عادي
قراءات

النظرية العامة لكينز.. ملحمة علم الاقتصاد

23:54 مساء
قراءة 3 دقائق
  • غيّرت تصورات الكثيرين حول آليات عمل الاقتصاد

القاهرة: «الخليج»

في ربيع عام 2005 طلب من هيئة مكونة من مجموعة من العلماء والقادة السياسيين المحافظين، تحديد أكثر الكتب خطورة في القرنين التاسع عشر والعشرين، واتخذ داروين وبيتي فريدان موقعين في أول القائمة، لكن المفاجأة أن جون ماينارد كينز احتل بكتابه «النظرية العامة للتشغيل والفائدة والنقود»، مكانة متقدمة في القائمة وتفوق على لينين وفرانز فانون.

كينز هو صاحب العبارة التي كان كثير من الناس يرددونها: «إن الأفكار وليس المصالح الخاصة آجلاً أو عاجلاً هي التي تشكل خطورة كبيرة سواء للخير أو الشر».

لقد شكل هذا الكتاب الذي ترجمته إلى العربية إلهام عيدروس، آراء الناس، بما في ذلك الذين لم يسمعوا عنه، والذين يعتقدون أنهم يختلفون معه، فرجل الأعمال الذي يحذر من أن انهيار الثقة يشكل خطراً على الاقتصاد كينزي، سواء كان يعلم هذا أم لا، والسياسي الذي يعد الناس بأن تخفيض الضرائب الذي يريد القيام به سيضع في جيوبهم المزيد من النقود الممكن إنفاقها كينزي، حتى لو ادعى أنه يكره مذهب كينز.

يؤكد بول كروجمان (الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2008) في تقديمه للكتاب، أن وصول علم الاقتصاد الكينزي إلى قاعات الدراسة في الولايات المتحدة تأخر كثيراً بسبب حالة مقززة من المكارثية الأكاديمية، على الرغم من أن كينز لم يكن اشتراكياً، فقد جاء لإنقاذ الرأسمالية، وهناك وجاهة في اعتبار أن «النظرية العامة» كتاب محافظ بالنظر إلى التوقيت الذي كتب فيه. كان كينز يكتب في وقت تميز بانتشار البطالة والخراب والمعاناة على مستوى غير معقول، وربما كان للرجل العاقل أن يتوصل إلى أن الرأسمالية فشلت، وأن تأميم وسائل الإنتاج هو الوحيد القادر على استعادة السلامة الاقتصادية.

لكن كينز صرح بأن هذه الإخفاقات لها أسباب تقنية محدودة، فقد كتب حين كان العالم ينزلق إلى الكساد عام 1930: «لدينا مشكلة في جهاز التشغيل، مولد التيار»، ولأنه رأى أن أسباب البطالة محدودة، دعا إلى أن يكون حل المشكلة محدوداً وتقنياً: «كان النظام في حاجة لمولد جديد للتيار وليس لاستبدال السيارة كلها».

وعلى وجه التحديد: «لا توجد دعوى لنظام اشتراكي للدولة بحيث تضع يدها على معظم الحياة الاقتصادية في المجتمع»، فبينما كان الكثير من معاصريه يدعون الحكومة للاستيلاء على الاقتصاد طرح كينز أن سياسات حكومية أقل اقتحاماً، يمكنها أن تضمن تحقيق طلب فعال ملائم، مما يسمح للأسواق بالاستمرار في العمل، كما كانت.

ويحتل «النظرية العامة» كإنجاز فكري مكانة متميزة لا يشاركه فيها سوى عدد قليل من الأعمال الأخرى في علم الاقتصاد، تلك المجموعة الضئيلة من الكتب التي غيرت تصورنا عن العالم، بحيث تغيرت رؤية الناس للأمور فور أن صاروا مدركين لما تقوله.

فعل آدم سميث هذا في «ثروة الأمم»، فالاقتصاد لم يعد مجموعة من الناس يكسبون وينفقون، وإنما نظام ذاتي التنظيم، يكون فيه الأفراد «مساقين بيد خفية لتحقيق غاية لم تكن جزءاً من أهدافهم». ويقع «النظرية العامة» في نفس الفئة، فقد أصبحت فكرة أن البطالة واسعة النطاق نتيجة لانخفاض الطلب، متصورة تماماً؛ بل وواضحة أيضاً، بعد أن كانت تعتبر لمدة طويلة هرطقة متطرفة.

يقول كروجمان إن كينز «كان مثقفاً من الطراز الأول، وكان يفهم الأفكار الاقتصادية السائدة في عصره بشكل جيد، ودون تلك القاعدة من المعرفة لما استطاع شن هذا النقد المدمر على المدرسة الاقتصادية التقليدية السائدة، وفي نفس الوقت كان راديكالياً جريئاً ومستعداً للتفكير في احتمالية خطأ بعض الافتراضات الجوهرية التي قام عليها علم الاقتصاد الذي تعلمه، هذه الصفات سمحت لكينز بأن يقود الاقتصاديين والعالم كله إلى النور، فالنظرية العامة ليس أقل من رحلة ملحمية للخروج من الظلام الفكري، إضافة إلى دلالاته المستمرة بالنسبة للسياسة الاقتصادية، ما يجعله كتاباً سيبقى للأجيال».

الصورة
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"