عادي
قراءات

ماركيز..الكتابة طريق الهروب من الخجل

22:10 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

«اسمي أيها السنيور هو جابرييل جارثيا ماركيز. آسف، أنا أيضاً لا أحب هذا الاسم، لأنه عبارة عن خليط من أسماء عادية، لم أتمكن قط من الارتباط بها، ولدت في بلدة أراكاتاكا في كولومبيا، من مواليد برج الحوت، وزوجتي اسمها مرسيدس وهما (زوجتي وبلدتي) أهم شيئين حدثا لي في حياتي، لأنني بسببهما تمكنت من استخدام الكتابة للنجاة، أو على الأقل النجاة حتى الآن».

هذه أولى الجمل التي كتبها ماركيز في واحد من أقل كتبه شعبية، ربما يعود هذا إلى حقيقة أنها لم ترد في أي من رواياته المشهورة، أو في مجموعاته القصصية، ولا حتى في مذكراته، تجدها فقط في كتاب «صور ذاتية» الذي نشر في بوينس آيرس بواسطة المصورتين سارة فاثيو، وأليشيا داميكو، جمعت المصورتان الصور الشخصية لمجموعة من المؤلفين، وأضاف المؤلفون اللاتينيون البارزون إليها مقتطفات من سيرهم الذاتية.

كتب ابن عامل التلجراف الذي أتى من أراكاتاكا: «أنا كاتب لأنني إنسان خجول، إن صنعتي هي السحر، لكن طول المدة التي استغرقها في صناعة سحري، تصيبني بالاضطراب، فأضطر إلى أن أحتمي بالعزلة التي يوفرها لي الأدب، على أية حال، قيامي بالأمرين معاً: السحر والأدب، يؤدي بي إلى الشيء الوحيد الذي أثار اهتمامي منذ أن كنت طفلاً: إن أصدقائي سيحبونني أكثر».

ويؤكد كونرادو زولواجا في كتابه «ماركيز.. لن أموت أبداً.. حكايات كتبه»، الصادرة ترجمته العربية عن دار العربي للنشر والتوزيع، أن «الكتاب يكذبون طوال الوقت»، لكن الذين تابعوا كتابات ماركيز سيكون عليهم أن يتذكروا بعض جمله المكررة في أعماله المختلفة، وحينها سيدركون أنه صادق، كان أقوى دوافعه للقيام بأي شيء هو أن يحبه أصدقاؤه أكثر، ومن أجل هذا الهدف وحده، برع في أثناء طفولته في الرسم على حائط ورشة صائغ الفضة، ثم برع في الخدع السحرية في أيام نشأته الأولى، وفي مراهقته أصبح لاعب بيانو وأكورديون ماهراً، ثم بائع موسوعات، وشاعراً، وصانع أفلام، وحكاء للقصص، ثم كاتباً لها.

وقع حدث أظهر للعامة صفة من صفات ماركيز الشخصية، بعد وصوله إلى العاصمة الفنزويلية في أغسطس عام 1968 بصحبة ماريو فارجاس يوسا في حفل جائزة «رومولو جايجوس»، كان من المخطط أن يلقي ماركيز محاضرة كجزء من برنامج هذا الحفل بعد أن أصبح ذائع الصيت؛ لأن روايته «مئة عام من العزلة» تخطت توقعات الجميع، وطبعت منها ثماني طبعات.

عندما ظهر ماركيز أمام الجمهور اكتشف أنه ليس لديه ما يقوله، والأسوأ هو أنه لم يكن مقتنعاً بما سيقوله، لم تكن لديه أدنى فكرة عن كيفية التحضير لمثل هذه الفعاليات. وفي رده على سؤال طرح عليه حكى قصة يمكن أن تستمر وتستمر إلى ما لا نهاية، ثم وفي محاولة للسيطرة على الموقف الذي يكاد يفلت من يديه، وهو موقف لن يتكرر معه أبداً في ما بعد، عكس الوضع، أخذ هو في طرح أسئلة على الجمهور الذي ملأ الغرفة.

هذه المغامرة أمام الجمهور في كاراكاس وتوقع الجميع منه أن يتحدث عن نفسه، وأن يبدي آراءه ونظرياته في ما يخص مهنته، وأن يبدي رأيه في إبداعات زملائه من الكتاب، وأن يتنبأ بمستقبل الأدب، قادته إلى اتخاذ قرار له الأهمية نفسها، التي يتمتع بها استمراره في الكتابة، لن يشارك أبداً في أي محاضرات أو أي مناقشات أكاديمية، سيكتفي بكونه راوياً للقصص والحكايات.

يوضح الكتاب أنه يمكن القول إن ماركيز لم يصبح كاتباً بناء على دعوة أو إلهام، ولكن عن طريق التدبر والالتزام كنوع من التحدي، وسيدرك القارئ عاجلاً وليس آجلاً، أن هذا الكاتب الكولومبي كان مندمجاً في مزج الواقع بالخيال لدرجة استحال معها الفصل بين الاثنين، وأن يقرر المرء أن يكون كاتباً في أي عمر أشبه بأن يراهن المرء على نفسه، وأن ينشر المرء عمله لتقرأه العامة، هو التصرف المتوقع لأي كاتب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"