيف: لا ينكر باحث أن الموسيقى هي من تجليات الوزن، والوزن هو أحد تجليات الشعر عند العربي القديم.مقومات مهمةأما الكاتبة والملحنة إيمان الهاشمي فتقول: «اللغة بحد ذاتها موسيقى؛ حيث توجد نغمة خاصة بكل حرف من حروف الهجاء، تختلف تماماً عن أي حرف آخر من حيث النطق والصوت وطريقة مخارجها وأسلوبها مع تغيير حركة الفم والبلعوم واللسان، ناهيك عن اختلاف معناها، وهذا بحد ذاته يتشابه تماماً مع السلم الموسيقي، فكل حركة تمثل نوتة مختلفة باعتبار الموسيقى لغة أيضاً، وبما أن الشعر يعد كلمات أشبه بالمغناة، فمن الطبيعي أن يحل السجع محل الإيقاع في الجملة اللحنية. وتتابع: «كما أن الشعر والموسيقى يعتمدان على صحة الوزن، سواء من حيث وزن التفعيل وبحور الشعر، أو من حيث وزن البار الواحد بالنسبة للنوتة الموسيقية، وبالتالي أرى أنه من الضروري جداً أن يلم الشاعر أو المثقف بشكل عام ولو بالقليل من المعلومات الموسيقية.وتؤكد أن الموسيقى بشكل عام، تنشط خلايا المخ، وتزيد من القدرة على التركيز، وتحفز الذاكرة، وترفع سقف الخيال.زهرة نضرة وتضيف: «من الضروري أن يمتلك المثقف اهتماماً بالموسيقى كزهرة نضرة تزهو في بستان معرفته الثقافي الكبير، مؤكدة أن الموسيقى تعتبر عنصرا مهما من عناصر الحياة، ولا يكتمل معنى الثقافة العامة إن لم يكن المثقف ملماً ولو بالقليل عن الموسيقىكما أن الموسيقى بحد ذاتها تؤثر في سلوك الفرد، وردود أفعاله، وتساعد على تطور نموه النفسي والذهني والفكري. وتتابع: «وهذا يسهم بشكل مباشر في اتساع دائرة الثقافة لديه، ناهيك عن دورها في الصحة الجسدية وكل ذلك يمنح المثقف القدرة على اكتساب الطاقة اللازمة لتثقيف الذات باستمرار».

لغة خالدة

ويقول الدكتور أحمد عبد المنعم عقيلي ناقد وشاعر وأكاديمي: «حين نتكلم عن الموسيقى نستحضر ذاك الأثر العميق الذي يتسرب في الروح والنفس دون استئذان، تلك اللغة التي تدخل ذواتنا وتؤثر في وجداننا فنفرح بها ونطرب، أو نبكي ونتعب، تحدّث عنها كثير من الفلاسفة والمفكرين، وأجمعوا على اعتبارها لغة الإنسان العالمية التي تستطيع أن تجعل الجميع يتفاعل معها». ويتابع: الموسيقى فن نبيل يتجذر في رحم الحياة البشرية منذ بداية الخليقة، وحتى يومنا هذا، عابرةً حدود الزمان والمكان إلى حنايا الروح والوجدان.ويقول: «لعلنا لا نبتعد عن الصواب حينما نقول إن الموسيقى والشعر وجهان لأيقونة الإبداع يكمل كل منهما الآخر».ويقول الروائي والكاتب عبد الرحيم المجيني: الموسيقى لغة الحياة، وأهازيج الفرح، سفر الروح، واشتعال في الذاكرة، الموسيقى ذكر، اطمئنان، ابتهال، موعظة، فلسفة، سحر، حكمة، وحياة، فكيف للمثقف ألا يحب الموسيقى وهو يعيش كل تفاصيلها ويستشعرها ما بين السطور التي يقرأها وما تخط يده من حروف نابضة بالحياة، وكيف للشاعر ألا يكون مهوساً بالموسيقى مادام الشعر يحمل الموسيقى ما بين متنه وعجزه ومنتهياً بقافية موسيقية تطرب لها الأنفس، ليس المثقف والشاعر وحسب وإنما الإنسان يعيش تفاصيل الموسيقى منذ نشأته الأولى وهو يسمعها في مخلوقات الله، فالأرض موسيقى، والمطر موسيقى، والرعد موسيقى، والبحر موسيقى.ويضيف: الموسيقى هي لغة الشعوب سواء كانت موسيقى صوتية أو موسيقى آلية، فلكل شعب صوته الخاص وموسيقاه الخاصة التي نتعرف بها إليه بمجرد سماعه، وهي ما يجعل المثقف أو الشاعر عندما يسمع مثلاً صوتاً هندياً يُعمل الخيال لدية مباشرة، وينتقل الى ذلك المكان وتلك الشخوص والتفاصيل وتشتعل لديه روح الإبداع ليختزل لنا الحياة والمشاعر هناك في بيت شعري متين.

ويتابع المجيني: «الموسيقى هي لغة الكون المعيشة بكل تفاصيلها، يقول أفلاطون: الموسيقى هي قانون أخلاقي، تعطي الحياة للروح»، ويقول جلال الدين الرومي: «الموسيقى أزيز أبواب الجنة، خلاصة القول لا حياة من دون موسيقى ولا حركة دونها».

وجدان

بدورها تقول الدكتورة عائشة الشامسي شاعرة وأكاديمية: الموسيقى فن راقٍ؛ بل هي من الفنون التي لها أهمية خاصة، وليس شرطاً أن يكون المثقف أو الشاعر موسوعة أدبية أو فكرية، بمعنى أن يكون ملماً بكل أنواع الفنون والموسيقى، ونحن لا نختلف بأن الموسيقى لغة عالمية، ولكن إذا كان الشاعر أو المثقف غير مطلع على علم النوتة الموسيقية، أو لا يستطيع التعرف إلى المقطوعة الموسيقية، فهذا لا ينتقص من شخصيته، ولا يؤثر في ثقافته وكذلك الشاعر، أما إن دفع الفضول الشخص المثقف أو الشاعر لمعرفة خبايا هذا الفن فهذا أمر رائع، يضيف إلى معارفه معرفة جديدة، وتقول: «أنا أحب الموسيقى كموسيقى، كلغة لا تنطق بالكلمات، هي ذبذبات تصل للوجدان، تأخذني لعوالم أخرى بعيدة، وهذه العوالم أبوابها الشعر، ولكن ليس الاهتمام الذي يدفعني للبحث عن كل مقطوعة موسيقية نادرة لاقتنائها أو تتبع أخبار الموسيقى العالمية.

نبض الروح

الموسيقى تخاطب الروح والجوهر، وتتسرب إلى الأعماق البشرية، وتكوّن الحالة النفسية للأفراد، على اختلاف ثقافاتهم ومراحلهم العمرية، من هنا، فالموسيقى تفرض نفسها وبقوة على الإنسان عموماً وعلى المثقف والمبدع والمفكر على وجه الخصوص، لأن هذه الساحرة قادرة على اختراق أعماق الذات الإنسانية وملامسة تجاويفها ودغدغتها

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"