عادي

«المعلم ومرغريتا»..سيرة سياسية لرواية

00:03 صباحا
قراءة 3 دقائق
ميخائيل بولغاكوف

القاهرة: «الخليج»
تعكس عبارة «المخطوطات لا تحترق» في رواية «المعلم ومرغريتا» لميخائيل بولغاكوف (1891 – 1940) بدقة مأساة حقبة كاملة في تاريخ الأدب الروسي، هكذا يؤكد د. أنور إبراهيم الذي يعكف حالياً على ترجمة كتاب تتم من خلاله إعادة تاريخ إنشاء واحدة من أكثر روايات القرن العشرين روعة، كيف ولد نص الرواية على يدي بولغاكوف، والتطورات التي وقعت بالتدريج، وفي أي لحظة ظهرت شخصيات معينة، ومتى استقر الكاتب على اسم الرواية.

كتب بولغاكوف «المعلم ومرغريتا» بين عامي 1928 و1940 ونشرت بعد ثلاثة عقود من رحيله، فقد توفي قبل أن ينهي مراجعة الرواية بالكامل، وقد نشرت لأول مرة في مجلة موسكو بين عامي 1966 و1967 بعد حذف الكثير من الفقرات منها لأسباب تتعلق بالرقابة، ثم ظهرت أول طبعة كاملة عام 1973 في الاتحاد السوفييتي، وظلت هذه هي الطبعة الوحيدة حتى ظهرت طبعة أخرى عام 1989.

ترجمت الرواية إلى لغات عديدة، حتى قيل إنها أكثر الروايات الروسية ترجمة إلى الإنجليزية.

تعد هذه الرواية من أشهر أعمال الأدب الروسي وأكثرها صدقاً، فهي مليئة بالإشارات إلى أماكن وأحداث حصلت، وعاشها الكاتب في مرحلة، تميزت بالخوف والاعتقالات والاغتيالات إبان حكم ستالين، ما دفع بولغاكوف إلى تأجيل نشر روايته، وإجراء تعديلات عليها، لمدة استمرت ما يزيد على عشر سنوات، في محاولة للتعبير عن ذلك الخوف وعن حالة الجنون واللامعقول، التي سادت تلك المرحلة في الاتحاد السوفييتي، وأيضا في محاولة للمرور عبر مقص الرقيب.

إن سوداوية الواقع وانقطاع الأمل وحياة البؤس التي لا أمل في الخروج منها، وإجبار الناس على الخضوع، كل ذلك يجعلهم ضعفاء وعلى استعداد لتقبل كل شيء، وتصبح الشخصيات محبوبة طالما أنها تقدم للناس ما يحلمون بالحصول عليه من ملابس على الموضة، وعملة أجنبية، ومسكن مقبول، وحب حقيقي، وإبداع بلا خوف، وحرية.

يستمد بولغاكوف رؤيته في مواجهة تلك الأيام شديدة الوطأة على الناس في الاتحاد السوفييتي، حيث يغرق الناس في الأوهام، أو يسعون عن طريق الخداع لتحسين أوضاعهم، في تلك الفترة انتشرت الاتهامات بالعمالة وكراهية الأجانب، والشك في كل شخص، والتعرض للاعتقال لأدنى سبب، حيث تعيش عدة عائلات في شقة واحدة، إنه يواجه بروح هزلية ساخرة تلك الأوضاع السيريالية البائسة.

عاش بولغاكوف طفولته وشبابه في مدينة كييف، التي كانت مسرحاً لأحداث دارت في رواية «الحرس الأبيض» وكانت تعبيراً عن الإحساس العميق بالعائلة وبالوطن، وانتسب إلى كلية الطب في جامعة كييف عام 1909 وتخرج فيها عام 1916.

مع اندلاع الحرب العالمية الأولى كانت شخصية بولغاكوف قد تبلورت، وبعد تخرجه عمل في مستشفيات الصليب الأحمر، ومن هناك تم استدعاؤه للخدمة الإلزامية، حيث عمل في البداية طبيباً في مستشفى القرية، وشكلت تلك الأعوام مادة لقصص كتبها وصدرت في عام 1925 ضمن سلسلة «مذكرات طبيب شاب».

لم ينشأ احتكاك بولغاكوف بأحداث ثورة 1917 سوى في مدينته كييف التي عاد إليها في مارس عام 1918 يقول: «في عام 1919 أثناء إقامتي في كييف، تكررت دعوتي للخدمة طبيباً من قبل مختلف السلطات التي كانت تشغل المدينة».

في عام 1919 تم استدعاؤه للخدمة في الحرس الأبيض، ومن ثم نقله للخدمة طبيباً إلى شمال القوقاز، ونشر أول مقالة صحفية تحت عنوان «آفاق المستقبل» مكتوبة انطلاقاً من رفض «الثورة» كان سقوط القيصر بالنسبة له يعني سقوط روسيا ذاتها، وحسم خياره النهائي وتخلى عن مهنة الطب وكرس حياته للعمل الأدبي.

مات بولغاكوف في موسكو عام 1940 بعد أن حاول حرق مخطوطة «المعلم ومرغريتا» التي أنقذتها زوجته، ولم ينل حقه من اهتمام النقاد والمؤسسات الرسمية، بل إن تعتيماً فرض عليه وعلى إبداعه في الاتحاد السوفييتي، ولم يفرج عن أعماله إلا مع انطلاق البيرسترويكا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"