عادي

تحليل الدم لإثبات قضية

22:25 مساء
قراءة 3 دقائق
1
عارف الشيخ

د. عارف الشيخ
تلجأ المستشفيات اليوم إلى تحليل الدم والبول والبراز للوصول إلى تشخيص الأمراض، لذا فإن المختبرات لها أطباء متخصصون.

وأجهزة الشرطة والنيابة تأخذ بنتائج تحليل الدم والبول أيضاً، لأنه أسلوب علمي صحيح يعتمد عليه في الدول الغربية المتقدمة.

ويذكر الدكتور حسن صادق المرصفاوي في كتابه: «المرصفاوي في المحقق الجنائي» ص56، أن «الحلقة الدراسية التابعة للأمم المتحدة التي عقدت في نيوزيلندا، تناولت رأي المشاركين فيها، والقائلين بأنه ليس هناك مانع من استعمال وسائل كتحليل دم المتهم أو بوله في التحقيقات عموماً، ما دامت تؤدي إلى نتائج مقبولة ومعترف بها علمياً، لا سيما إذا كانت تكمل غيرها من الأدلة».

ولا يقال بأن هذا من قبيل إجبار الفرد على الاعتراف، في هذا مساس بحقه الشخصي، لأن مصلحة الجماعة تقدم على مصلحة الفرد.

إذن هذا هو رأي القانون الوضعي، فهل يا ترى أخذت الشريعة الإسلامية بمثل هذا الإجراء؟ وهل بنت حكمها عليه في شيء فيما سبق؟

لم يكن في السابق مختبر لتحليل الدم، لكن هناك اجتهادات للصحابة تشبه إجراءات المختبرات في تحليل الدم للوصول إلى نتيجة بها تثبت الجريمة.

وفي «الطرق الحكمية» لابن القيم ص 57، يذكر العلامة ابن القيم ما قضى به الإمام علي كرم الله وجهه، وهو أن «المضروب إذا ادعى أنه أخرس، يؤمر بإخراج لسانه وينخس بإبرة، فإنه خرج الدم أحمر فهو صحيح اللسان غير أخرس، وإن خرج الدم أسود فهو أخرس».

ويذكر ابن القيم أيضاً فيما يرويه عن الإمام أحمد، عن أن «المرأة إذا ادعت أن زوجها عنّين (أي عاجز عن الجماع) وأنكر الزوج ذلك وهي ثيب، يخلى الزوج معها في بيت، ويقال له أخرج ماءك على شيء، فإذا ادعت أنه ليس بمني، جعل ذلك على النار، فإذا ذاب فهو مني، وبطل قولها».

وهكذا حكم بالأمارات الظاهرة، لأن المني إذا جعل على النار ذاب واضمحل، وإن كان بيضاً تجمع ويبس، فإن قال أنا أعجز عن إخراج مائي صحّ قولها عندئذ.

إذن فإن مثل هذه الآثار، تصلح دليلاً على جواز الاعتماد على التحاليل المخبرية في إثبات قضايا كقضية الشرب متى ارتكب شارب الخمر جريمة، وادعى أنه كان سكران.

نعم، نتيجة التحليل قرينة تثبت بها الجريمة فيعاقب الشخص بموجبها تعزيراً، لكن لا يقام عليه الحد الشرعي الذي يحتاج إلى شهادة رجلين أو إقرار الشارب على نفسه، لأن الحدود تدفع بالشبهات.

والسكر في هذه الأيام سكر متعمد، ومن ثم فإن السكران ينبغي أن يعاقب شرعاً وقانوناً، وإلا فإنه يسكر ويرتكب من الجرائم ما شاء، ثم يدعي بأنه كان فاقد الوعي حال ارتكاب جريمته، وعندئذ تضيع دماء الناس وأعراضهم وحقوقهم هدراً.

والتحليلات المختبرية اليوم ليست من قبيل الظن والشبهة، لأنها نتائج علمية محققة، فهي حقيقة بالأخذ بنتائجها، ولو كانت هذه المختبرات موجودة في عهد النبوة أو في عهد أبي حنيفة، لأخذ بها من غير شك.

وقد ذكر ابن فرحون المالكي في «تبصرة الحكام» ج2 ص182/ 183 أن «مالك يرى إذا أخذ السكران في الأسواق والجماعات قد سكر، وتسلط بسكره وآذى الناس، أو روّعهم بسيف شهره أو حجارة رماها وإن لم يضرب أحداً، أن تعظم عقوبته ويضرب حد السكر».

وهذا يعزز القول بأن تحليل الدم إذا أثبت أنه كان سكران وارتكب جريمة، فإنه يعاقب بالعقوبة الكاملة وهي الحد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"