عادي

السلام مع النفس والكون

22:28 مساء
قراءة 3 دقائق

يصف الشيخ جابر طايع، وكيل أول وزارة الأوقاف المصرية السابق، السلام، بقيمة إنسانية راقية حرصت الشريعة الإسلامية على ترسيخها في النفس، موضحاً أن الحق سبحانه وتعالى يقول «وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» الآية (25) سورة يونس، و«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ» الآية (208) سورة البقرة.

المسلم الحقيقي، حسب الشيخ جابر طايع، متسامح مع نفسه وأقاربه وذويه والناس جميعاً، والنبي الكريم، صلى الله عليه وسلم، يقول: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلَمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ»، وكل ذلك يؤكد أن الشريعة الإسلامية حثت وأمرت بالسلام. والمؤكد أن تحقيق السلام المجتمعي يؤدي لقوة ورفاهية المجتمع، والمواطنة الحقيقية تحقق أيضاً هذه الغاية النبيلة، فعندما يعم السلام في المجتمع، يعيش الناس في أجواء إيجابية، وتتحقق لهم كل سبل التنمية والتقدم؛ لذلك فإن تحقيق السلام يعد من أركان عملية بناء الوعي، وبناء الأمم والحضارات.

ويشدد على ضرورة أن تركز جميع الجهات المعنية بنشر الوعي وبناء الشخصية الوطنية، على نشر السلام ليس فقط داخل الوطن الواحد؛ بل مع الناس جميعاً، ويقول: تكون الحاجة أشد إلى نشر السلام داخل الوطن وبين جميع أفراده بغض النظر عن اختلاف الدين أو العرق أو الثقافة أو الجنس، لأن ذلك يرسّخ البناء المجتمعي، ويزيد من الوحدة والتماسك والترابط بين أبناء المجتمع، ولا يمكن أن يتحقق الأمن أو الاستقرار من دون نشر ثقافة السلام، والمسلم يعيش في سلام مع الكون كله، فلا يؤذي حيواناً، ولا يحرق نباتاً، ولا يتلف شجراً، ولا ثمراً، إنما هو بناء معطاء، يحب الخير لا الشر، والبناء لا الهدم، والتعمير لا التخريب. وما أجمل أن يعيش الإنسان في سلام مع نفسه، وأسرته، وعائلته، وجيرانه، وأصدقائه، والمجتمع والكون كله.

ويضيف: السلام لا يتحقق إلا من خلال نفس صافية تحكمها ضوابط إيمانية وإنسانية راقية، من أهمها أن يكون للإنسان وجه واحد ظاهره كباطنه، لا أن يكون ذا الوجهين، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ شَرَّ النَّاسِ ذُو الوَجْهَيْنِ، الذي يَأْتي هَؤُلَاءِ بوَجْهٍ، وهَؤُلَاءِ بوَجْهٍ»؛ لذلك لابد أن يكون الإنسان محباً للناس جميعاً، وأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه كما أمر النبي الكريم. ونشر قيم السلام يؤدي لمواجهة كل صور التعصب والكراهية، وإذا كان السلام المقصود منه أن يكون قلب الإنسان لا يحمل الغل والحقد والحسد والكراهية، فإن التنافس الشريف في المجالات كافة من الأمور التي تؤدي لمصلحة الوطن، بشرط عدم إلحاق الضرر بالناس، وأن يكون الهدف من هذا التنافس خدمة الوطن، وتحقيق معدلات إيجابية في مجالات العمل، وألا يؤدي التنافس إلى البغضاء والكراهية أو وضع العراقيل أمام المتنافسين، لكن يكون التنافس قائماً على الشرف والنزاهة؛ وذلك بهدف أن يسارع كل إنسان بتطوير قدراته، والعمل على اكتساب مهارات جديدة، فكل ذلك من الأمور التي تؤدي في النهاية لخدمة المجتمع، وتحقق مصلحة الفرد والمجتمع.

ويشير الشيخ جابر طايع إلى أن الشريعة الإسلامية أوجبت دفع الضرر عن الناس، وتقدم النفع والخير لهم، والمساعدة في دفعهم للنجاح والتفوق، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الشريف «إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ». ويقول: هذا الحديث الشريف دليل على منهج الإسلام في الدعوة للخير والسلام وخدمة الناس، والعمل على مد يد العون للناس جميعاً، بهدف أن تسود المحبة بين أبناء الوطن، وكلما تحققت هذه المفاهيم في المجتمع، انعكس ذلك على رقيه وتقدمه، وبناء وعي المجتمع يبدأ من نشر السلام والمحبة بين أفراده، وبغض النظر عن اختلاف الدين أو الجنس أو اللون، لابد أن تسود هذه القيم والمبادئ بين أبناء الوطن جميعاً، لأن الحق سبحانه وتعالى يقول «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ» الآية (99) سورة يونس.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"